القصة الكاملة لأول دعوى ضد بشار الأسد أمام محكمة العدل الدولية

القاهرة ـ محمد اسماعيل

بدأت أولى الخطوات العملية لمحاكمة حكومة دمشق وعلى رأسها بشار الأسد عما اقترفته من جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري، وذلك بعد أن كشف بيان رسمي لمحكمة العدل الدولية عن تقديم هولندا وكندا دعوى أو طلباً لمقاضاة سوريا أمامها بدعوى ارتكابها جرائم تعذيب، والمقصود بسوريا هنا بشار الأسد وكل من تورط معه من مسؤولين في تلك الجرائم.

وبعد هذه الدعوى، فإن المحكمة إذا وجدت أن لها اختصاصاً للنظر فيها، فستكون أول محكمة دولية قادرة على التوصل إلى نتيجة قانونية بشأن استخدام التعذيب الممنهج من قبل حكومة بشار الأسد ضد الشعب السوري، حتى وإن استغرق استصدار حكم في هذا المسار سنوات.

جرائم بشار الأسد

وأكدتا هولندا وكندا أن حكومة دمشق ارتكبت انتهاكات لا حصر لها للقانون الدولي بدءا من عام 2011 على أقل تقدير، وطلبتا اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المعرضين لخطر التعذيب، ووفقاً للمعمول به من النظام القانوني للمحكمة فإن التدابير العاجلة هذه يمكن أن يصدر بشأنها قرار خلال أسبوعين.

وذكرت الدعوى أن بشار الأسد قام بانتهاكات عديدة خصوصا التعذيب داخل السجون وغياب الظروف غير الإنسانية، والاختفاء القسري لكثير من المواطنين، والقيام بتعذيب على أساس النوع وأعمال عنف ضد الأطفال، وكذلك استخدام العنف الجنسي والاغتصاب، وتوقيع العقوبات القاسية واللا إنسانية والمهينة.

كما أكدت الدعوى كذلك أن حكومة بشار الأسد استخدمت في إطار قمعها للمواطنين الأسلحة الكيميائية، واصفة استخدامها بالتصرفات المقيتة التي كانت سبباً في إزهاق كثير من الأرواح وكثير من الإصابات فضلا عن الآثار التي تسببت لكثيرين في معاناة جسدية وعقلية.

ضرورة اتخاذ تدابير طارئة

وتضمنت الدعوى المقدمة من قبل هولندا وكندا إلى محكمة العدل الدولية مناشدة أو طلباً بضرورة إصدار أوامر عاجلة لحكومة دمشق باتخاذ إجراءات منها التوقف عن جميع أعمال التعذيب والمعاملة القاسية وإنهاء الاعتقالات التعسفية.

كما دعت كذلك إلى أن يسمح نظام حكومة دمشق بالإفراج عن المسجونين والمحتجزين قسريا، وأن يسمح كذلك بوصول مراقبين إلى السجون داخل سوريا للوقوف على طبيعة الوضع هناك، وذلك عملاً بالمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 و 74 و 75 من لائحة المحكمة.

وفق الدعوى، فإنه إعمالا للمادة 74 من لائحة محكمة العدل الدولية، فإن التدابير الطارئة يكون لها الأولوية على سواها من الإجراءات والقضايا الأخرى، ما يعني أن المحكمة ربما تسرع في استصدار قرارات موجهة لحكومة دمشق باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين من التعذيب والإفراج عن المسجونين تعسفيا والسماح بقدوم مراقبين إلى سوريا.

دوافع هولندا وكندا

وترى هولندا وكندا أنه يجب محاسبة بشار الأسد ونظامه لقيامه بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وعمليات تعذيب بالمخالفة لما تنص عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي صادقت عليها دمشق في 2004، فضلاً عن الانتهاكات التي تخالف القانون الدولي، كما أن الحكومة الهولندية ترى أن ثمة أدلة كثيرة على أن سوريا ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد مواطنين سوريين على نطاق واسع.

وقال وزير الخارجية الهولندي ووبكي هويكسترا في بيان إن “مواطنين سوريين تعرضوا للتعذيب والقتل والاختفاء والهجوم بالغاز السام أو أجبروا على الفرار حفاظاً على حياتهم وترك كل ما لديهم”، مضيفاً أن “إرساء المساءلة ومكافحة الإفلات من العقاب هما عنصران مهمان لتحقيق حل سياسي دائم للصراع في سوريا”. وأشار كذلك إلى أن عرض هذه القضية على محكمة العدل الدولية هو خطوة تالية رئيسية على الطريق الطويل لتحقيق هذا الهدف.

وكانتا كندا وهولندا قررتا التحرك في 2020 بعد أن أعاقت روسيا عدة محاولات في مجلس الأمن الدولي لإحالة قضية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تحاسب الأفراد على ارتكاب جرائم حرب.

ومنذ ذلك الحين، حاول البلدان الوصول إلى تسوية تفاوضية مع سوريا، بما يتماشى مع آلية تسوية المنازعات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التعذيب، والتي هي دولة طرف فيها، لكن المحادثات لم تؤد إلى حل، وفق وزارة الخارجية الهولندية، والتي أكدت أن حكومة دمشق لم توافق على اقتراحهم للتحكيم في غضون ستة أشهر، ولهذا تم الاتجاه إلى محكمة العدل الدولية في محاولة لإجبار حكومة دمشق على الامتثال لالتزاماتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.

ضحايا حكومة دمشق

وقُتل أكثر من نصف مليون شخص في الصراع الذي اندلع بعد أن شن بشار الأسد حملة عنيفة على الاحتجاجات السلمية المؤيدة للديمقراطية التي خرجت ضده عام 2011، ليتحول بعد ذلك الأمر إلى حرب أهلية عنيفة نتيجة القمع الذي اتبعته حكومة دمشق، كما كان الصراع سبباً في فرار ملايين السوريين بين لاجئين ونازحين، إلى جانب عشرات الآلاف يعانون عاهات مستديمة جراء إصابات لحقت بهم.

وقال معتقلون سابقون أن القوات الحكومية استخدمت بشكل روتيني أساليب التعذيب، بما في ذلك الضرب المبرح والصعق بالكهرباء وحرق أجزاء من الجسم وخلع الأظافر والأسنان والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، فضلاً عن الحرمان الممنهج من الطعام والماء والأدوية، وذلك بحسب تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وفي هذا السياق، تقول بيانات للشبكة السورية لحقوق الإنسان إن هناك قرابة 14500 مدنيا على الأقل قتلوا جراء التعذيب الذي تعرضوا له في السجون التابعة لحكومة دمشق.

الأمر لها علاقة بالتطبيع مع حكومة دمشق

في هذا السياق، يقول الدكتور عبدالمسيح الشامي الخبير في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن قرار هولندا وكندا برفع دعوى ضد بشار الأسد في محكمة العدل الدولية يأتي كرد فعل على الانفتاح الذي بدأ يحصل مع بشار والنظام السوري في الآونة الأخيرة وعملية إعادة تبييض وإعادة الدمج والتطبيع مع النظام مرة أخرى من قبل دول كثيرة غربية وشرقية وشرق أوسطية.

وأضاف أن كندا وهولندا وغيرهما من الدول تتفق على أنه لا يمكن تمرير الجرائم التي ارتكبها بشار الأسد، والمهم في هذا الأمر أن هناك عشرات بل مئات الدعوات المقدمة من سوريين في هذه الدول ضد النظام السوري، وهنالك وثائق وكثير من الأدلة والبراهين والقصص الموثقة وشهادات من قبل أناس تم تعذيبهم إضافة إلى وثائق تتعلق بموضوعات جرائم حرب وكل هذه الأمور موجودة في تلك الدول وموثقة وتحت رغبة هذه الدول بعدم مرور ما قام به نظام بشار الأسد مرور الكرام بالإضافة إلى ضغط الشعب السوري واللاجئين السوريين في هذه الدول، وكان ذلك سبباً في أن أتت هذه الخطوة بشكل أساسي.

وأعرب خبير العلاقات الدولية السوري عن قناعته بأن العدالة يجب أن تأخذ مجراها، ولكن يجب ألا تكون منقوصة، موضحاً أنه يجب أن يحاكم كل من ارتكب جرائم حرب في سوريا من النظام والمعارضة، فالجرائم أتت من قبل المعارضين وجزء كبير من هؤلاء المعارضين موجودين في أوروبا وأمريكا، ولهذا يجب محاكمة كل من قام بجرائم حرب وكل من قام بتعذيب المدنيين، وهذا أمر بمتناول اليد، وفقا له.

وأضاف: “العدالة مطلوبة وهو أمر جيد وفي الاتجاه الصحيح، بشرط ألا يكون ذلك منقوصاً وألا يكون بموازين أحادية لا تغطي كل من قام بجرائم حرب في سوريا”، مؤكداً أنه في كل الأحوال هذه الخطوة فيما يتعلق بمحاكمة بشار الأسد ونظامه ستحد كثيراً من إمكانية إعادة التطبيع مرة أخرى مع النظام، وستصبح مصيدة لأي شخص من مسؤولي النظام عبر إصدار أحكام وملاحقتهم ووضعهم تحت المراقبة والملاحقة، على نحو يحد كذلك من إمكانية التطبيع معهم، وربما يساهم في وضع نهاية للمأساة السورية وفرض نظام جديد على سوريا يجنب الشعب السوري ويخلصه من هذا النظام الفاسد الذي يكتم على أنفاس السورييين منذ أكثر من نصف قرن.

وفي ختام تصريحاته، أكد “الشامي” أن الدعوى خطوة في الاتجاه الصحيح، ولا شك أنها في نهاية المطاق سوف تؤدي على الأقل إلى محاصرة النظام، والحد من عملية التطبيع معه إذا لم نقل إنها سوف تؤدي إلى محاكمته.

د. عبدالمسيح الشامي الخبير في العلاقات الدولية

الأبعاد القانونية للدعوى

وعادة ما تستغرق القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية سنوات للوصول إلى حكم نهائي، ولكن يمكن إصدار أوامر الطوارئ في غضون أسابيع، أي التدابير الطارئة التي طالبت بها كندا وهولندا فيما يتعلق بوقف التعذيب في سوريا والإفراج عن المسجونين قسريا.

وستأمر محكمة العدل الدولية، في إجراء اعتيادي، بعقد جلسات طارئة للنظر في هذه الطلبات خلال الأيام المقبلة، وهي خطوة منتظرة في ظل فشل محاكمة بشار الأسد وأعوانه من أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وقد اعتمدتا هولندا وكندا في تقديم هذه الدعوى على المادة 36 من لائحة النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية الفقرة الأولى، وكذلك المادة 30 من اتفاقية مناهضة التعذيب الفقرة الأولى، إذ أن دمشق طرفا في الاتفاقية الأخيرة منذ عام 2004.

كما أتى الطلب المقدم من قبلهما بشأن اتخاذ التدابير الطارئة لحماية المدنيين في سوريا عملاً بالمادة 41 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية والمواد 73 و 74 و 75 من لائحتها، والتي تهدف بالأساس إلى دعوة النظام إلى وقف ممارساته، على نحو سبقت الإشارة إليه.

 

قد يعجبك ايضا