دارا مصطفى
منذ وصوله إلى الحكم في دمشق، واجه أحمد الشرع تحديات مصيرية، لكنه لم ينجح حتى الآن في تقديم نموذج سياسي وإداري يُطمئن السوريين أو المجتمع الدولي. وبينما كان الفشل في إدارة الحوار الوطني وإعادة بناء المؤسسة العسكرية أول اختبارين سقط فيهما سريعاً، فإن التصعيد الأخير في الساحل السوري جعله في مواجهة جلسة حاسمة لمجلس الأمن الدولي، دعت إليها كل من الولايات المتحدة وروسيا بعد سقوط مئات وربما آلاف المدنيين خلال هجمات “الجيش السوري الجديد” تحت شعار محاربة فلول النظام.
الآن، تتأرجح فرص بقاء الشرع بين سيناريوهين: إما منحه فرصة أخيرة بشروط صارمة، أو إجباره على الخروج من المشهد عبر إجراءات دولية قد تشمل العقوبات أو حتى تدخلاً أكثر مباشرة.
الامتحان الأول: الحوار الوطني أم مسرحية سياسية؟
بدلاً من أن يكون الحوار الوطني فرصة لإرساء مشروع وطني جامع، انتهى إلى استعراض شكلي افتقر إلى أي قيمة حقيقية بسبب:
استبعاد القوى السياسية والعسكرية الفاعلة مثل قوات سورية الديمقراطية و الإدارة الذاتية ومجلس سورية الديمقراطية، والممثلين الحقيقيين للمكونات السورية الأخرى من علويين و دروز و مسيحيين.
اقتصار المشاركة على شخصيات محسوبة على النفوذ التركي أو غير مؤثرة محلياً في تكرار لمشهد الجبهة الوطنية التقدمية ابان عهد النظام السابق.
غياب أي قرارات ذات أثر واقعي على مستقبل البلاد، مما جعل الحوار أشبه بمناورة سياسية غير مقنعة.
وبالتالي، فقد الشرع فرصة مبكرة لبناء توافق داخلي حقيقي، مما أدى إلى استمرار الانقسامات السياسية والطائفية.
الامتحان الثاني: ضبط الأمن أم ترسيخ الفوضى؟
رغم التوقعات بأن الشرع سيعمل على توحيد الفصائل المسلحة ودمجها في جيش وطني، إلا أن ما حدث كان العكس تماماً:
استمرت الفوضى الأمنية، وتورطت قواته في جرائم حرب موثقة دولياً في الساحل السوري، مما أثار إدانات واسعة.
لم ينجح في فرض سلطة حقيقية، بل بدا أن حكومته ما زالت تُدار بعقلية الفصائل، وليس بمنهج الدولة.
تصاعدت الانتهاكات الطائفية، مما أدى إلى إثارة قلق دولي من أن حكومته قد تتحول إلى عامل إضافي لزعزعة الاستقرار، بدلاً من أن تكون بداية جديدة لسوريا.
الآن، بات هذا الملف مفتوحاً أمام مجلس الأمن، حيث تبحث القوى الكبرى ما إذا كان بالإمكان إعادة تصحيح المسار، أو أن الأوان قد فات على ذلك.
الدور التركي: دعم أم استغلال؟
منذ البداية، كان واضحاً أن أنقرة هي الداعم الأكبر للشرع، لكنها أيضاً فرضت عليه خيارات سياسية وأمنية ضيّقت عليه هامش المناورة.
بات يُنظر إليه على أنه واجهة لمشروع تركي في سوريا أكثر من كونه رئيساً مستقلاً.
دعم أنقرة له لم يكن لأسباب وطنية سورية، بل لتحقيق مصالحها الإقليمية، خصوصاً فيما يتعلق بالحدود، واللاجئين، والتغيير الديموغرافي.
يبدو أن تركيا قد بدأت تفقد الثقة في قدرته على ضبط الأوضاع، مما يفتح الباب أمام إمكانية استبداله بشخص آخر إذا أصبح عبئاً سياسياً عليها.
الاقتصاد: هل يملك الشرع خطة حقيقية؟
إضافة إلى التحديات الأمنية والسياسية، فإن الاقتصاد المنهار يزيد من تعقيد المشهد، حيث:
لا توجد رؤية واضحة لإعادة الإعمار أو بناء اقتصاد مستدام.
التبعية الاقتصادية لتركيا زادت من ضعف استقلال القرار الاقتصادي السوري.
استمرار المحاصصة الفصائلية منع أي محاولة حقيقية لإصلاح الاقتصاد أو جذب الاستثمارات الخارجية.
في ظل هذه الأوضاع، لا يبدو أن حكومته قادرة على تقديم حلول اقتصادية مستدامة، مما يضعف موقفه أمام المجتمع الدولي.
مجلس الأمن اليوم: بين العقوبات ومنحه فرصة أخيرة
الاجتماع الطارئ الذي دعت إليه الولايات المتحدة وروسيا قد يكون اللحظة الحاسمة لمستقبل الشرع، حيث سيناقش:
الجرائم الأخيرة في الساحل السوري، واحتمال تصنيفه كمسؤول عن جرائم حرب.
إمكانية فرض عقوبات جديدة، أو حتى تجميد الدعم الخارجي له.
البحث في بدائل سياسية محتملة إذا لم يثبت قدرته على تصحيح المسار.
لكن في الوقت نفسه، هناك احتمال أن تفضل القوى الدولية منحه فرصة أخيرة بشروط صارمة، تتضمن:
الحد من النفوذ التركي، واتخاذ قرارات مستقلة تصب في مصلحة جميع السوريين.
ضبط الجيش والأمن، ووقف أي ممارسات طائفية يمكن أن تعمّق الانقسام.
إعادة فتح قنوات الحوار مع القوى السورية المختلفة، لإصلاح أخطاء الحوار الوطني السابق.
تقديم خطة اقتصادية واضحة تضمن الحد الأدنى من الاستقرار المعيشي للسكان.
الفرصة الثالثة: هل يستغلها الشرع أم يضيعها؟
إذا مُنح أحمد الشرع فرصة جديدة، فستكون الأخيرة بالفعل، حيث سيكون تحت رقابة دولية صارمة، وأي تكرار للأخطاء السابقة سيُفقده أي دعم إقليمي أو دولي، مما قد يدفع المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في شرعية نظامه.
في ظل هذه الضغوط، سيكون عليه إثبات قدرته على تجاوز عقلية الفصائل وبناء مؤسسات دولة حقيقية، وإلا فإن شرعيته السياسية قد تتآكل تدريجياً، مما يجعله في موقف صعب أمام خصومه في الداخل والخارج. وإذا لم يُظهر تغييراً ملموساً، فقد يجد نفسه في مواجهة عزلة دولية متزايدة، وتراجع في الدعم الخارجي، وهو ما قد يهدد استمرارية حكمه بأشكال مختلفة، أقلها سحب الاعتراف الدولي بسلطته في أحسن الأحوال.
التوازن بين البقاء والرحيل
لا تزال الأبواب مفتوحة أمام كل الاحتمالات، فبينما قد تكون العقوبات أو العزل سيناريو محتمل، إلا أن الشرع قد يُمنح فرصة ثالثة وأخيرة لتصحيح مساره. لكن السؤال الأهم: هل لديه القدرة والإرادة للقيام بذلك، أم أنه سيفقد هذه الفرصة كما فقد سابقاتها؟
الساعات القادمة ستكون حاسمة، والمشهد السياسي السوري قد يشهد تحولاً كبيراً بناءً على ما سيصدر عن مجلس الأمن اليوم.