يبدو أن الملف الكردي قد بات ساحة للمناورة وتحقيق المكاسب خلال الفترة الأخيرة في ظل التحولات التي تطال خريطة التفاعلات الدولية والنظام العالمي وكذلك تغيرات المشهد الإقليمي سواء ما يتعلق بوضع الشعب الكردي في الشمال السوري، أو ضغوط النظام التركي عليهم في السويد من خلال ملف طلب عضوية الأخيرة في حلف شمال الأطلسي “الناتو”.
وترغب “واشنطن” بصفة رئيسية في انتزاع موافقة “أنقرة” على عضوية “ستوكهولم” في الحلف الأطلسي في إطار توسيع ركعته لمواجهة روسيا، في وقت يستغل النظام التركي فيه هذه الرغبة لدفع الدولة الإسكندنافية إلى الضغط على الكرد الذين يعيشون على أراضيها، إذ أن الموافقة على أي عضوية بحلف الناتو تتطلب موافقة جميع الأعضاء.
قائمة مطلوبين لدى تركيا
في هذا السياق، قال تقرير صدر حديثاً لمجلة “أل – مونيتور” المعنية بالشؤون الدولية إن تركيا قدمت قائمة تضم عدداً من المواطنين الأتراك يزعم نظام أردوغان أنهم إرهابيين ويطلب من السويد تسليمهم، حيث يعتبر “أردوغان” أن تسليم تلك القائمة ستعد خطوة تعبر عن تفهم “ستوكهولم” للمخاوف الأمنية التركية المزعومة.
وفق المجلة، فإن تلك القائمة تضم عناصر من حزب العمال الكردستاني، الذي تحظره رسمياً تركيا وتتهمه بالتمرد، وأفراد كذلك ينتمون إلى حركة الخدمة التي يقودها الداعية التركي فتح الله جولن، والذي يتهمه “أردوغان” بالتدبير لمحاولة الانقلاب الفاشلة المزعومة التي جرت عام 2016.
بل إن لائحة المطالب التركية من سلطات السويد للموافقة على عضويتها بالحلف الأطلسي تشمل كذلك أن تقوم بالتضييق والضغوط على التجمعات الكردية المؤيدة لحزب العمال الكردستاني أو الحركات والأنشطة، وهي مطالب تأتي في ظل توجه متطرف من قبل النظام التركي تجاه الشعب الكردي بمختلف أطيافه داخل البلاد وخارجها.
130 مطلوباً لتركيا
أيضاً تقرير لوكالة “بلومبيرج” قبل أربعة أيام كان أكثر دقة بشأن مطالب النظام التركي، إذ ذكر أن تركيا طلبت رسمياً من السويد طرد من تصفهم بـ”الانفصاليين الكرد” قبل اجتماع حلف “الناتو” الشهر المقبل، إذا أرادت “ستوكهولم” الحصول على دعم “أنقرة” في مسألة العضوية.
وأوضحت الوكالة نقلا عن مصادر مطلعة أن تركيا تريد أن تتسلم من السويد 130 شخصاً معظمهم من الكرد، موضحة أن القائمة تتضمن عناصر من حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية وبعض من أتباع رجل الدين التركي فتح الله جولن.
موقف الحكومة السويدية
في المقابل، قالت الحكومة السويدية التي يقودها المحافظون إنها قامت بتعديلات تخص تشريعات الإرهاب في السويد، وأكدت الحكومة أن تلك التعديلات كان يجري العمل عليها حتى قبل المطالب التركية، وأن تلك التعديلات تغطي مخاوف “أنقرة”.
كما وافقت ستوكهولم على تسليم مواطن تركي سُجن بتهمة حيازة مخدرات في تركيا ثم طلب اللجوء في السويد، كما أوقف السويديون الاجتماعات الرسمية مع أعضاء في قوات سوريا الديمقراطية، ومع ذلك، لا يزال “أردوغان” ثابتاً وموقفه الذي لا هوادة فيه، وهو هنا وبهذا المطلب يلعب بشكل جيد على الشعور القومي في الفترة التي تسبق الانتخابات البلدية الحاسمة التي ستجرى في مارس.
لكن التعديلات التشريعية لم تلق قبولاً لدى الرئيس التركي، إذ ذكر بيان للرئاسة التركية في أعقاب اتصال هاتفي يوم الأحد 25 يونيو بين “أردوغان” وينس ستوتلنبرج أمين عام حلف الناتو أن تلك التغييرات التشريعية لا معنى لها في ظل تواجد أنصار حزب العمال الكردستاني وأنصار قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية والذين حسب زعمه يديرون أعمالاً ضد تركيا من السويد.
كما انتقد النظام التركي كذلك، في نفس البيان الرئاسي، محاولات ربط مطالب “أنقرة” حيال شراء وصيانة طائرات “إف 16” الأمريكية بموافقتها على انضمام السويد إلى حلف الناتو، معتبراً أن هذا الأمر من شأنه الإضرار بدول الحلف وأمنها في المقام الأول وليس تركيا.
صفقات وأكبر قدر من المكاسب
ولعل المشكلات التي بين تركيا والسويد هي ذاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أن “أنقرة” تطلب من “واشنطن” أيضاً التخلي عن قوات سوريا الديمقراطية، التي تزعم أنها أحد أذرع حزب العمال الكردستاني، كما أنها تطلب كذلك من الولايات المتحدة تسليمها الداعية فتح الله جولن والذي يقيم في منفى اختياري لديها.
في هذا السياق، يقول الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن تركيا تستغل مسألة انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو من أجل تحقيق مجموعة من المكاسب أولها تشديد الإجراءات في تلك الدول على أية عناصر نشطة في العمل السياسي الكردي أو حزب العمال الكردستاني.
وأضاف: “والأمر الثاني أن تركيا تريد القول إنها دولة مؤثرة في الحلف وتستطيع الحصول على مكاسب ودعم عسكري غربي مقابل موقفها، كحصولها على سبيل المثال من الرئيس الأمريكي جو بايدن على وعد بمنحها طائرات إف 16 مقابل الموافقة على انضمام فنلدا والسويد للحلف”.
ولفت “سمير” إلى أن السويد بالفعل قدمت تنازلات لتركيا منها تسليمها بعض الأشخاص إلى جانب التعديلات التشريعية بما يساهم في التعامل مع ما تسميه تركيا بـ”مكافحة الإرهاب”، وهي التعديلات التشريعية التي يعتبرها حلف الناتو كافية للغاية، مضيفاً: “وبالتالي حلف الناتو في الوقت الحالي ألقى الكرة في ملعب تركيا، وباعتقادي أن شهر يوليو المقبل سيشهد موافقة تركيا بشكل كامل على انضمام ستوكهولم للحلف”.
وأشار “سمير” إلى أن جميع الدول في حلف الناتو لديها ما يمكن تسميته “الفيتو”، فلجميع أعضاء الحلف – وهم 31 دولة حالياً – حق الاعتراض على انضمام أو عضوية أي دولة جديدة، وفي هذه الحالة لا يمكن قبول الدولة الجديدة إلا بموافقة جميع الدول بلا استثناء، معرباً عن تصوره بأن الأمر سينتهي في يوليو المقبل.
وقال خبير العلاقات الدولية، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الأمر بات مضموناً للسويد وكل المناورات والألاعيب التي تقوم بها تركيا في الوقت الحالي الهدف منها إما تسجيل مواقف وإرسال رسائل للغرب، أو الحصول على مكاسب سواء مالية أو اقتصادية أو حتى عسكرية للحصول على طائرات إف 16 الأمريكية بعد إلغاء صفقة طائرات إف 35 معها عام 2019.
صفقات الأسلحة الهدف الأول
بدوره، يقول محمد العالم الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الأمريكي بواشنطن، إن تركيا على الدوام لديها مشكلات مع أمريكا فيما يتعلق بصفقات الأسلحة، والأمر في اعتقادي بالنسبة لمسألة عضوية السويد في حلف الناتو مرتبط بصفة أساسية بحصول تركيا على الأسلحة التي تريدها أكثر من أي تنازلات أخرى في الملف الكردي.
وأضاف “العالم” أن الولايات المتحدة كثيراً ما تعلق صفقات الأسلحة إلى تركيا، و”واشنطن” بيدها إمكانية الضغط على النظام التركي من أجل عضوية السويد في الحلف وذلك في ظل الرغبة الأمريكية نحو تيسير عضوية ستوكهولم، مستدركاً: “لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن أنقرة في الوقت الحالي في موضع قوة نتيجة التغيرات التي تحدث في السياسات العالمية والإقليمية”.
وأوضح الكاتب الصحفي أن تركيا في الوقت الحالي إذا كانت بالأساس منحازة لأمريكا، لكنه يمكنها أيضاً أن تغير وجهتها وتقرر الذهاب نحو العالم الجديد الذي يتشكل أي الاتجاه نحو الصين وروسيا، والأمر هنا سيرتبط بمدى الانفتاح الأمريكي على مطالب تركيا بشأن الأسلحة والتي يعني الحصول عليها مزيداً من التفوق العسكري للجيش التركي.
ظلم النظام التركي يعبر الحدود
ويتم التعامل مع طلبات التسليم التي تقدم إلى السويد من قبل القضاء في البلاد، ولا يمكن للحكومة نقض قرارات محكمتها العليا، التي رفضت من قبل الطعون المقدمة من تركيا على قرارات رفض التسليم لأسباب مختلفة، بما في ذلك خطر تعرض الأشخاص الذين يمكن تسليمهم للاضطهاد حال رحلوا إلى تركيا.
في هذا السياق، يقول المحلل السياسي التركي ياوز أجار، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن السويد لن تنفذ مطلب أردوغان ولن تسلمه أي شخص إلا بصعوبة بالغة لا سيما إذا كان مطلوباً لأسباب سياسية في ظل أن الأمر يخضع لديها لنظام قضائي لديه قناعات – وهي حقيقية – بأن تسليم أي من هؤلاء للنظام التركي مغامرة كبيرة بحياة وأرواح هؤلاء.
وأضاف “أجار”: “للأسف النظام التركي يواصل مزاعمه وأكاذيبه وظلمه ضد كل من يعارضه أو يقول كلمة حق، فملأ الداخل التركي بالمعتقلين ظلماً، ولم يكتف بذلك فحتى أولئك الذين نجحوا في الفرار من ظلمه إلى خارج البلاد يعمل على ملاحقتهم ليلاً ونهاراً”.
القاهرة ـ محمد اسماعيل