منسق العلاقات العربية الألمانية بالبرلمان الألماني: برلين توقف استقدام الأئمة الأتراك في إطار مواجهة الفكر المتطرف
خلال الأيام الماضية، أعلنت وزارة الداخلية الألمانية عن خطة للتخلص التدريجي من الأئمة القادمين إليها من تركيا، وسط اتهامات لا تتوقف – بحسب تقارير إعلامية ألمانية – بتورط هؤلاء الأئمة في نشر الفكر المتطرف وبث قيم تتناقض مع طبيعة المجتمع الألماني، بل ووصل الأمر إلى إمكانية لعب دور جواسيس لصالح النظام التركي.
وبحسب بيان لوزارة الداخلية الألمانية، فإن تلك الخطوة تهدف إلى الاعتماد على أئمة يعرفون اللغة الألمانية ويربون الأجيال على قيم المجتمع الألماني، ويكون لديهم دوراً في الأمور المتعلقة بحوار الأديان، وفي سبيل ذلك سيتم تدريب 100 إمام سنوياً ليحلوا محل نحو 1000 من الأئمة الأتراك.
وللوقوف حول دوافع وخلفيات هذا القرار، حاورت منصة “تارجيت” الإعلامية الدكتور عبدالمسيح الشامي منسق العلاقات العربية الألمانية بالبرلمان الألماني والخبير في العلاقات الدولية، والذي كشف عن وجود خطة منذ 3 سنوات لدى السلطات الألمانية لمكافحة التطرف لا سيما ما يقوم به هؤلاء الأئمة القادمين من تركيا والذين يعملون لصالح النظام التركي، موضحاً أن الأمر لا يقتصر على مسألة الأئمة الأتراك.
نص الحوار:
*ما تحليلك بشأن خطوات ألمانيا المتعلقة بالتخلص التدريجي من الأئمة القادمين من تركيا؟
– منذ حوالي 3 سنوات تم إصدار قرارات من البرلمان الألماني باستحداث أقسام خاصة بدراسة عملية التطرف الموجودة في المجتمع الألماني من بعد عام 2015، والتي أتت نتيجة دخول كثير من المتطرفين عبر موجة اللجوء في تلك الفترة، وهي الموجة التي استغلها النظام التركي بصفة عامة لإدخال عدد ضخم من الدواعش، وأيضاً من الأئمة تحت مسميات كثيرة، والأخطر أنه هناك كذلك خلايا نائمة لمجموعات إرهابية سواء في ألمانيا أو أوروبا كلها وكل ذلك تم بالأساس عبر موجة اللجوء القادمة من الأراضي التركية. والأخطر في الأمر هو أنه من خلال تلك الموجة تم كذلك إدخال هؤلاء الأئمة والمتطرفين والجواسيس والمتآمرين مع النظام التركي إلى كثير من المساجد، لأنه بشكل عام المجموعات الإسلامية المتطرفة موجودة تحت مسميات كتيرة وشكلوا كثيراً من الجمعيات والمنظمات والاتحادات وبأعداد كبيرة.
*هل ترى أن النظام التركي يستغل الجالية التركية وتأثيرها في ألمانيا لتنفيذ تلك المخططات وأجندته؟
– الأتراك استفادوا من قضية خصبة وهي الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا والذين قد يصل عددهم إلى ما بين 4 إلى 5 ملايين، وهؤلاء بنوا قاعدة شعبية للمجموعات المتطرفة بتنسيق وتمويل من الدولة التركية وبدعم مباشر من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبالتالي فإن الأمر لا يقتصر فقط على مسألة الأئمة، وإنما هذا يأتي في إطار برنامج لاستئصال هذه المجموعات الإرهابية والفكر المتطرف بشكل أو بأخر.
*ما هي الوسائل التي وضعتها برلين للتعمل إذن مع هذا الخطر؟
– خلال آخر 3 سنوات تم استحداث مشروعات وبرامج خاصة داخل وزارة الداخلية وأقسام الشرطة والأمن والمباحث في ألمانيا لمواجهة هذه المنظمات، ومنذ نحو عام أو عام ونصف تم طرد مجموعة كبيرة من قيادات هذه المنظمات والاتحادات وعلى رأسهم عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، وقد تم طرد شخصية مثل إبراهيم الزيات وهو من قيادات التنظيم الدولي للإخوان المصريين، وتم الحد كثيراً من نشاط هذه المجموعات.
*ما الذي يجري تحديداً من خلال تلك المساجد وعبر الأئمة الأتراك؟
– من المعروف أن بعض المساجد وخصوصاً تلك التي بها أئمة أتراك أو أئمة على علاقة بالأتراك، فإن هؤلاء يشكلون خلايا تجسس وخلايا تآمر وخلايا إرهابية تزرع التطرف وتقيم تجمعات لعدد كبير من المتطرفين أصحاب الفكر الداعشي السلفي، وهؤلاء مراقبين منذ فترة.
*هل استغلت هذه المجموعات حالة الديقمراطية وإطلاق الحريات التي تسود ألمانيا؟
– بالفعل وهذه هي المشكلة، إذ تكمن في أن هؤلاء يستغلون حالة الديمقراطية في البلاد، إلا أنهم تحت المراقبة بشكل دائم، وعموماً فهناك عمل غير مرئي كبير واستنفار من كل أجهزة الأمن بشكل كبير للغاية، وتم استحداث أقسام بأعداد كبيرة من عناصر وضباط أمن كبار للغاية بهدف مراقبة ومتابعة تلك الأنشطة وكذلك المختصين في هذا الملف على مدار السنوات الماضية.
*ما الأهداف الرئيسية للخطة التي تتحدث عنها بشأن مواجهة هؤلاء؟
– هذا الأمر يأتي في إطار خطة تدريجية تتم بشكل ذكي وكما قلت بدأت منذ 3 سنوات، ويعملون على تصفية التطرف الإسلامي الموجود في ألمانيا، والأئمة هم الأخطر في هذه العملية، لأن غالبيتهم على اتصال مباشر مع النظام التركي والأمن في تركيا، ويتجسسون على كثير من الأتراك المعارضين للنظام، ومنهم من يتجسسون على الدولة الألمانية، لأن قسم كبير منهم استطاعوا اختراق مؤسسات وأجهزة الدولة، من خلال تجنيد أتراك من الجالية التركية القديمة في الأراضي الألمانية، وبالتالي اخترقوا أجهزة الأمن منذ فترة، ومن ثم تعمل الدولة على استئصال هذه المجموعة من الداخل.
*لماذا ذهبت وزارة الداخلية إلى تخلص تدريجي من الأئمة الأتراك وليس بقرار ينفذ على الفور؟
– السلطات الألمانية اتبعت النهج التدريجي غير الحاد وعدم القسوة بشكل كبير، حتى لا تكون هناك نقمة وردة فعل عكسية من قبل المجتمعات الإسلامية، وتكون هناك مقاومة تجاه السلطات، وبالتالي فإن عملية مكافحة ومحاربة التطرف في ألمانيا تتم بشكل تدريجي. وأعتقد أنه من أهم الخطوات التي تجري اليوم أن يتم إزالة هؤلاء الأئمة الذين كانوا يشكلون نقطة الوصل والحلقة الأخطر في هذه السلسلة.
*لماذا وصفتهم بالأخطر؟
– لأن هؤلاء الأئمة هم من يسيطرون على المراكز الإسلامية والمساجد والجمعيات، ولديهم تمويل كبير تحت مسمى دعم المساجد والأنشطة الإسلامية، وبالتالي هم يستغلون هذه الأمور لتشكيل مجموعات متطرفة وخلايا نائمة والقيام بعمليات تجسس وعمليات زرع للفكر المتطرف، وهذه الأمور كانت سبباً في التوجه الحالي للسلطات الألمانية نحو الوقف التدريجي لاستقدام الأئمة القادمين من تركيا.