رغم مأساتهم.. لماذا يتجاهل بشار الأسد عودة اللاجئين السوريين من السودان؟

لا تزال حكومة دمشق بقيادة بشار الأسد ترتكب أسوأ صور الإهمال بحق مواطنيها خارج البلاد، في ظل التجاهل التام لملف اللاجئين السوريين بالسودان الذين حاصرهم النزاع هناك وقذفهم إلى أوضاع مأساوية جعلتهم يعيشون تجربة الحرب المريرة للمرة الثانية، رغم تقديم “الأسد” نفسه خلال الفترة الأخيرة كرئيس منتصر في ظل تحركات التطبيع العربي التركي للعلاقات معه.

وأكدت تقارير دولية عديدة أن اللاجئين السوريين في السودان – والذين يقدر عددهم بأكثر من 90 ألف – يواجهون واحدة من أشد الظروف التي مروا بها، حيث أنهم تم حصارهم في مناطق الاشتباكات لا سيما في العاصمة السودانية “الخرطوم”، وليس هذا فحسب، بل إن كثير من منازلهم ومحالهم التجارية وأغراضهم وأموالهم قد نهبت منهم في إطار أعمال السلب والنهب التي تشهدها عديد من المناطق في السودان.

350 فقط تم إجلائهم من السودان

في هذا السياق، قال رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن عشرات آلاف من اللاجئين السوريين في السودان لا يزالون يعيشون ظروفاً مأساوية نتيجة استمرار تردي الواقع الأمني والتوتر العسكري بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كاشفاً عن أنه لم يتم إلا إجلاء 350 سوري فقط من السودان منذ بدء الأزمة في أبريل الماضي، بينما هناك الكثير يقبعون في الشوارع والمدارس والمساجد ينتظرون من يمد لهم يد العون من أجل إجلائهم.

رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان

 

وقال “عبدالرحمن” إن بعض اللاجئين السوريين قطعوا تذاكر من شركة أجنحة الشام للطيران بقيمة 350 دولار أمريكي للتذكرة الواحدة، إلا أن طائرة الشركة لم تصل ولم يجري نقلهم إلى سوريا، بينما تلقوا وعوداً بنقلهم خلال الأيام القليلة القادمة، في وقت تدور معلومات بأن حكومة كردستان العراق أرسلت 3 طائرات خلال الأيام القادمة لإجلاء السوريين.

طرد عائلات مخيم بورسودان

وكشف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان عن قيام الجيش السوداني متعمداً بطرد عدد من العائلات السورية المقيمة في مخيم قرب الكورنيش في بورسودان، دون وجود أي مأوى لهم يتجهون إليه، حيث أجبرت العائلات على المبيت في الشوارع، لتزداد معاناتهم أكثر فأكثر.

ولفت “عبدالرحمن” إلى أن السوريين في السودان يعانون جراء الصراع أوضاعاً معيشية قاسية وعدم توفر فرص عمل، فقد أصبح كثير منهم لا يقدرون على تلبية احتياجاتهم الأساسية مثل دفع إيجارات المنازل وكذلك بعض المتطلبات اللازمة لحياتهم، في وقت لا يوجد أي تفاعل يذكر معهم بشأن إجلائهم، منتقداً تجاهل المنظمات الدولية لهم، والتي لم تقدم للسوريين في السودان أدنى مساعدة.

ودعا مدير المرصد السوري، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، جميع المنظمات الدولة ذات الصلة وكذلك المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لمساعدة اللاجئين السوريين في السودان، وإيجاد مخرج آمن لهم في أسرع وقت ممكن، وأيضاً التنسيق لفتح ممرات إنسانية لهم مع مصر، لإخراجهم من جحيم المعاناة التي يعيشونها.

وتحتل سوريا المرتبة الأولى على مستوى العالم في أعداد اللاجئين الذين يحتاجون إلى إعادة التوطين للعام الثامن على التوالي ويحتاجون إلى مساعدات عاجلة من جميع أنحاء العالم لإعادة توطينهم، وتلي أفغانستان سوريا في هذا الترتيب الصادر عن الأمم المتحدة مؤخراً.

حكومة بشار غير مهتمة بعودتهم

بدوره، يقول الدكتور عبدالمسيح الشامي منسق العلاقات العربية الأوروبية في البرلمان الألماني، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الحكومة السورية بلا شك كانت أحد أهم الأسباب في تهجير الشعب السوري، وللأسف أكتر جهة في الوقت الحالي تحول ملف اللاجئين إلى ورقة لابتزاز العالم وتحقيق مكاسب كبيرة للسلطة بما في ذلك بشار الأسد.

عبدالمسيح الشامي منسق العلاقات العربية الأوروبية بالبرلمان الألماني

 

وأضاف: “وبالتالي فإن حكومة بشار الأسد لم تبد أي اهتمام باللاجئين السوريين سواء في السودان أو غير السودان، لأنه ليس لديها رغبة من الأساس في عودة هؤلاء اللاجئين، لأسباب عديدة منها ما هو طائفي ومنها ما هو سلطوي وأسباب أخرى، والأمر الثاني وكما هو واضح ونسمع هو أن حكومة دمشق لا تريد عودة أي لاجئ سوري قبل أن تدفع الدول التي تريد إعادة هؤلاء اللاجئين أثماناً لذلك”.

وأوضح “الشامي” أن هذه الأثمان تشمل اعتراف تلك الدول بهذا النظام وشرعيته، أي إعادة تعويمه مرة أخرى كرئيس وكسلطة ونظام، وأيضاً هناك أثمان مالية، وهذا ما طلبه على سبيل المثال من السعودية خلال الفترة الأخيرة ومن لبنان والأردن ومن كل الدول بما في ذلك دول أوروبية مثل ألمانيا.

حكومة دمشق تطلب أثمان لإعادتهم

وقال “الشامي” إن هذا الأمر قد طرح في ألمانيا وأنه شخصياً رتب زيارة أكثر من وفد برلماني ألماني إلى سوريا، وكان الرد الدائم في هذا الملف كان ما يمكن أن تقوم ألمانيا بدفع من أموال ليقبل النظام بعودة اللاجئين، بل ويصر النظام السوري على الحصول على تلك الأثمان “كاش” ويريد اعترافات بنظامه، وإعادة تفعيل للعلاقات الدبلوماسية وفتح سفارات والاعتراف الدولي به وأن تدافع ألمانيا عنه، وللأسف هذه هي العقلية السورية التي تدير قضية اللاجئين.

وفي ختام تصريحاته، يقول منسق العلاقات العربية الأوروبية بالبرلمان الألماني إنه لم يتفاجأ من ردة الفعل من قبل حكومة دمشق على مسألة عودة السوريين، لأنه للأسف سوريا بلد مغتصب من مجموعة من المرتزقة تتزعم الدولة تحت مسمى “نظام حاكم” وتعمل لحسابها ومصالحها الشخصية، أما مصلحة الشعب وسلامته وحياته لا يعنيها.

حديث للاستهلاك الإعلامي

ومع اندلاع الأزمة في السودان، نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن الوزارة وجهت سفارتها في الخرطوم إلى القيام بتسجيل أسماء السوريين الراغبين في العودة ومغادرة السودان، تمهيداً لإجلائهم في إطار الإمكانيات المتاحة، بما يحافظ على حياتهم، لكن في المقابل كانت تلك التصريحات لمجرد الاستهلاك الإعلامي بعد أن صرح القائم بأعمال السفارة في الخرطوم بأنه خارج السفارة ومن الصعب الوصول إليها في ظل الأوضاع الحالية بالسودان.

بل إن تقرير لصحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية قال في أبريل الماضي إن عدداً من السوريين تعرضوا للطعن بالسكاكين هم وعائلاتهم لدى خروجهم من مبنى السفارة السورية بالخرطوم، في وقت أكد القائم بأعمال السفارة صعوبة إجلاء هذه الأعداد الكبيرة والتي، وفق ما صرح به لأحد المواقع المحلية السورية، تحتاج إلى ترتيبات خاصة.

القاهرة ـ محمد اسماعيل

قد يعجبك ايضا