“خارطة طريق أستانا”.. حيلة أردوغان وبشار لذبح الشعبين السوري والكردي

أثارت مخرجات المباحثات التي جرت في مدينة أستانا بكازاخستان كثيراً من المخاوف لدى الشعبين السوري والكردي، بعد أن تحولت إلى مسار لتقارب بين نظام رجب طيب أردوغان وحكومة بشار الأسد عبر ما يعرف بـ”خارطة الطريق الروسية”، بدلاً من التركيز على حلول تساعد بالأساس على دعم الاستقرار في روسيا.

وقد أعلن المبعوث الخاص للرئيس الروسي للتسوية السورية، أمس، أن سوريا وتركيا وإيران اتفقت على صيغة “خارطة الطريق” التي أعدتها روسيا للتطبيع العاجل للعلاقات بين دمشق وأنقرة، وعبرت عن وجهات نظرها ومقترحاتها، والآن يجب التنسيق لتطبيق هذه الخارطة، على حد قوله.

وتشير التسريبات المرتبطة بتلك الخارطة بشكل رئيسي إلى توافق بين حكومتي دمشق وأنقرة ضد المكون الكردي، من خلال الخطاب الذي تبنته اجتماعات أستانا بشأن ما يسمى بـ”تفهم مخاوف الجانب التركي بشأن الإرهاب”، وهي التهمة التي يلصقها “أردوغان” بالكرد لتبرير جرائمه بحقهم سواء داخل سوريا أو تركيا.

تفاهمات على حساب الشعب السوري

وتعقيباً على ما دار في أستانا وما يرشح بشأن خارطة الطريق الروسية، قال بدران جيا كرد، الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية للادارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في بيان، إن ثلاثية أستانا تحولت الى رباعية بمشاركة النظام السوري وبعد دمجها دخلت مرحلتها الجديدة والمتمثلة بالعمل الرئيس على ترميم العلاقات البينية بين النظامين التركي والسوري  من خلال تمرير صفقات متبادلة  على حساب مصلحة الشعب السوري، وكذلك العمل على قضايا أمنية واستخباراتية  لزعزعة الاستقرار في  المناطق المستقرة.

وأضاف: “ناهيكم عن الاجماع على معاداة الإدارة الذاتية وحقوق الكرد وشعوب المنطقة، مروراً باستهداف بعض المجموعات المسلحة والسياسية التي ترعاها تركيا، لينتهي اجتماع مسار أستانا الأخير برسم خارطة طريق للعمل والتنسيق على مستويات مختلفة كي تكون شاملة وضامنة لمصالح وتقاسم نفوذ كل أطراف هذا المسار، وهذا ما يبدو واضحاً وجلياً في ازدواجية المعايير التي تمتاز بها غالبية مخرجات الاجتماع التي وردت في بيانه الختامي”.

‏أكاذيب بحق الإدارة الذاتية

وانتقد جيا كرد نعت الادارة الذاتية بصفات كاذبة وبعيدة عن الحقيقة في الوقت الذي يتم فيه التهرب من واقع الاحتلال التركي ومشاريعه التقسيمية والجرائم التي يرتكبها داخل سوريا بحق الشعب السوري، وكذلك الادعاء بان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تشكل تهديداً على الأمن القومي التركي، مشيراً إلى النظام التركي الذي يحتل ويقتل وينهب ويدعم الارهاب والذي فتح حدوده للآلاف منهم الى سوريا، والمستمر بقصفه اليومي للمناطق الآهلة والبنى التحتية، وتدخلها الاحتلالي المباشر وبكل الأشكال في سوريا، يُهدد أمننا الوطني في سوريا.

وشدد “جيا” أن هذا الخطاب المسمى “مسار أستانا” بعيد كل البعد عن لغة الحوار والتصالح والتوافق بين السوريين بل يحتوي على التصعيد والاتهام والتصادم، وهذه إشارة أخرى بأن عملية التطبيع بين دمشق وأنقرة تحمل بين طياتها التصعيد ودفع المنطقة باتجاه المجهول، بالإضافة لاختلاق أزمات طويلة الأمد وترسيخ الشرخ وخطاب الكراهية بين أطياف المجتمع السوري.

دوافع روسيا 

في هذا السياق، قال الدكتور مسلم شعيتو رئيس المركز الثقافي الروسي العربي بروسيا، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن روسيا لديها دوافع كبيرة بشأن تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، فهي تريد تهدئة المشكلات في الشرق الأوسط، وقد لعبت في هذا الإطار دوراً في التقارب بين السعودية وإيران حتى وإن كانت الصين هي صاحبة الدور الأكبر.

وأضاف “شعيتو” أن التقارب بين سوريا وتركيا من شانه أن يخفف كثير من الأعباء على الجانب الروسي سواء سياسياً أو عسكرياً أو مادياً نتيجة دعم موسكو للحكومة السورية، لافتاً إلى أن موسكو يمكن أن تلتقي مع دمشق وأنقرة في مسألة العمل على تقليل الوجود الأمريكي في المنطقة كعامل يمكن أن يساعد على مزيد من التقارب والتعاون.

تعديل في اتفاقية أضنة

وتحدث “شعيتو” عن ملامح خارطة الطريق التي تتحدث عنها موسكو، وقال إنها تتضمن مجموعة من البنود أولها عودة تركيا إلى الالتزم ببنود اتفاقية أضنة والتي كانت تتيح لتركيا إمكانية التوغل داخل الأراضي السورية بعمق حوالي 5 كيلومتر إذا رأت أن هناك خطراً يهدد أمنها. ويعد هذا أخطر بنود خارطة الطريق إن حدثت.

ولفت إلى أن هناك خلاف يمكن التفاوض حوله بشأن هذا البند، إذ أن تركيا تريد أن تكون المساحة المسموح بها أمام توغل القوات التركية في شمال سوريا عمقهل30 كيلومتر، بينما ترى الحكومة السورية أن 20 كيلومتر كافية، وتحاول موسكو هنا تقريب وجهات النظر والتوافق بشأن هذه المساحة.

وقال رئيس المركز الثقافي العربي الروسي إن هناك بند آخر يتعلق بجهود مكافحة الإرهاب، حيث إن خارطة الطريق تطالب تركيا بعزل المعارضة السورية السياسية عن الفصائل المسلحة والإرهابية والتي لا يمكن التعامل معها.

وتابع بشأن بنود خارجة الطريقة أنها تتضمن الإقرار باحترام تركيا لسيادة واستقلالية الدولة السورية، والتععهد بهذا البند والبنود السابقة يعني أنه سيكون هناك جدول يخص عملية انسحاب القوات التركية من المناطق التي دخلتها في شمال سوريا نستطيع القول عليه إنه جدولا سياسياً وليس زمنياً، أي انسحاب مرتبط بمجموعة من الخطوات.

وفي ختام تصريحاته، قال “شعيتو” إن الترك يتعاملون كالتجار ويعرفون المراوغة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، ويجيدون خلق الأوراق، ولهذا يكون هناك وقت كبير للتفاوض والتباحث بشأن البنود الموجودة في خارطة الطريق.

تضحية بالكرد

بدوره، يقول حازم العبدي المحلل السياسي العراقي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن التفاهمات التي تجري في الوقت الحالي بين روسيا وتركيا وإيران تعني أن هناك أمراً ما يدبر ضد الكرد، معرباً عن اعتقاده بأن النظام التركي سيوجه ضربات عسكرية قريباً ضد الكرد في الشمال السوري بتوافق مع بشار الأسد وكذلك مع الأمريكيين.

وأوضح “العبيدي” أن الولايات المتحدة ستترك الكرد لـ”أردوغان” وللنظام السوري كنوع من التهدئة مع إيران التي بدورها يمكن أن تخفف الدعم لجماعة الحوثيين في اليمن التي تواجه السعودية حليفة واشنطن، كما سيكون ذلك مقابل تهدئة الميليشات الشيعية الموالية لإيران في العراق التي تستهدف المصالح الأمريكية من وقت لآخر.

ولفت المحلل السياسي العراقي إلى أن روسيا بدورها تحاول تقديم الكرد بالتعاون مع النظام السوري ككبش فداء، حيث تسعى موسكو إلى جذب النظام التركي في إطار الصراع الإقليمي والدولي الذي أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية وخريطة التحالفات التي تتغير في المنطقة.

المساع الروسية لتطبيع العلاقات

وقد بدأت روسيا في نهاية عام 2022 عملية إنهاء الخلاف الدبلوماسي بين أنقرة ودمشق، حيث التقى وزيرا دفاع البلدين ورئيسي جهاز المخابرات، وبعد هذه الخطوة الأولى تم تضمين إيران أيضًا في العملية.

وفي مايو الماضي، اجتمع وزراء خارجية الدول الأربع في موسكو وقرروا تشكيل لجنة فنية بقيادة نواب وزراء الخارجية لرسم خارطة طريق لتنمية العلاقات، لذلك يناقش نواب الوزراء في أستانا سير العمل في مسودة خارطة الطريق لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وكذلك المشاورات الثنائية والثلاثية للدول المشاركة في عملية أستانا.

وجرت المحادثات بصفة عامة على أساس وضع خطة لتحسين العلاقات بين تركيا وسوريا بالتنسيق مع الاتصالات الجارية بين وزارات الدفاع في الدول الأربع. كما تم بها تبادل وجهات النظر والاتفاق على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمحادثات الفنية في شكل رباعي، وسط دعوات لمزيد من المساعدات الدولية لسوريا، ليس فقط على مستوى السكان الذين يعانون، بل أيضاً من أجل عودة اللاجئين الطوعية والآمنة والكريمة، وإعادة الإعمار بعد الحرب.

ورقة اللاجئين والتغيير الديمغرافي

وفي إطار تناولها لمباحثات أستانا، قالت صحيفة “ديلي صباح”، التابعة للنظام التركي، إن استعادة العلاقات بين الحكومتين السورية والتركية، يعني على الفور إعادة اللاجئين السوريين، والتي قالت عنهم إنهم يمثلون عبء على كبيراً على الاقتصاد التركي، في وقت تقدر الأمم المتحدة أن هناك 3.6 مليون لاجيء سوري في تركيا.

وأشارت الصحيفة إلى قيام الرئيس التركي بدعم إنشاء منازل لاستقبال اللاجئين السوريين في الشمال السوري،  تحت مسمى توفير الحياة الكريمة للاجئين. وتلقى خطوات إقامة تلك المنازل انتقادات واسعة، إذ أنها تستهدف تغيير التركيبة الديمغرافية لسوريا عبر إحلال اللاجئين العرب محل الكرد في المناطق التي تحتلها تركيا شمال سوريا.

القاهرة ـ محمد إسماعيل

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا