“كامالا هاريس ودونالد ترامب: معركة القيم والسياسات في انتخابات مفصلية”

دارا مصطفى ـ كاتب وسياسي سوري

 

ساعات قليلة تفصلنا عن موقعة الانتخابات الأميركية المقبلة، والتي يخوض فيها الشعب الأميركي مواجهةً استثنائية بين رؤيتين مختلفتين لمستقبل البلاد. فمرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس تتحدى الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب في سباق يحمل أبعاداً عميقة تتجاوز السياسة لتشمل أسئلة حول هوية الولايات المتحدة وقيمها الأساسية. وفي خضم هذا السباق، يصف المحافظون والليبراليون الموالون لترامب هاريس بأنها تجسد سياسات “اشتراكية” قد تغيّر أساسات الاقتصاد الأميركي. من جانب آخر، يؤكد مؤيدو هاريس أن سياساتها تهدف لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق التوازن في المجتمع، دون الابتعاد عن مبادئ الاقتصاد الحر.

دارا مصطفى كاتب وسياسي سوري

 

اتهامات المحافظين لكامالا هاريس: دعم للمجتمع أم توجهات اشتراكية؟

منذ البداية، عمد خصوم هاريس إلى انتقاد توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، معتبرين أن سياساتها تقترب من الأفكار الاشتراكية، خاصةً فيما يخص الرعاية الصحية والتعليم. هاريس، التي تسعى لتوسيع نطاق التأمين الصحي بحيث يصبح في متناول الجميع، ترى أن هذه المبادرات تهدف لرفع مستوى المعيشة لملايين الأميركيين. على الجانب الآخر، يرى المحافظون أن هذه السياسات قد تزيد من تدخل الحكومة في الاقتصاد، ما قد يؤدي إلى زيادة الضرائب وتقلص حرية السوق، وهي مخاوف تكررت على لسان ترامب وأنصاره مراراً و تكراراً.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز سياسات هاريس في مجال رفع الحد الأدنى للأجور وتوسيع فرص التعليم المجاني أو المدعوم، وهو ما يراه الليبراليون والمحافظون خطوة نحو “إعادة توزيع الثروة”، وهو ما يصفونه بأنه يُضعف المبادرة الفردية وروح الابتكار. وعلى الرغم من أن هاريس ترفض اتهامات الاشتراكية، فإن خصومها يعتبرون هذه السياسات مؤشراً واضحاً على توجّهها نحو تعزيز التدخل الحكومي.

 

قضايا المناخ وحقوق المرأة: رؤى جديدة أم تهديد للبنية التقليدية؟

إلى جانب القضايا الاقتصادية، تتبنى هاريس سياسات بيئية تعتبرها خطوة ضرورية لمواجهة التغير المناخي، متعهدة بالعودة إلى اتفاقية باريس للمناخ. وترى هاريس أن التحول نحو الطاقة النظيفة هو استثمار في المستقبل، إلا أن الجمهوريين المحافظين يرون في ذلك تهديداً للصناعات الأميركية التقليدية التي تعتمد على الوقود الأحفوري، ويحذرون من أن هذا التوجه قد يساهم في تقليص العديد من الوظائف ويقلل من تنافسية الاقتصاد الأميركي.

أما في قضايا المساواة ودعم حقوق المرأة، فتتبنى هاريس سياسات تهدف إلى تمكين الفئات المهمشة وضمان العدالة الاجتماعية، معتبرةً أن هذه السياسات جزء من رؤية واسعة تهدف إلى إحداث تغيير اجتماعي. لكن خصومها يرون أن هذه السياسات تتدخل في الهياكل التقليدية للأسرة والمجتمع، ما قد يؤدي إلى تغيير ثقافي شامل، يتعارض مع مبادئ الحرية الفردية التي يراها المحافظون أساس المجتمع الأميركي.

 

ترامب وأنصاره: الدفاع عن الاقتصاد الحر والمبادرة الفردية

في المقابل، يراهن ترامب على سياسات تقوم على تقليل التدخل الحكومي وتخفيف الضرائب، مؤمناً بأن هذه السياسات تشجع النمو الاقتصادي وتحمي الحلم الأميركي. ففي أحد تصريحاته، قال ترامب: “إن أميركا تزدهر حينما تُترك السوق حرة ودون قيود”. ويعتمد ترامب على هذه الفلسفة لتعزيز الاقتصاد من خلال الحفاظ على الشركات من الأعباء الضريبية وتحريرها من الضوابط الحكومية.

كما يدعو ترامب إلى سياسات تُعزز من قدرة الولايات المتحدة على التصدي للمنافسة العالمية، حيث انسحب من اتفاقيات مثل “اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ” وأعاد التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا). يرى ترامب أن هذه الخطوات تسهم في حماية الاقتصاد الأميركي من المنافسة الخارجية، مع التركيز على دعم الصناعات المحلية وتعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وهو ما يعتبره كثيرون من أنصاره طريقة لحماية الاقتصاد الوطني.

 

التأثيرات المحتملة: أي مستقبل ينتظر المجتمع الأميركي؟

تفتح هذه السياسات المتباينة الباب أمام تساؤلات حول طبيعة التغيرات التي قد تطرأ على المجتمع الأميركي في حال فوز هاريس أو ترامب. في حال فوز هاريس، قد تشهد الولايات المتحدة سياسات تُعزز الدعم الاجتماعي وتوسع نطاق الرعاية الصحية وحقوق العمال، لكن هناك تحديات تتعلق بتكاليف تنفيذ هذه الخطط وتأثيرها على القطاع الخاص. وقد يعني التزام هاريس بقضايا المناخ تغييراً نحو اقتصاد طاقة نظيفة، ما يلقى قبولاً واسعاً بين الأجيال الشابة.

أما في حال فوز ترامب، فمن المتوقع أن يستمر في سياسات تقليل الضرائب وتعزيز الاقتصاد الحر، دون التركيز على قضايا التغير المناخي والعدالة الاجتماعية، ما قد يؤدي إلى استمرار النمو الاقتصادي التقليدي، ولكن مع تزايد احتمالات تفاقم التفاوت الطبقي وتراجع الالتزام بالاتفاقيات البيئية العالمية.

 

أميركا بين رؤيتين متعارضتين لمستقبلها

في هذه الانتخابات، تبدو الولايات المتحدة أمام مفترق طرق بين رؤيتين متباينتين لمستقبلها؛ رؤية كامالا هاريس التي تدعو إلى مجتمع أكثر عدلاً وشمولية، مع التزام بتطوير السياسات الاجتماعية والبيئية، مقابل رؤية دونالد ترامب التي تركز على حرية السوق والمبادرة الفردية كسبيل لتحقيق الازدهار. هذه المعركة الانتخابية ليست مجرد صراع على السلطة، بل هي صراع على الهوية الاقتصادية والاجتماعية و السياسية التي ستحدد وجه الولايات المتحدة في السنوات القادمة.

قد يعجبك ايضا