القاهرة ـ محمد اسماعيل
في وقت تتجه الأنظار خلال الفترة الأخيرة إلى الكرد في سوريا وتركيا العراق، تزيد السلطات الإيرانية الخناق على الكرد حتى وصل الأمر إلى اعتداءات عنيفة من قبل الحرس الثوري الإيراني معهم في أكثر من منطقة غرب البلاد، عقب مقتل أحد عناصر قوات الباسيج شبه العسكرية يوم الأحد الماضي في محافظة كرمانشاه، وفق حسابات لمنظمات معارضة.
وتأتي تلك الاعتداءات في وقت تحاول قوات الأمن الإيرانية منع عائلات كردية من التوافد إلى مقبرة “إيشي” التي دفنت بها الشابة الكردية مهساء أميني أو “شينا”، وكذلك ضحايا الاحتجاجات التي خرجت عقب مقتلها، وسط محاولات من قبل السلطات إلى نقل المقبرة، في ظل أكبر تحد سياسي يواجه النظام الإيراني تقريباً منذ تأسيسه وفق مراقبين.
تفاصيل الأحداث الأخيرة
ففي قرية دهلور في محافظة كرمانشاه، هاجمت القوات الإيرانية هذا الأسبوع السكان المحليين، مع اندلاع اشتباكات مسلحة في الموقع، وجاء الهجوم في ضوء مقتل عنصر من قوات الباسيج شبه العسكرية، وفق الحساب الرسمي على تويتر لمنظمة هينجاو الحقوقية الإيرانية، والتي أشارت كذلك إلى أن الأمر يتجه نحو مزيد من العسكرة في محافظة كردستان مع رصد تحرك طائرات هليكوبتر فوق المراكز الحضرية وحدوث مواجهات مسلحة.
كما تم الإبلاغ عن اشتباكات في كوسلان بين القوات الإيرانية وحزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK)، حيث أفادت المنظمة أن طائرات بدون طيار وقصف استهدف جبل كوسلان بالقرب من صولاوة في غرب إيران. وذكر التقرير أن أحد عناصر الحرس الثوري الإيراني قتل في الاشتباكات، وهي ذاتها الاشتباكات التي تحدثت عنها شبكة حقوق الإنسان في كردستان، كما تم رصد حالات اختطاف.
نقل قبر الشابة الكردية مهسا أميني
وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة “ذا ناشيونال” المعنية بالشؤون الدولية، أن الكرد في بلدة سقز، مسقط رأس الشابة الكردية مهساء أميني، دخلوا في إضراب بعد أن جددت السلطات الإيرانية محاولات نقل المقبرة التي تدفن بها بحسب أقاربها، وهي الفتاة التي قتلت عقب احتجازها من قبل شرطة الأخلاق في إيران وسط اتهامات بتعرضها لعنف وضرب أفضى إلى وفاتها.
وأفادت جماعات حقوق الإنسان المحلية بوقوع إضراب عام في المدينة يوم الثلاثاء الماضي مع إغلاق للشركات المحلية في إطار احتجاجات السكان على تحركات لتدنيس ونقل قبر الشابة، التي أدت وفاتها في حجز الشرطة إلى اندلاع حركة احتجاجية استمرت لأشهر ولا يزال تأثيرها مستمراً، وسط إدانات دولية ومحلية تنتقد عنف النظام الإيراني وعنفه ضد المرأة.
وقال عرفان مرتضعي، ابن عم السيدة مهساء أميني، لصحيفة ذا ناشيونال، مستخدماً اسمها الكردي الذي اشتهرت به، إن بلدية سقز أرادت نقل قبر شينا وإخفائه عن الجمهور خلال الأيام القليلة الماضية. فيما جاء الإضراب في المدينة عقب إلقاء الشرطة القبض على عائلات المتظاهرين الذين قتلوا من قبل على يد قوات الأمن خلال احتجاجات مهساء أميني والذين كانوا تجمعوا عند المقبرة.
وقال نشطاء حقوقيون لمنابر إخبارية فارسية إنه قد تم احتجاز أطفال ونقلهم إلى أماكن مجهولة بعد اعتقال عديد من العائلات من جميع أنحاء المناطق الكردية في إيران، الذين توافدوا على مقبرة إيشي لدعم عائلة السيدة أميني، كما قبض على 30 شخصا لدى عودتهم إلى سقز من موقع القبر، بينهم أقارب لقتلى في الاحتجاجات التي اندلعت بسبب وفاتها في سبتمبر من العام الماضي.
النظام الإيراني يواصل الانتقام
وتبدو الاعتداءات الأخيرة من قبل النظام الإيراني كانتقام من الكرد بعد احتجاجات سبتمبر، إذ يقول كميل البوشوكة الناشط الحقوقي الأحوازي الإيراني، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن ما حدث في سبتمبر الماضي من احتجاجات شديدة وصلت إلى ما يشبه الثورة خرجت من المناطق الكردية حيث مسقط رأس الشابة الكردية مهساء أميني، ثم انتشرت في طهران وبلوشستان وغيرها من مناطق الكرد.
وأوضح “البوشوكة” أنه خلال هذه الاحتاجاجات سقط عدد كبير من الشهداء، وتوزعت غالبيتهم بين مناطق بلوشستان وكردستان، على الأقل ووفق الأرقام التي لدينا فإن ثلث الشهداء سقطوا في المناطق الكردية، حيث استخدم النظام الحرس الثوري لإخماد هذه الاحتجاجات، لافتاً إلى أن الكرد يتعرضون لانتهاكات كبيرة وبشكل جماعي مثل كثير من الشعوب غير الفارسية.
وتابع أن النظام الإيراني لا يزال يستخدم الأسلوب العسكري في التعامل مع الكرد، بحجة محاربة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني الذي يريد استعادة الكرد لحقوقهم في إطار جمهورية فيدرالية، ومنظمة بيجاك أو حزب الحياة الحرة الكردستاني.
انتهاكات لا تتوقف
وتحدث الناشط الحقوق عن الانتهاكات الحقوقية في إيران بصفة عامة، وقال إنها تتم بشكل فردي وبشكل جماعي، فردياً كانتهاك حرية الرأي والتعبير والمعتقد والحريات السياسية وهذه الانتهاكات تطال كل الشعوب الإيرانية سواء الفارسية أو الكردية أو العربية أو التركمانية، كل هؤلاء يعانون الانتهاكات السابقة.
وأضاف “البوشوكة” أنه بخصوص النوع الثاني من الانتهاكات وهي الجماعية والتي يتم توجيهها لكل الشعوب غير الفارسية في إيران، فعلى سبيل المثال الفارسي يدرس بلغته وعنده تاريخه الذي يدرسه وكل شيء يخص الهوية الفارسية متاحة له، وثقافة الفرس مفروضة على الآخرين، لكن غير الفرس بما في ذلك الكرد لا يتمتعون بمثل هذه الحقوق.
وتحدث الناشط الحقوقي عن وضع الكرد وقال إنهم يسكنون بالأساس في محافظة كردستان وهي محافظة كردية بالكامل باستثناء منطقة بيجار التي يسكنها الأتراك، أما محافظة كرمانشاه بها 70 % تقريبا أو أكثر كرد، كما يشكل الكرد حوالي 25% من مناطق جنوب محافظة أذربيجان الغربية، والمناطق الشمالية من عيلام هم من الكرد.
ولفت إلى أن كرمانشاه محافظة حدودية ومجاورة لمحافظة السليمانية العراقية الواقعة ضمن إقليم كردستان العراق، ولهذا فأكثر الأحزاب الكردية النشطة هناك أحزاب تابعة لحزب “كومله” اليساري، لذلك النظام يستهدفهم عسكريا ليضعف النشاط العسكري للكرد.
وقال “البوشوكة” إن الكرد هم القومية الرابعة في إيران ويقدر عددهم حوالي 7 إلى 8 مليون بعد الترك والفرس والعرب، والملاحظ كذلك أن 70% من الكرد سنة و30% منهم شيعة، بعض هؤلاء الكرد الشيعة عملاء للنظام الإيراني، لكن كشعب كردي بصفة عامة يتعرضون للانتهاكات، والنظام الإيراني ينظر إليهم باعتبارهم خطر على الأمن القومي الإيراني، ولهذا هناك انتهاكات مبرمجة أو منظمة ضد الكرد.
وأوضح أن الكرد في إيران محرومين من لغتهم الأم، ومن تراثهم وثفافتهم، ويواجهون سياسة الإفقار التي يتبعها النظام الإيراني، ولا توجد استثمارات في المناطق الكردية، وهذه الانتهاكات تختلف من قومية لأخرى فالانتهاكات التي يتعرض لها الكرد ربما تختلف عن الأحواز وربما تختلف عن الأتراك.
الكرد يريدون الحرية
بدوره، يقول سيامند معيني الرئيس المشترك لحزب الحياة الحرة الكردستاني إنه بعد مقتل شينا أميني انطلقت الانتفاضة في مقبرة سقز، وهتف الشعب الكردي (المرأة، الحياة، الحرية)، ثم انتقل العناف إلى سنندق، ثم جامعة طهران، ثم إلى تبريز، وهذا الأمر ليس من قبيل الصدفة، بل إن غالبية المواطنين الإيرانيين وقتها يفضلون الانتفاضة ضد النظام.
وفي وقت هدأ زخم الاحتجاجات، يضيف “معيني”، في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية نشرت يوم 16 يونيو، أنه “ليس من المعقول أن نتوقع أنه بعد أربعة أو خمسة أو ستة أشهر من الانتفاضة، يمكننا إسقاط نظام شمولي بالاحتجاجات وحدها، ومع ذلك، يمكن لهذه الاحتجاجات أن تضعف النظام”.
وتحدث السياسي الكردي الإيراني البارز في ظل هذا المشهد عن سياسة حزبه، قائلا: “أجندتنا السياسية واضحة، نريد إدارة ذاتية لكردستان إيران وكونفدرالية ديمقراطية لإيران. نحن لا نسعى فقط إلى الديمقراطية في كردستان الإيرانية، بل نسعى إلى كونفدرالية ديمقراطية لجميع الشعوب في إيران. لأننا نعتقد أنه إذا لم تكن هناك ديمقراطية في بلوشستان أو الأهواز، فلن تسود الديمقراطية في كردستان أيضا”.
وأضاف: “نريد أن نكون أحرارا في منطقتنا الكردية، وأن نعيش كنساء ورجال أحرار في أراضينا، دون تغيير رسمي أو تغيير في حدود إيران”، في إشارة إلى أن حزبه لا يريد الانفصال أو تغيير خريطة إيران.
تحركات داخل العراق
وفي إطار الحصار الإيراني للمعارضة الكردية، تقول مصادر لإذاعة “فويس أوف أميركا” الأمريكية، مؤخرا، إن حكومة إقليم كردستان العراق بدأت بالتحرك ضد عناصر المعارضة الكردية الإيرانية أو الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة وتجميعهم في مخيمات كنوع من التضييق عليهم، في إطار تفاهمات ثلاثية بين طهران وبغداد وأربيل.
وقالت “فويس أوف أميركا” إن الخطة تجاه المعارضة الكردية الإيرانية أثارت جدلًا بين القيادات السياسية والعسكرية للأحزاب الإيرانية المعارضة خاصة القيادات العسكرية التي استاءت من نقلهم للمخيمات، كما التقى رئيس وكالة أمن إقليم كردستان مع بعض الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في اليومين الماضيين وأخبرهم أن حكومة الإقليم لا يمكنها تحمل مسؤولية حمايتهم بعد الآن، وفق مصادر في حزب “كومله”.
وقال مصدر كردي عراقي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، فضل عدم ذكر اسمه، إنه حتى الآن ليس هناك توافق بشأن آلية تطبيق الطلب الإيراني بخصوص المعارضة الكردية، في إطار اتفاق أمني أبرم مؤخرا بين إيران وبغداد وحكومة إقليم كردستان، لكن في كل الأحوال لن يسمح بأن تكون أراضي العراق أو كردستان ساحة يتم من خلالها استهداف دول أخرى.