التصريحات الفرنسية…. ماذا تحمل في طياتها من رسائل؟
ماكرون يدرك أهمية الطرف الكردي داخل الساحة السورية
هولير حكيم
في ظل المرحلة الحاسمة والحساسة من تاريخ سوريا، وتوالي التحركات الدبلوماسية من وإلى دمشق يوماً بعد آخر، لدعم عملية انتقالية سلمية سياسية جامعة وإعادة تفعيل العلاقات مع دمشق، تتوالى التصريحات الدولية وخاصة الفرنسية حول التطورات الأخيرة في سوريا، فمنها ما تحمل رسائل مباشرة وأخرى تحمل في طياتها رسائل مبطنة.
آخر هذه التصريحات كانت على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي دعا في كلمة خلال الاجتماع السنوي للسفراء الفرنسيين “النظر إلى تغيير النظام في سوريا بدون سذاجة”، وأشار إلى أن “فرنسا سترافق العملية الانتقالية بشكل مطول، من أجل قيام سوريا حرة تحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية”، وتعهد بأن “بلاده لن تتخلى عن المقاتلين الأكراد في سوريا”.
وكان قد حثّ وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في تصريحات مع إذاعة “آر تي إل” الفرنسية، على ألّا تستغل أي قوة أجنبية سقوط نظام بشار الأسد المخلوع لإضعاف سوريا، وجاء ذلك بعد يومين من زيارته لدمشق حيث التقى بقائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع.
دعم الأكراد في سوريا
وفي حديث خاص لـ تارجيت ,علّق طارق الأحمد، القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، على تصريحات ماكرون، قائلاً: “تصريحاتٌ تعبّر عن الدعم الغربي الكبير للقوات الكردية، وتعبر عن السياسيات الغربية والأوروبية بشكل عام بأنهم لا يدعمون التوجه التركي الذي يريد إنهاء الحالة الكردية”.
وأوضح أن تصريحات ماكرون دلالة على أن قادة الاتحاد الأوروبي “لا يريدون لسوريا أن تكون ذات توجه واحد، بل أن تُبنى سوريا الجديدة بكافة مكوناتها”.
وأكد الأحمد على ضرورة أن تكون هناك عملية سياسية متكاملة في سوريا، موضحاً أنها “ستكون حلاً لجميع المشكلات القائمة في الساحل والسويداء ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)”.
ومن جانبه، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، المقيم في القاهرة، أن التصريحات الفرنسية تتوافق مع نظيرتها الأميركية، “ماكرون يدرك أهمية الطرف الكردي داخل الساحة السورية لإرساء الأمن”.
وأوضح في حديث خاص لـ تارجيت ، بأنه “من المهم أن يكون هناك تنسيق بين قسد والحكومة الانتقالية في دمشق وأن تكون هناك آليات عملية بينهما لإدارة المرحلة الانتقالية وحماية حقوق الكرد وجميع المكونات في الدستور”.
فيما أشار مدير مركز “جي إس إم” لللأبحاث والدراسات، آصف ملحم، في تصريحات خاصة لـ تارجيت ، إلى تضافر التصريحات الفرنسية والأميركية حيال الملف السوري، فيقول: “رغم أن التصريحات الفرنسية لدعم المقاتلين الأكراد هي رسالة واضحة لتركيا، لكن في ذات الوقت هي تسمح للأخيرة ببعض المكاسب”.
هناك سعي أميركي وفرنسي لإعطاء تركيا بعض المكاسب في سوريا وآسيا الوسطى مقابل المساهمة في زعزعة استقرار جنوب القوقاز للإضرار بإيران وروسيا وكذلك زعزعة استقرار آسيا الوسطى للإضرار بالصين، ومن جهة أخرى يريدون المحافظة على موطئ قدم لهم في سوريا وعدم تركها كاملة لتركيا، بحسب ملحم.
اقرأ أيضاً: ماكرون: لن نتخلى عن المقاتلين الأكراد في سوريا
رسائل فرنسية لقوى أجنبية متعددة
وحول تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان بارو، علّق الأحمد، أنها تصريحات مهمة وهي رسالة لجميع القوى الأجنبية التي تريد أن تتدخل بالقرار السوري، “سواء تركيا أو إسرائيل أو غيرها”.
وترك السقوط الفجائي للنظام السوري السابق فراغاً كبيراً، لذا تحاول الحكومة الانتقالية الإمساك بزمام الأمور، ولكن هناك تحديات كبيرة تواجهها، أبرزها العمل على ألاّ يكون القرار السوري رهينة لدول أخرى كما كان في عهد النظام السابق، وفق الأحمد.
بينما يرى المحلل السياسي خيري كرباج، المقيم في أنقرة في تصريحات خاصة ل لـ تارجيت ، أن “تركيا تريد تقديم يد العون للسلطة الجديدة لدعم إعادة تأسيس نظام الدولة وبناء المؤسسات وإعادة الإعمار وتحقيق التعافي الاقتصادي إلى جانب حماية حدودها، وليس التدخل في القرار السوري كما يُروج”.
وأوضح كرباج، أن التصريحات الفرنسية هي رسالة لروسيا بألاّ تتدخل بالشأن السوري كما في السابق، ورسالة لأحمد الشرع بألا يقيم تحالفات مع روسيا أو يسمح بقواعد لها في سوريا، مضيفاً: “كما هي رسالة لإيران التي تصرح علناً أن الأمور لم تنتهي، وهي الآن تحاول جاهداً إحداث فوضى أمنية داخل سوريا من خلال فلولها وفلول النظام”.
وأشار كرباج إلى ضرورة أن تكون الحكومة الانتقالية السورية على علاقات طيبة ومصالح متبادلة مع جميع دول العالم وفق مبادئ السلام والحوار الإيجابي، “وهذا لا يعني أن هناك تدخل من قبل تلك الدول في القرار السوري”.
اقرأ أيضاً: سوريا والمحيط العربي.. حراك ديبلوماسي مكثف وترقب للمرحلة القادمة
الفضاء العربي يقطع الطريق أمام الإملاءات الأجنبية
دخول السلطة الجديدة في دمشق فضائها العربي، وتأسيسها نظام سياسي يقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية وحفظ حقوق جميع المكونات دستورياً دون تفرقة طائفية أو دينية أو عرقية، يقطع الطريق أمام جميع القوى والإملاءات الخارجية، وفق غباشي.
وفي هذا السياق، تحدث ملحم أيضاً، بأنه “يجب التعريج على الدور السعودي، الذي استشعر خطورة الوضع في سوريا و ضرورة الدخول على خط الأزمة بهدف عدم تركها للإملاءات الخارجية، ومن هنا نفهم أهمية دعوة الشيباني إلى الرياض”.
وكان وفد سوري رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، زار السعودية، الأسبوع الماضي، في أول زيارة خارجية رسمية يجريها بعد تلقيه دعوة رسمية من نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
وذهب ملحم في حديثه إلى التطرق لتعيينات اللون الواحد في الحكومة المؤقتة، إضافة لما تناقلته وكالات الأنباء العالمية من صور الانتهاكات التي يقوم بها مسلحون بحق الأقلية العلوية، فيقول: “من هنا نفهم تصريح وزير الخارجية الأمريكية حول استبدال دكتاتور بآخر وتحذيره من خطورة الوضع في سوريا”.
ومن وجهة نظر طارق الأحمد، القيادي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، أن ما يقطع الطريق أمام كل التدخلات الخارجية هو الدخول مباشرة في الحل السياسي وإشراك جميع القوى والمكونات السورية لإنهاء كل النزاعات والتأسيس لدولة مواطنة ديمقراطية.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قال الجمعة، في تصريحات لصحيفة “فايشنال تايمز” البريطانية، إن “الوضع في سوريا خطير للغاية” محذراً من مخاطر “استبدال دكتاتور بآخر”.