خلال الأيام الماضية تردد وسائل الإعلام الإسرائيلية بعض الأنباء عن تفاهمات تتم بين حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيمين نتنياهو والمملكة العربية السعودية بوساطة أمريكية، بموجبها تحصل “الرياض” على الحق في تطوير برنامج نووي لمقارعة إيران، مقابل التطبيع مع “تل أبيب”.
وقد يرى البعض أن ما يردده الإعلام الإسرائيلي والغربي بشأن التطبيع مع السعودية قد لا يمكن تصديقه، لكن التطور الذي شهدته العلاقات بين “تل أبيب” وعديد من الدول العربية يدعو للبحث عن هذه الفرضية بعد اتفاقات تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان وسلطنة عمان في إطار ما يعرف بـ”السلام الإبراهيمي”.
الصفقة المفترضة
أحدث ما نشر في إسرائيل عن هذا الأمر، كان ما كتبه إيدي كوهين الإعلامي والباحث الإسرائيلي الشهير والذي يحظى ما كتبه بمتابعة كبيرة، إذ ذكر عبر حسابه على “تويتر” أن حكومة الليكود وافقت على السماح للسعودية بتملك برنامج نووي، مقابل السلام معها دون مطالبتها بحل الدولتين وذلك بعد وساطة من قبل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن، مرحباً “بالصفقة التي تمت”.
تقرير حديث آخر لشبكة “سي إن إن” الأمريكية تحدث عن الدور الأمريكي للتقريب بين السعودية وإسرائيل من أجل تطبيع العلاقات، لكن التقرير سلط الضوء على تطور مهم، إذ قال إن هناك تعديلات تاريخية تطرأ على المناهج التربوية السعودية بإزالة الإشارات السلبية لليهود، وكأن الأمر يحمل إشارة إلى إمكانية تقارب سعودي إسرائيلي.
وذكرت أن إدارة جو بايدن تدفع المملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، للبناء على اتفاقيات إبراهيم التي جعلت دول عربية تعترف بالدولة اليهودية في إنجاز كبير للسياسة الخارجية للرئيس السابق دونالد ترامب، وقد فتحت المملكة مجالها الجوي لشركات الطيران الإسرائيلية للمرة الأولى العام الماضي، لكنها أصرت على أنه لن يحدث تطبيع قبل قيام دولة فلسطينية.
فكرة مرفوضة لدى الرياض
في هذا السياق يقول الدكتور أيمن الرقب القيادي بحركة فتح الفلسطينية، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه منذ فترة وبعد زيارة مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان إلى المملكة العربية السعودية، يتم التداول على نطاق واسع في الإعلام العبري عن أن هناك اتفاق تم بين السعودية وأمريكا.
وأوضح “الرقب” أن الاتفاق الذي تحدث الإعلام العبري عنه مضمونه أنه سيتم السماح بتطوير برنامج نووي للمملكة العربية السعودية مقابل تطوير عملية السلام مع إسرائيل، لكن الرياض نفت وأكدت على مبادرة السلام العربية التي قدمتها من قبل المملكة.
وقال “الرقب” إنه حسب المعلومات التي لدينا فإن الرياض رفضت بشكل قاطع هذا الطرح، وأن تربط مسألة السلاح النووي بالتطبيع مع إسرائيل، كما أن الفترة الماضية شهدت مصالحات وتقارب بين السعودية وإيران، وبالتالي الرياض في الوقت الحالي لا تسعى لامتلاك سلاح نووي بقدر ما أن يكون لديها مفاعلاً نووياً للخدمات المدنية ولن تطلب في هذا الحالة إذناً من إسرائيل.
التطبيع المتدرج
وذكر القيادي بحركة فتح أن السعودية في المقابل طلبت عقد مؤتمر دولي للسلام على أساس حل الدولتين تشارك به إسرائيل وفلسطين على قدم وساق، وأن يكون هذا المؤتمر تحت مظلة حل الدولتين، ثم تبدأ لاحقاً السعودية فكرة التطبيع المتدرج في العلاقة بين الرياض وتل أبيب.
وأضاف “الرقب” أن السعودية تدرك وتؤمن أنه لو قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أي حل للقضية الفلسطينية فإن عملية السلام ستكون قد انتهت، لافتاً إلى أن السعودية هي من طرحت بالأساس فكرة التعايش مع الاحتلال ولكن من خلال قيام دولية فلسطينية.
وقال “الرقب” أن ورقة التطبيع السعودي مع إسرائيل هي آخر ورقة نستطيع استخدامها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وحسب معلوماتنا فإن ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان لديه اطلاع على مثل هذه الأفكار التي تقوم على أن يكون التطبيع مع العرب سابقاً على حل القضية الفلسطينية، وهذا أمر مرفوض لدى المملكة.
حديث عن بوادر انفتاح
لكن في المقابل، فإن تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية، نشر قبل أيام، يرى أن السعودية تبدي بوادر انفتاح على مسألة التطبيع مع إسرائيل في ظل تفاوضها على زيادة التعاون العسكري مع واشنطن ودعم برنامجها النووي المدني، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تضع هذا الملف على رأس أولوياتها، بل وأحد أولويات حملة الانتخابات الرئاسية لـ”بايدن” التي تجري في 2024.
وتوقفت الصحيفة عند تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان التي قال فيها إنه من الواضح تماماً أننا نعتقد أن التطبيع مع إسرائيل يصب في مصلحة المنطقة، وأنه سيعود بفوائد كبيرة على الجميع، واستدرك: “ولكن من دون إيجاد طريق للسلام للشعب الفلسطيني، وبدون مواجهة هذا التحدي، فإن أي تطبيع سيكون له فوائد محدودة، وبالتالي أعتقد أنه يجب علينا مواصلة التركيز على إيجاد طريق نحو حل الدولتين، وعلى إيجاد مسار نحو إعطاء الفلسطينيين الكرامة والعدالة”.
وتقول الصحيفة تعليقاُ على تلك التصريحات إن اختيار الكلمات ليس بالأمر الهين، مشيرة إلى كلمات الوزير بالبحث عن “طريق إلى السلام”، فتقول يبدو أن وزير الخارجية السعودي يشير إلى أن الرياض مستعدة لتقليص مطالبها، فلن يكون إنشاء دولة فلسطينية داخل حدود 1967 شرطاً أساسياً للتطبيع مع إسرائيل، وقد جاء هذا الشرط في مبادرة سلام ولي العهد السعودي الأمير الراحل عبدالله بن عبالعزيز التي وافقت عليها جامعة الدول العربية عام 2002.
بالونة اختبار وجس للنبض
بدوره، يقول الدكتور طه علي المحلل والباحث السياسي المصري، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن التسريبات التي تنشر في الإعلام الإسرائيلي بشأن أي حوار بين تل أبيب والرياض تأتي في سياق محاولة فرض أمر واقع وهو أن المملكة بصدد التعامل مع هذه المشكلة، وفرض أجندة ما عل الرأي العام العربي والدبلوماسي للحديث عن هذا الموضوع والتحول من مرحلة النفي والإثبات إلى مرحلة البحث والتحليل فيه.
وأضاف “علي” أن مثل هذه التسريبات تتجه في سياق فرض توجهات معينة على الرأي العام العربي، ويمكن أن تكون بالونة اختبار لجس نبض الرأي العام العربي الذي بشأن ما قد يقدم عليه من ردود أفعال إما سلبا وإيجابا بشأن هذه التسريبات، لافتاً إلى أن إسرائيل لديها حرص واهتمام على متابعة الرأي العام العربي خصوصاً بعد العملية التي نفذها الجندي المصري محمد صلاح داخل الحدود الإسرائيلية.
وأكد “علي” على أن السعودية هي المحطة الأهم في مساع تطبيع إسرائيل مع جوارها العربي، ورأينا ذلك في تصريحات “نتنياهو” خلال حملته الانتخابية فقد كان يبشر الناخب الإسرائيلي بأنه قريباً سيكون هناك طيران مباشر من تل أبيب إلى الرياض ومكة، وبالتالي يسعى إلى أن يكون تركيز الرأي العام العربي على مثل هذه القضية، للضغط على المفاوض السعودي لتمضي وتيرة التطبيع.
وفي ختام تصريحاته، يقول الباحث المصري أن الأمر قد يكون بالونة اختبار لجس نبض الرأي العام العربي بشأن هذا الملف، والأمر الثاني محاولة للضغط على المفاوض السعودي عبر تحويل أمر ما كان في السر بالنسبة للسعودية إلى العلن يتعلق المحادثات المزعومة.
نقل مطالب ولي العهد السعودي
تقرير آخر لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية قبل يومين ذكر أن وزير الخارجية الأمريكي ظل على الهاتف لنحو 40 دقيقة يقدم إيجازاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بالمطالب التي يريدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بشأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما تأتي المكالمة في إطار المحاولات طويلة الأمد التي يقوم بها “بايدن” للتقريب بين البلدين.
وفقا للصحيفة، فإن العديد من كبار المسؤولين الأمريكيين يرون إن فرص إبرام صفقة يمكن أن تكون أقل من 50 في المائة، حتى “بلينكن” نفسه صال إنه “ليس لديه أوهام” بأن الطريق إلى الصفقة سيكون سريعاً، لكن الصحيفة ترى أن الإدارة تعمل في إطار خطة طويلة المدى.
ومع ذلك، فإن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل سيكون أحد الأحداث الأكثر دراماتيكية في إعادة الاصطفاف المستمر للشرق الأوسط، ويمكن أن يجني فوائد لقادة البلدين، وكذلك الرئيس بايدن، الذي يقود حملة إعادة انتخابه لولاية ثانية، بحسب “نيويورك تايمز”.
جدير بالذكر أن الحديث عن تطبيع بين السعودية وإسرائيل يتزامن مع حديث آخر حول فرضية التطبيع بين حكومة دمشق وتل أبيب، وبذهب مراقبون إلى أن هذا الأمر وارد الحدوث.
القاهرة ـ محمد إسماعيل