القاهرة ـ محمد إسماعيل
تعكف حكومة دمشق في الوقت الحالي على إنهاء صفقة تفج منها رائحة الفساد تتعلق بمطار دمشق الدولي، إذ كشفت عديد من التقارير عن عزم حكومة بشار الأسد عن منح شركات امتيازاً لإدارة المطار مقابل الحصول على نسبة كبيرة من عائدات تشغيله، رغم أن المطار كان أحد أكثر المرافق ربحية خلال الفترة الماضية.
ويتخذ بشار الأسد في خصخصته لمطار دمشق الدولي وغيره من المرافق من مسألة التشاركية مع القطاع الخاص “ستاراً” للتغطية على تلك الصفقات المشبوهة، حيث يجزم كثير من المراقبين أن القانون الذي سنته حكومة دمشق لهذا الغرض باطلاً، كما أنه فصل خصيصاً من قبل عائلة الأسد التي تسعى لتعظيم ثرواتها من قوت الشعب السوري.
تفاصيل الصفقة المريبة
أبرز تلك التقارير كان ما جاء في جريدة البعث الناطقة باسم حزب البعث الحاكم في دمشق، والتي كتبت نقلاً عن من مصادر وصفتها بـ”الوثيقة” في وزارة النقل قولها إن “قطار التشاركية، كنهج حكومي يعول عليه الكثير خلال المرحلة القادمة، وسيحط في مطار دمشق الدولي عبر دراسات وصيغ قانونية يتم التباحث بشأن عقودها”، كتقرير يأتي ليمهد لما سيتم الإعلان عنه لاحقاً.
وأوضحت الصحيفة التابعة لنظام بشار الأسد أن تلك الصيغة بموجبها يدخل القطاع الخاص في عمليات استثمار وإدارة وتشغيل المطار بعملياته الجوية والأرضية، بحيث تتوزع الحصص بين 51% لمؤسسة الطيران العربية السورية و49% للمستثمر الشريك.
وقالت ذات المصادر إن النوايا والخطط التي يتم نقاشها وبحثها في الاجتماعات المنعقدة بهذا الشأن، تفيد بأن ثمة ضرورات حيوية لهذه الشراكة بسبب الظروف الخانقة التي يتعرض لها قطاع الطيران المدني في سوريا، وبناء عليه يأتي هذا المشروع لتعزيز حركة المطار العريق، على حد زعم تلك المصادر التي يبدو أنها تبرر للصفقة.
والشريك الخاص والذي لم تفصح عنه المصادر للصحيفة سيتحمل المسؤوليات التي يتيحها القطاع للعمل في الطيران المدني من تنفيذ جميع الأعمال والخدمات المتعلقة بالنقل الجوي للركاب والبضائع وامتلاك وشراء وإيجار واستثمار الطائرات، وتنظيم الرحلات الجوية وخدماتها والخدمات الأرضية، وأخذ الوكالات عن شركات الطيران، وفتح فروع داخل وخارج سوريا، بالتوازي مع الدخول في ميدان الخدمات الأرضية من خلال تأمين البنى اللازمة من معدات وشاحنات ورافعات وعربات أرضية تخدم حركة القدوم والمغادرة.
ومن البنود الأساسية التي يتم التركيز عليها هو ضرورة تأمين الصيانة والتأهيل من قبل الشريك بالتنسيق مع قدرات وإمكانيات الكوادر الفنية والخبرات التي يمتلكها المطار، وهنا يتحمل الجانب الخاص مسؤولية تأمين الإمكانيات والقدرات ووسائط الدعم اللوجستي لعمل الطواقم الفنية العائدة لرأسمال المطار البشري.
القانون رقم 5 لعام 2016
وفي عام 2016 أصدرت حكومة دمشق غطاء قانوني لتصرفاتها في مقدرات الشعب السوري من خلال القانون رقم 5 لعام 2016 حول التشاركية بين القطاعين العام والخاص، والذي يؤمن دخول القطاع الخاص للمشاركة في واحد أو أكثر من تصميم أو إنشاء أو بناء أو تنفيذ أو صيانة أو إعادة تأهيل أو تطوير أو إدارة أو تشغيل المرافق العامة أو البنى التحتية أو المشروعات العائدة ملكيتها للقطاع العام.
بدوره، يقول مصطفى القاسم الخبير السوري في القانون الدولي إن ما أتى في هذا القانون بشأن التشاركية يخالف الدستور، ويأتي لخدمة الحاكم فقط في دمشق، موضحاً أنه وفقاَ للقانون الجهة التي ستكون شريكة في هذا العقد قد تكون أجنبية، وبالتالي هنا نحن بصدد الحديث عن مسألة تتعلق بالقانون الدولي والاتفاقيات الدولية أو جهات دولية التي يفترض أنها تعرض أولا على السلطة التشريعية حتى تتمكن الحكومة من بدء التنفيذ فيها، لكن ما يحدث في سوريا أن أي ما تتخذه حكومة دمشق من قرارات تنفذ سواء بعلم البرلمان أو دون علمه.
ولفت “القاسم” إلى أن قانون التشاركية نص على وجود مجلس خاص يتكون من قبل السلطة التنفيذية حصراً، وهذا المجلس يعود إليه الأمر فيما يتعلق بكافة التفاصيل الخاصة بالعقود التشاركية دون أي سلطة أخرى، والمجلس ينظر في الدراسة والموافقة وإبرام العقد والاعتراضات التي تقدم كذلك من أي جهة، وبالتالي فإن هذا المجلس يبت في كل شيء وحكمه هو النافذ، وبالتالي ليس من حق البرلمان أو السلطة التشريعية الرقابة على القانون الخاص بالتشاركية، رغم أن الدستور ينص على أن أي عقد يتعلق بجهة دولية يجب عرضه على السلطة التشريعية.
وقال خبير القانون الدولي إن هذه الحصص التي يعلن عن خصخصتها هي في حقيقة الأمر ليست عقود تشاركية بهذه الطريقة، وإنما عقود استيلاء بعد أن بات نظام بشار الأسد مطالباً بدفع المليارات لمن دعموه عسكريا من قبل.
حديث عن شركات قطرية وإماراتية وروسية
وفي نفس السياق، قالت مصدر مسؤول في مطار دمشق الدولي لموقع “”نورث برس” السوري إنه قد تم التعاقد مع 3 شركات إماراتية وروسية وقطرية للاستثمار في المطار، وأن التعاقد قد تم بالفعل، موضحاً أن الشركات المستثمرة هي “لاروس” الروسية و”الشرق الأوسط” القطرية و”إيراسيا ترافيل” الإماراتية.
وقال المصدر إنه قد تم وضع تركيز الشركات الروسية والقطرية والإماراتية على تطوير المرافق التجارية داخل المطار، وبشكل أدق، يأتي دور هذه الشركات الثلاث كملحق للاستثمار الأكبر المقدم من الجانب الإيراني.
وكشف مصدر في الشركة السورية للطيران، لنفس الموقع، أنه “تم التوصل إلى اتفاق في قطاع المعايير ومراكز التدريب والإصلاحات والخدمات في مجال الطيران بعد زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دمشق”، مضيفاً أنه قد تم الاتفاق على تعاون بين إيران والحكومة السورية في إعادة إعمار وتحديث جميع المطارات السورية بما في ذلك مطار دمشق، كما أوضح المصدر أنه سيتم تنفيذ التطوير وتركيب المعدات من قبل الجانب الإيراني في ناحية التخطيط والإدارة، ومن قبل حكومة دمشق في ناحية التنفيذ.
وحول قيام شركة روسية بالاستثمار في مطار دمشق الدولي، قال الدكتور مسلم شعيتو رئيس المركز الثقافي العربي الروسي في روسيا، لمنصة “تارجيت” الإعلامية إن روسيا لن تستثمر في مطار دمشق فقط، بل في كل مشروعات البنية التحتية في سوريا، مضيفاً أن “موسكو” ترغب في تطوير ورفع كفاءة المطار ليكون بمثابة “محطة ترانزيت” للطائرات الروسية المتجهة إلى الشرق الأوسط.
وقال “شعيتو” إن روسيا لها استثمارات في مرفأ طرطوس وفي مشروعات البنية التحتية بالعاصمة “دمشق”، وكذلك لديها استثمارات في المستشفيات والمدارس والطرق، وحكماً كما قلت سيكون لها دور في مطار دمشق الدولي لكي يكون محطة انتقال للطائرات الروسية.
حيلة أسماء الأسد
من جهته، يقول خالد التركاوي الباحث الاقتصادي السوري بمركز جسور للدراسات إن ما يسمى بـ”التشاركية” هي حيلة يتم الإشراف عليها من القصر الجمهوري من قبل أسماء الأسد، وتهدف من خلالها إلى إدخال القطاع الخاص للاستثمار في كثير من المرافق الحيوية، بهدف خرق العقوبات المفروضة على حكومة دمشق عبر إدخال شركات قطاع خاص ليحدث خلط في الأمور.
ولفت الباحث السوري إلى أن إيران لها دور في هذا الأمر، لأنه بداية من عام 2020 وبعد أن ضمن بشار الأسد بقاء نظامه عسكرياً، بدأت “طهران” تطالب بمستحقات لما قدمته للنظام من دعم في الحرب، مقابل ذلك يحصل الإيرانيون على استثمارات في المطاحن وفي قطاع النقل.
وقال “التركاوي” إن المشكلة أن عائلة الأسد والأذرع التابعة لها تعتبر أن كل الأصول في الدولة ملكاً لها وتتعامل على هذا الأساس وتحديداً أسماء الأسد، وهي الآن تريد إدخال الإيرانيين في إدارة مطار دمشق الدولي.