القاهرة ـ محمد اسماعيل
استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الفوز بانتخابات الولاية الثالثة، وبصرف النظر عن الوسائل التي اعتمد عليها لتحقيق هذا المكسب والتي قد تكون موضع جدال، إلا أن الأمر الذي لا شك أو جدال فيه أن الكرد أرهقوا الرئيس التركي خلال السنوات الماضية، خصوصاً الانتخابات الأخيرة إذ كانوا السبب الرئيسي في أن تذهب الانتخابات الرئاسية لجولة ثانية كانت المعارضة فيها أقوى ما تكون بفضل الموقف الكردي.
ولهذا بات أردوغان يدرك أن عليه التحرك من أمس وليس اليوم ومن اليوم وليس الغد للتعامل مع هذا الوضع، وتحديداً العمل على تحييد دور حزب الشعوب الديمقراطي، وبات عليه كذلك أن يبحث عن وسائل جديدة، فالمراهنة على الخطاب القومي وإثارة النزعات القومية لم تكن كافية ليربح أردوغان الانتخابات بهدوء كما اعتاد.
معركة البلديات تبدأ مبكراً
وتتجه الأنظار في تركيا خلال الفترة المقبلة إلى انتخابات البلديات والتي يتبقى عليها أشهر، وهنا تظهر مخاوف أردوغان من الكرد الذين تحولوا إلى كابوس انتخابي له، حيث أنهم في عام 2019 استطاعوا هزيمة حزب العدالة والتنمية في كثير من البلديات، ليس هذا فحسب، بل إن الدعم الكردي لحزب الشعب الجمهوري المعارض كان عنصراً حاسماً في فوزه ببلديتي أنقرة وإسطنبول بعد هيمنة تامة لحزب العدالة والتنمية.
وأمام مخاوف أردوغان من تكرار نفس السيناريو مرة أخرى، خصوصا وأن انتخابات الرئاسة التركية تكشف أنه خسر أصوات الناخبين في ولايات كانت معاقل له، يتجه الرئيس التركي أكثر خلال الفترة الحالية لدعم حزب هدى بار الموالي له وبصفة أساسية في المناطق الكردية، بعد أن تحالفا خلال الانتخابات البرلمانية، وهو حزب صحيح أنه كردي لكن الهوية الكردية ليست في اعتباره، لأنه يصنف كحزب يرى ضرورة تطبيق مباديء الشريعة الإسلامية ومارس جرائم إرهابية بحق الكرد خلال السنوات الماضية، وهي نفس الممارسات التي يستخدمها أردوغان لتحقيق مكاسب سياسية.
ويريد الرئيس التركي وحزب العدالة والتنمية من هذا التكتيك ضرب – أو كما يتخيلون – نفوذ حزب الشعوب الديمقراطي، وتقديم بديل كردي له لكن موال للنظام، على أمل أن يساهم ذلك في تغيير وجهات التصويت الكردية التي كانت تحتشد بكثافة خلف المعارضة ضد “أردوغان”.
ويقول الباحث السياسي التركي عدنان جيليك، في تصريحات لموقع بيانت، إن حزب هدى بار لا يمتلك نفس قوة بقية الحركات الكردية، وهو هنا يقصد حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، لكن هذا الحزب مع حزب العدالة والتنمية سيفعلان ما بوسعهما للفوز بالانتخابات البلدية.
ولفت الباحث إلى أن خطاب الإرهاب واتهام الحركة الكردية بالإرهاب أصبح غالباً ويسمع بأعلى صوت، وللأسف أحزاب المعارضة تحذوا الحذو نفسه في مسألة إلصاق الإرهاب بالحركة الكردية، معرباً عن اعتقاده بأنه سيتم تكثيف هذا الخطاب أيضاً بين السكان المحليين في المناطق الكردية عبر حزب هدى بار، وهو أداة مناسبة لهذا الغرض. ويقول جنكيز كاندار وهو كاتب انتخب مؤخرا للبرلمان على قوائم تحالف اليسار الأخضر، إن حزب هدى بار هو إحدى وسائل النظام التركي لجذب الأصوات في الولايات التي يسيطر عليها حزب الشعوب الديمقراطي.
فيما قال ماشوف كورت وهو محاضر وصاحب كتاب عن “هدى بار” إن هذا الحزب لديه قاعدة اجتماعية في المحافظات الكردية والمدن الغربية، مؤكداً أن حكومة العدالة والتنمية وحزب هدى بار سيفعلان ما في وسعهما لتحقيق طموح أردوغان، أي الفوز بالانتخابات البلدية وكسر شوكة حزب الشعوب الديمقراطي.
وأضاف الباحث السياسي التركي أن هدى بار جزء من الحقبة الجديدة الحالية في تركيا، لافتاً إلى أنه سمع معلومات عن أن أنصار هدى بار تم منحهم مناصب إدارية في بعض الولايات ضمن وزارة التعليم، كما أن هناك مؤشرات على أن مرافق البلديات تكون تحت تصرفهم كلما أرادوا أن ينظموا حدثاً ما.
خطة تمكين مصيرها الفشل
بدوره، يقول محمد حسن عامر الباحث في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن خطة الاعتماد على هدى بار لمواجهة حزب الشعوب الديمقراطي مصيرها الفشل، لأن الأخير له بريقه وجاذبيته السياسية التي يتمتع بها دون منافس ولا ينازعه فيها أحد.
ودلل “عامر” على ذلك بالانتخابات الأخيرة، حيث ما كان أحد سينجح من مرشحي هدى بار إلا من خلال الدخول عبر قوائم العدالة والتنمية، ولو كان هدى بار مؤثراً لاستطاع تغيير وجهة الناخب الكردي أو نسبة لا بأس بها إلى التصويت لصالح أردوغان بدلا من مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، كما أنه حصل على نسبة تافهة في انتخابات برلمان 2018.
ولفت إلى أن الأتراك والكرد لا يمكن أن ينسوا السجل الأسود لهذا الحزب المتورط في الإرهاب فعليا وذبح الناس، حتى أنه قيل إن تنظيم داعش الإرهابي تعلم الذبح من “هدى بار”، مؤكداً أن هذا الأمر يكشف مدى الخداع والكذب لدى “أردوغان” إذ أنه هو من روج خطاب الإرهاب وإلصاقه بالمكون الكردي، وفي نفس الوقت يتحالف مع حزب تاريخه دموي.
ويرى الباحث في الشأن التركي أن أردوغان سيقدم كافة أوجه الدعم خلال الفترة المقبلة لحزب هدى بار، في سبيل تمكينه داخل المحافظات الكردية، في الوقت ذاته لن يتخلى الرئيس التركي عن أدواته الأساسية في مواجهة الكرد، أي ستتواصل الاعتقالات العشوائية لإرهاب الناخب الكردي، كما سيواصل خطابه القومي الاستقطابي الإقصائي الذي أثبت فعاليته في الانتخابات الأخيرة.
إسطنبول.. الجرح الغائر
وقد كان الدعم الكردي لحزب الشعب الجمهوري عاملاً رئيسياً في نجاح مرشح الحزب أكرم إمام أوغلو وانتزاعه بلدية إسطنبول من حزب العدالة والتنمية، والتي لا تزال جرحاً غائراً لدى أردوغان، لأنه بدأ منها وهو من سبق وصرح بأن من يخسر إسطنبول يخسر انتخابات تركيا.
وبمجرد أن نجح أردوغان في الانتخابات الرئاسية أشار خلال كلمته الاحتفالية إلى التحرك لاستعادة إسطبنول خلال الانتخابات البلدية المقبلة التي تجرى بعد 8 أشهر، حيث تفوقت المعارضة في الحصول على نسبة أصوات من إسطنبول أكبر من تلك التي حصدها أردوغان.
في هذا السياق، يقول محمد ربيع الديهي الباحث في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن فقدان أردوغان السيطرة على إسطنبول أكثر ما يحزنه، ولهذا فإن المدينة ستكون معركة ذات طبيعة خاصة، في ظل وجود شخصية مثل أكرم إمام أوغلو، رئيس البلدية الحالي والذي يعد أخطر سياسي واجهه أردوغان خلال السنوات الماضية.
وأضاف “الديهي” أن حزب الشعب الجمهوري حتى وأن خسر سباق الرئاسة والبرلمان، إلا أنه يرى أن فقدان الرئيس التركي إسطنبول هو في حد ذاته انتصار، كما أن لولا الحكم الذي صدر ضد إمام أوغلو العام الماضي بالسجن والمنع من مزاولة النشاط السياسي، لكان هو المرشح الرئاسي المنافس لأردوغان الشهر الماضي ولاستطاع هزيمته، وفق كثير من المراقبين.
الصورة الخادعة
وكان أحد أسباب تحالف أردوغان مع هدى بار محاولته تصدير صورة مزيفة خادعة عن أنه كرئيس لتركيا ليس لديه مشكلة مع الكرد، وأن تحالفه الانتخابي يتسع للجميع، بدليل أن على قوائمه البرلمانية مرشحون كرد، وهو نفس ما اتبعه في تشكل فريقه الحكومي، إذ أن الحكومة الجديدة بها عدد من الكرد، وفي مقدمتهم هاكان فيدان وزير الخارجية، أو حتى جودت يلماز الذي اختبر نائبا لرئيس الجمهورية.
لكن الباحث السياسي التركي عدنان جيليك يرى أن هذا العدد من الوزراء الكرد لا يعني شيء بالنسبة للمكون الكردي، لأن هؤلاء الوزراء أو حتى نائب الرئيس ليس لديهم أي مواقف تعبر سياسياً عن الكرد، كما أن بعضهم ربما لا يؤمنون بالهوية الكردية، فكل ما نعلمه عن هؤلاء أنهم كرد عرقياً فقط أو اسماً فقط.