هل تؤثر دعوات محاكمة بشار الأسد على تحركات التطبيع معه؟

القاهرة – محمد إسماعيل

لا تزال مسألة تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق بقيادة بشار الأسد تتصدر اهتمامات الكثير من الدراسات ووسائل الإعلام الغربية، لا سيما أن النظرة الأولى لإعادة تعويم هذا النظام رأت في ذلك نوع من المساعدة لـ”الأسد” للإفلات من المحاسبة والعقاب عما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري والذي كان سبباً في مقتل وتشريد الملايين.

ومع تقدم دولتي هولندا وكندا بدعوى قضائية مؤخراً أمام محكمة العدل الدولية تطالب بمحاكمة حكومة دمشق بتهم تتعلق بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاك الالتزامات الخاصة بمناهضة التعذيب، أثيرت تساؤلات حول إمكانية تأثير تلك الدعوى على مسار إعادة تعويم وتأهيل حكومة بشار الأسد على نحو يحد من الاستمرار في التطبيع مع نظام قد يدان في هذه الجرائم.

حسابات المصلحة تحكم

في هذا السياق، يقول أشرف أبوالهول رئيس مجلس أمناء مؤسسة الطريق للدراسات، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه بالتأكيد الدعوى المرفوعة ضد حكومة دمشق تستهدف عدم إدماج النظام السوري في المجتمع الدولي مرة أخرى، لكنها في الوقت ذاته لا أعتقد أنها ستؤثر على القرارات التي اتخذت من قبل بعض الدول لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد وخصوصاً الدول العربية.

أشرف أبوالهول رئيس مجلس أمناء مؤسسة الطريق للدراسات

 

وأوضح “أبوالهول” أن الدول العربية التي قررت إعادة العلاقات مع دمشق ستواصل خطواتها في هذا المسار، كما أن دمشق عادت كذلك إلى مقعدها الذي كان شاغراً في جامعة الدول العربية وهذا أمر قد انتهى ولا يمكن التراجع عنه، مشيراً إلى بعض الدول العربية التي أعادت بالفعل فتح سفاراتها في العاصمة السورية.

وانتقد “أبوالهول” العقوبات التي يمكن أن تتسبب فيها مثل هذه التحركات، لأن الذي دفع ثمن هذه العقوبات هو الشعب السوري للأسف وليس النظام، والواقع يقول إن من يدفع ثمن أي عقوبات أو حصار هو الشعب السوري الذي تشرد أكثر من نصفه، وبالتالي لا أتصور أنه سيكون هناك تأثيراً يذكر على مسألة تطبيع العلاقات.

أما بالنسبة للدول غير العربية، يرى رئيس مجلس أمناء مؤسسة الطريق للدراسات أن الدول غير العربية تتصرف وفقاً لمصالحها، فهناك الدول التي تسير في فلك روسيا والصين وهذه لديها علاقات جيدة مع النظام السوري، أما الدول التي تتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية فالأمر يختلف.

وفي ختام تصريحاته، قال “أبوالهول” إن هذه الدول الغربية التي ترفض العلاقات مع بشار الأسد، إذا حدث على سبيل المثال وكان هناك اكتشاف بترولي كبير في سوريا أو اكتشاف لثروات غازية أو أي معدن نفيس، فإنها ستغير بوصلتها وستكون أول من يحاول إقامة علاقات مع النظام للاستفادة اقتصادياً من مثل هذه الثروات، فالأمر مرتبط بالمصالح السياسية والاقتصادية.

وجاء الشهر المنصرم ليشهد بدء أولى الخطوات العملية لمحاكمة حكومة دمشق وعلى رأسها بشار الأسد عما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، وذلك بعد أن كشف بيان رسمي لمحكمة العدل الدولية عن تقديم هولندا وكندا دعوى أو طلباً لمقاضاة سوريا  أمامها بدعوى ارتكابها جرائم تعذيب، والمقصود بسوريا هنا بشار الأسد وكل من تورط معه من مسؤولين في تلك الجرائم.

وبعد هذه الدعوى، فإن المحكمة إذا وجدت أن لها اختصاصاً للنظر فيها، فستكون أول محكمة دولية قادرة على التوصل إلى نتيجة قانونية بشأن استخدام التعذيب الممنهج من قبل حكومة بشار الأسد ضد الشعب السوري، حتى وإن استغرق استصدار حكم في هذا المسار سنوات.

أمريكا والاتحاد الأوروبي

ويتفق الأكاديمي الفرنسي وأستاذ العلاقات الدولية بيير لوي ريمون مع الرأي السابق، وقال، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه من غير المفاجىء أن تكون هناك دعوات مرفوعة ضد نظام بشار الأسد، لكن في نفس الوقت الدول التي بدأت التطبيع لن تتراجع عن الانخراط في هذا المسار.

 

 

بيير لوي ريمون أستاذ العلاقات الدولية والأكاديمي الفرنسي

 

ولفت إلى أنه من الملاحظ أن الدول التي رفعت الدعوى ليست في طليعة الدول الوازنة في الدبلوماسية العالمية، فالدعوى ليست مرفوعة من قبل دولة كبيرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولا من الاتحاد الأوروبي، وحينها كان يمكن الحديث عن تأثير كبير لتلك الخطوة على  مسار تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد.

وقال الأكاديمي الفرنسي إن الولايات المتحدة حتى ولو أبقت على عقوباتها ولا تنوي فك الحصار المفروض على النظام السوري في الوقت الراهن، فإنه من الملاحظ أنها لم تتحرك مثل الدولتين السابقتين لتقديم دعوى قضائية ضد بشار الأسد.

ويرى كثير من المراقبين أن التطبيع مع بشار الأسد كان بمثابة طعنة موجعة لملايين السوريين الذين شردوا وهجروا أو الذين أصيبوا خلال الحرب، وكذلك ذوي الضحايا الذين أوقعهم النظام بممارساته التي شكلت انتهاكاً كبيراً لكل الأعراف والمواثيق الدولية، إذ أن التطبيع يعني أن “الأسد” فعل كل ما فعله من جرائم واستطاع الإفلات من العقاب.

جرائم واسعة النطاق

في هذا السياق، تربط باتريشا كرام الباحثة في المركز العربي للدراسات بواشطن بين التطبيع مع بشار الأسد والإفلات من المحاسبة، وتقول إن عمليات الاعتقال والاحتجاز والاعتقالات الجماعية والتعذيب واسعة النطاق والمنهجية للمدنيين من أجل قمع المعارضة كانت هي السمة المميزة لاستراتيجية النظام الوحشية على مدى 12 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة والممتدة، وأضافت أن هذا المصير المجهول لمئات الآلاف من السوريين دفع الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً إلى الدعوة إلى إنشاء هيئة دولية محايدة لتوضيح أماكن وجودهم وتقديم الدعم لعائلات الضحايا.

باتريشا كرام الباحثة بالمركز العربي للدراسات في واشنطن

 

وتقول إنه في غضون ذلك، ومع مقتل 500 ألف شخص وتشريد نصف سكان سوريا البالغ عددهم قبل الحرب 21 مليون نسمة، فإن نظام الأسد مترسخ بقوة في السلطة، وهناك أمل ضئيل في التوصل إلى حل سياسي، فالبلاد ممزقة من قبل جهات فاعلة لا تتطابق مصالحها، وقوات المعارضة المدنية التي تقاتل من أجل سوريا شاملة يطغى عليها المقاتلون المتطرفون الذين يتصرفون كتمرد، كما بدأت الدول العربية، بما في ذلك تلك التي استثمرت الملايين في دعم الانتفاضة المسلحة ضد النظام، في إعادة النظر في معارضتها بعد ابتعادها عن النظام لأكثر من عقد من الزمان.

إمكانية إبطاء التطبيع

وتقول الباحثة، إنه على الرغم من أن التطبيع مع النظام السوري لا يمكن إيقافه، إلا أنه يمكن إبطائه وإثارة مشاكله من خلال التأكد من أن القتلى والمختفين في سوريا ليسوا مجرد أمر تم نسيانه، كما أنه بفضل التوثيق الواسع النطاق من قبل الجماعات المكرسة لحقوق الإنسان والمجموعات التي يقودها الضحايا، فإن جهود العدالة الانتقالية المستمرة تشكل خطوات إلى الأمام في النضال الأوسع من أجل العدالة الشاملة، بغض النظر عن أي تطور سياسي.

وشددت “كرام” على أن أي مبادرات أو خطط جديدة، بما في ذلك تلك الخاصة بإنشاء مؤسسات المساءلة، مثل تلك التي اقترحها الأمين العام للأمم المتحدة، مؤخراَ، يجب أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن المساءلة الهادفة هي مسعى طويل الأجل، مشددة على أن إعادة تأهيل نظام الأسد بهذه الطريقة لن يؤدي إلا إلى ترسيخ حكمه وتمكينه في السلطة، كما أن ذلك يعني أنه مستمر في الإفلات من العقاب، وهذا الوضع من شأنه أن يجعل أي تسوية سياسية محتملة غير مرجحة.

 

قد يعجبك ايضا