القامشلي ـ حوار: علي عمر
شهدت الأزمة السورية تطورات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، تجلت بشكل أساسي بتطبيع عدد من الدول العربية علاقاتها مع حكومة دمشق وعودة الأخيرة إلى مقعدها بالجامعة العربية، والحديث عن السعي ليكون هناك دور عربي فاعل في حل هذه الأزمة، بدءاً من الجانبين الأمني والإنساني ومحاولة الوصول إلى محادثات سياسية تقود إلى إنهاء الأزمة، وسط ضبابية تسود مستقبل هذه الجهود ومدى إمكانية نجاحها في تحقيق الأهداف المرجوة، في ظل التشكيك بمدى التزام دمشق وصعوبة تحقيق مقاربات بين المواقف مع استمرار الرفض الغربي لأي تطبيع معها قبل الحل السياسي، وتقول رئيسة منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي خلال حوار مع تارجيت في هذا السياق: “إن إعلان عمان أكد بشكل لا لبس فيه على الحل السياسي الذي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254 باعتباره الإطار الأساس للتوصل لحل شامل للصراع السوري، وكذا اعتماد سياسة متوازنة ومتصاعدة تمكّن من تأسيس نهج منظم نحو هذا الهدف”.
نص الحوار:
1– في ظل كل هذا التطورات والتحولات إلى أين تتجه الأزمة السورية برأيك؟
قبيل اجتماع القمة العربية في مدينة جدة بتاريخ 19 أيار/مايو ضمن مظلة الجامعة العربية حيث انتقلت رئاسة الدورة 32 للجامعة من دولة الجزائر إلى المملكة العربية السعودية، جرى لقاءان هامان أحدهما في العاصمة الأردنية عمّان وهو لقاء بيني عربي لدول أربعة + واحد، والثاني في مدينة جدّة وهو لقاء أميركي – سعودي، في اللقاء الأول – لقاء عمّان التشاوري المنعقد في تاريخ الأول من شهر أيار الفائت، وبحضور وزراء خارجية كل من مصر والسعودية والعراق والأردن حيث تمت دعوة وزير الخارجية السوري ليكون طرفاً في اللقاء، قام المجتمعون بالبحث الجدّي والعاجل عن مخارج من العقدة السياسية السورية التي طال أمدها ودفع ثمنها غالياً الشعب السوري دماً واستقراراً وأمناً. وصدر عن الاجتماع “إعلان عمّان” الذي سيكون مقدّمة لوضع آليات واضحة وفاعلة لإنهاء النزاع في البلاد الممتد لعقد ونيف من الزمن.
2– هل من الممكن أن نرى تطبيق للقرارات الدولية وخاصة القرار 2254 بصيغتها الصحيحة؟
أكّد إعلان عمّان بشكل لا لبس فيه على حتمية الحل السياسي الذي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254 باعتباره الإطار الأساس للتوصل إلى حل شامل للصراع السوري، وكذا اعتماد سياسة متوازنة ومتصاعدة تمكّن من تأسيس نهج منظّم نحو هذا الهدف.
3– هل بالفعل حكومة دمشق يمكن أن تنخرط بمحادثات حقيقية تقود لتطبيق القوانين الدولية بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين والكشف عن المفقودين وغيرها؟
دعت الجامعة في اجتماعها قبيل القمة إلى ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرج نحو حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل الخطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، بمواصلة الجهود التي تتيح تأمين وصول المساعدات الإنسانية لكافة المحتاجين في سوريا، وعليه فإن حضور بشار الأسد لأعمال قمة الجامعة العربية كان مرهوناً بالتزامٍ قطعَه الأخير بتحقيق هذه الشروط التي وضعتها السعودية والدول العربية لقبوله مرة أخرى بالجامعة العربية، ولو أن خطاب الأسد خلال الجلسة الافتتاحية للقمة جاء متناقضاً في المبنى والمعنى مع قبوله للشروط العربية، إلا أن الأسد يقع اليوم تحت ضغط كبير لتنفيذ التزاماته بالمضي قُدماً نحو تطبيق القرار الأممي 2254 وتحقيق الانتقال السياسي الرزين في سوريا بما يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين الذين ضاقت بهم السبل. ولأن الثقة بالنظام السوري مازالت غائبة ولا نعرف ما تحمله الأيام القادمة، إلا أن القيادة السعودية مصممة خلال رئاستها للجامعة العربية على تحقيق انتقال سياسي عادل في سوريا بناءً على القرارات الأممية.
4 – هل الدول العربية تملك الأدوات للبدء بمحادثات للحل في سوريا وإلزام دمشق على الالتزام بها؟
النظام السوري أمام استحقاق تاريخي، عربي ودولي، للوفاء بالمطالب الإنسانية والقانونية المتعلّقة بمصير الشعب السوري الجريح. ومن واجبات النظام التي تعهّد بها هي إبراز الجدّية والالتزام وبناء الثقة المفقودة، والتعاون مع الجهود العربية والدولية، ولا سيما الأمم المتحدة، لتسهيل تنفيذ قرارات مجلس الأمن والمساهمة بفعالية في تحقيق حل سياسي مستدام في سوريا، ولابد في هذا المفترق السياسي في مجريات الملف السوري من اللجوء إلى آليات حاسمة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، والكشف عن مصير المغيّبين قسراً، وذلك من خلال إنشاء لجان للحقيقة، بتوجيه من جامعة الدول العربية، بهدف تحقيق ظروف أولية للعدالة الانتقالية بالإفراج الفوري عن المعتقلين لأسباب سياسية (وهو أمر فوق تفاوضي)، وضمان الشفافية في الكشف عن المعلومات المتعلقة بالمغيّبين قسراً، ومن خلال لجان الحقيقة ستساهم الجامعة العربية بإلزام نظام دمشق بمعالجة الأبعاد الإنسانية والقانونية للأزمة السورية، وحثه على المضي في خطوات ملموسة لتعزيز الثقة وخلق بيئة شاملة للعملية السياسية.
5 – أين المعارضة من كل ما يجري وهل من الممكن مستقبلاً التوافق بين جميع الأطراف السورية على موقف وصيغ معينة؟
“المعارضة بمؤسساتها التفاوضية لم تجتمع للأسف منذ سنوات. لكن هناك اجتماع تعقده هيئة التفاوض في جنيف في الثالث من حزيران/ يونيو لأول مرة منذ 3 أعوام وتتدارس موقفها من كل التطورات الإقليمية والدولية التي تتعلق بالقضية السورية، وعساها تخلص إلى موقف موحد ورصين”
6– ماذا عن مواقف الدول المتدخلة في الأزمة أي تركيا وروسيا وإيران؟
موقف تركيا ينتظر التطورات الميدانية بين الولايات المتحدة وإيران ولاسيما في منطقتي التنف وشرق الفرات حيث هددت إيران وميليشياتها بمهاجمة القوات الأمريكية وأعلن بالمقابل الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سيحمي كل جندي وموقع أمريكي في أي مكان في العالم كما يفعل دائماً، لذا علينا أن ننتظر حتى تتبلور المواقف والأحداث.
7 – كيف تستطيع الدول العربية تجاوز الموقف الغربي المتشدد حيال التطبيع مع حكومة دمشق؟
الولايات المتحدة، ماضية في عزلها لبشار الأسد وحكومته من خلال رفض التطبيع معه، وفي الوقت عينه مازالت عصا العقوبات مسلّطة وفي تصاعد مستمر على نظام الأسد، ولن تُرخى إلا حين يمتثل للإرادة الدولية ويباشر بخطوات واضحة لانتقال سياسي مريح في البلاد، وذلك رغم استعراض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأميركي، جاك سوليفان خلال لقاء التأم بتاريخ الثامن من شهر أيار/ مايو في مدينة جدة السعودية قضايا تتعلق بتعزيز رؤيتهما المشتركة لمنطقة شرق أوسط أكثر أمناً وازدهاراً ولاسيما إثر القرار العربي الذي أعاد سوريا إلى الجامعة العربية كنتيجة لاجتماع استثنائي عقده مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة بتاريخ السابع من مايو/أيار، حيث أقرت الجامعة عودة سوريا لشغل مقعدها.