دارا مصطفى
في 25 تموز، وبينما كان وفد السلطة السورية الجديدة برئاسة وزير الخارجية أسعد الشيباني يعقد اجتماعات مغلقة في باريس مع وزير الخارجية الفرنسي والمبعوث الأميركي توماس براك، صدر القرار الذي لم يكن من قبيل المصادفة:
محكمة النقض الفرنسية ألغت مذكرة التوقيف الصادرة عام 2023 بحق بشار الأسد.
في الظاهر، القرار قانوني. لكن في جوهره، هو الشرط السياسي الأول الذي طرحه الوفد السوري في باريس لبدء الانخراط الكامل في “مخطط الشرق الأوسط الجديد”.
لم يكن منطق الوفد غامضاً:
“كيف يُطلب منا التوقيع والانضمام والمشاركة، بينما رئيس البلاد السابق لا يزال مطلوباً دولياً؟
نريد طي الصفحة نهائياً، إن كنتم تطلبون منا المضي قدماً.” وهكذا تم.
إسقاط المذكرة… ضمانة سياسية لا قانونية
إلغاء مذكرة التوقيف بحق الأسد لا يعكس براءة، بل يؤسس لسابقة قانونية تحصّن رئيس السلطة الجديد، أحمد الشرع، من أية ملاحقة مستقبلية، حتى لو ارتكبت مجازر، حتى لو وثقت جرائم بحق المدنيين، طالما أن الحصانة السياسية “مكتسبة” من لحظة الجلوس على كرسي الرئاسة.
السلطة الجديدة تعلم أن الملاحقات القانونية التي طاردت الأسد لم تكن مرتبطة فقط باستخدام الكيماوي، بل بجرائم حرب جماعية وجرائم ضد الإنسانية وقعت وهو في السلطة.
وهي تعلم أيضاً أن ما ارتُكب مؤخراً في السويداء، وما وثقته التقارير عن مجازر في الساحل السوري، يمكن أن يتحول غداً إلى ملف قضائي مشابه… إلا إذا أُغلق ملف الأسد الآن، لتغلق الأبواب أمام تكرار النموذج.
تصريحات روبيو تكشف المأزق
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وفي تصريح لافت، تحدث عن مجازر وجرائم وذبح واغتصاب في السويداء، وألمح إلى تغلغل عناصر داعش والجهاديين داخل القوات التي تقودها السلطة الجديدة، بل حمّل المسؤولية للسلطات في دمشق، مطالبًا بضبط الأمن ومحاسبة المرتكبين.
هذا التصريح بحد ذاته، كافٍ لفتح باب الملاحقة الدولية، كما حصل مع الأسد بعد مجازر الغوطة وحمص وحلب.
لكن الفرق هذه المرة أن السلطة الجديدة طلبت الحصانة سلفاً، وجاءها الجواب سريعاً… من محكمة فرنسية عليا بالغاء الملاحقة القانونية باعتبارها كانت صادرة بحق الرئيس وهو على رأس السلطة وهو ما اعتبرته المحكمة غير قانوني.
لا عدالة في مشاريع الخرائط
في الخفاء، هناك ما هو أبعد من القانون:
السلطة السورية الجديدة تُقدَّم اليوم بوصفها حجر الأساس في خطة إقليمية كبرى تضم فرنسا، أميركا، إسرائيل، وتركيا، برعاية تمويل خليجي.
الخطة تحتاج “شريكاً محلياً مطيعاً”، ولا تحتمل وجود ملفات مفتوحة ضد رأس النظام، ولا تحتمل مخاطر إصدار مذكرة توقيف دولية جديدة تطيح بكل شيء.
فكان الإلغاء ثمناً سياسياً مدفوعاً سلفاً.
الإفلات من العقاب… مقابل الالتزام بالخريطة.
الخلاصة
العدالة لم تسقط لأنها عجزت… بل لأن صفقة الشرق الأوسط الجديد لا تحتملها.
سقطت مذكرة الأسد، ليس لإقفال ملفه، بل لضمان أن ملف الشرع لا يُفتح أبداً.
وبهذا، تصبح الدولة القادمة مغلّفة بالحماية الدولية… قبل أن تتشكل فعلياً.
من الآن فصاعداً، من يرتكب… يُكافأ بالاعتراف.
ومن يتنازل… يُكافأ بالحصانة.