القاهرة ـ محمد إسماعيل
أبدى عدد من السياسيين والمثقفين والمراقبين للشأن السوري وملف الإرهاب دعمهم لقرار الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا ببدء تقديم عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي من الأجانب المحتجزين لديها إلى محاكمات علنية، وقالوا إن هذا القرار يشكل صرخة ومحاولة للفت أنظار العالم إلى هذا الملف الشائك شديد التعقيد الذي يتم تجاهله أو تناسيه، فيما يتم إلقائه بالكامل على عاتق السوريين في الشمال والشمال الشرقي.
وقد أكدت الإدارة الذاتية في بيان رسمي صدر يوم العاشر من يونيو أنها وجهت النداءات والمناشدات المختلفة للمجتمع الدولي لاستلام مواطني تلك الدول من العناصر الإرهابية المحتجزة لديها، لكن دون استجابة، ولهذا قررت بدء محاكمتهم، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لم تعدل عن رأيها في ضرورة إنشاء محكمة دولية، أو محكمة ذات طابع دولي خاص بملف إرهابيي داعش.
عبء كبير وحوار طرشان
في هذا السياق، قال محمود الشناوي مدير تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن إعلان الإدارة الذاتية عن محاكمة عناصر تنظيم داعش الإرهابي يأتي بمثابة صرخة لإيقاظ ضمير العالم الذي صم آذانه عن كل المناشدات والنداءات التي أطلقتها الإدارة الذاتية للدول من أجل استلام مواطنيهم من عناصر تنظيم داعش الإرهابي المسجونين.
وأضاف “الشناوي” أن وجود هذه العناصر الإرهابية التي تقدر بعشرات الآلاف يشكلون عبئاً كبيراً على تلك المنطقة الحرجة من سوريا والتي ليس لديها ما يلزم من إمكانيات لاستضافة هؤلاء، وبالتالي كان لا بد من الإعلان عن محاكمة تلك المجموعات الإرهابية، لربما يتحرك العالم والقوى الدولية لإغلاق هذا الملف المستمر منذ سنوات بعد هزيمة التنظيم في منطقة الباغوز وتحوله لخلايا نائمة هنا وهناك وتنظيمات مشتتة تفتقد إلى الإدارة.
ويرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري أن وجود هذه العناصر الإرهابية تشكل قنابل متفجرة يمكن أن تقوم بكوارث وتمنح الخلايا النائمة أملاً باحتمال أن يكون هناك عائدين، كما أن هذه المعتقلات السوداء يمكن أن تكون مكانا لتفريخ الإرهابيين، ولكن للأسف المجتمع الدولي يتبع أسلوب “حوار الطرشان” في التعامل مع الحاجة إلى إغلاق هذا الملف.
أسباب تقاعس المجتمع الدولي
وتحدث “الشناوي” عن أسباب التقاعس من قبل المجتمع الدولي وعدم استجابته لنداءات الإدارة الذاتية المتكررة، قائلا إن الإدارة الذاتية اتجهت لقرار المحاكمة شديد التعقيد بعد أن أطلقت النداءات لكل دول العالم، وخلال هذه النداءات ربما استطاعت أن تسلم بضع مئات إلى العراق، لكن باقي الدول ترفض تماماً استلام مواطنيها، لأن كثيراً منها ليست لديها قوانين تتيح محاكمة هذه العناصر على نحو يضمن عقاباً مناسباً على ما ارتكبوه من جرائم.
وأضاف أن هناك بعض الدول غير مؤهلة لعودة هذه العناصر الإرهابية، وغير مؤهلة لمسألة إعادة دمجها في المجتمع ووجود تلك العناصر في مجتمعاتها بما تحمله من أفكار هدامة ودموية وتخريبية، لأنه ليس لدى تلك العناصر منظومة فكرية سوى القتل والتخريب والدمار تحت مسميات براقة مثل الجهاد والخلافة وغيرها.
وقال “الشناوي” إن الإدارة الذاتية مضطرة إلى بدء محاكمة هذه العناصر، وفي نفس الوقت أبدت انفتاحها تجاه أي مسعى دولي بشأن العناصر الإرهابية، ربما يستيقظ ضمير العالم لإغلاق هذا الملف الشائك الذي تحملته الإدارة الذاتية، ورغم ما له من تبعات لا تطيقه دول، وتعرضت بسبب ذلك لهجمات غير مسبوقة من اغتيال وقتل وهجمات بسبب وجود هذه العناصر وأشهرها الهجوم على سجن الحسكة، وما تشهده هذه السجون من أحداث دموية، وللأسف لم يتحرك العالم لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية الممسكة بالأرض في هذه المناطق.
نداءات متكررة دون استجابة
بدورها، تقول ليلى موسى ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الإدارة الذاتية منذ إعلان القضاء على ما كان يسمى بـ “دولة الخلافة” من الناحية الميدانية والعسكرية كان لديها مناشدات من الإدارة بكافة مؤسساتها بضرورة إيجاد حل جذري لعناصر التنظيم المتواجدين في سجون مناطق شمال وشرق سوريا، وكذلك لعوائل هذه العناصر المتواجدة في المخيمات.
وأوضحت أن المناشدات كانت تدعو المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه هذه العناصر، لما يحملون من أفكار متطرفة وما يشكلونه من تهديد على السلم والأمن الدوليين وليس منطقة بمفردها، وكون هذا التنظيم دولي ويتواجه فيه عناصر من أكثر من 57 دولة وعددهم يفوق الآلاف، وبالتالي ناشدت الإدارة الذاتية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته ودعم الإدارة في إقامة محاكمات دولية كونهم ينتمون لدول مختلفة وارتكبوا جرائم بحق الشعب السوري والأدلة على جرمهم متوافرة في المناطق السورية.
وقالت “موسى” إن النداءات استمرت منذ 23 مارس 2019 أي منذ إعلان القضاء على تنظيم داعش وإلى اليوم ونحن في 2023 ولم تكن هناك أية استجابة من المجتمع الدولي تجاه تلك المناشدات، ولهذا قررت الإدارة الذاتية إقامة محاكمة لهؤلاء العناصر، ولا تزال مستعدة لأية مساع من المجتمع الدولي بشأن المحاكمة.
وترى السياسية الكردية أن بقاء هذه العناصر الإرهابية في السجون دون محاكمة سيزيد التطرف، لأنهم لم يتلقوا عقوبة ولم يعلموا مصيرهم، وهذه السجون ستكون بيئة خصبة لمزيد من الفكر المتطرف وتكتلهم في مكان واحد سيساعدهم على تطوير خططهم، ومن ثم فهذا التكتل في السجون يشكل عنصر قوة لتك العناصر.
دور تركيا في تهريب سجناء داعش
وكشفت ليلى موسى عن مفارقة بشأن تصرفات تركيا حيال هؤلاء السجناء، إذ قالت إن الدولة التركية لديها مساع دائمة للعمل على تهريب هؤلاء العناصر، وقد شاهدنا أحداث سجن الحسكة، كما أنه خلال العمليات التي كانت تقوم بها قوات الاحتلال التركي في المناطق السورية كانت تقوم بشكل متعمد باستهداف حراس المخيمات التي تأوي عوائل عناصر داعش الإرهابي.
وشددت على أن بقاء هذه العناصر دون محاكمة خطر يدفع ضريبته الشعب السوري في مناطق شمال وشرق سوريا، مؤكدة أن المجتمع الدولي مع الأسف لم يقم بما يلزم إلى اليوم، سواء بإجلاء الدول للعناصر التي تحمل جنسيتها من المخيمات، أو بتدعيم الإدارة الذاتية لإقامة مشروعات لدمج وتأهيل عوائل هذه العناصر الإرهابية.
أداة لتفريخ الإرهابيين
ولفتت ممثل مجلس سوريا الديمقراطية في مصر إلى أن تلك المخيمات تحولت إلى أداة مهمة لتفريخ أجيال جديدة من الإرهابيين عبر ما يتلقونه الصغار من الأمهات في المخيمات، وبالتالي من الضروي وضع ملف تنظيم داعش مرة أخرى على طاولة الحوار وضرورة البدء في إيجاد حلول جذرية لهذه المعضلة.
وانتقدت ليلى موسى، في ختام تصريحاتها لمنصة “تارجيت”، ما يدور في الآونة الأخيرة من مساع لحل الأزمة السورية وعودة سوريا لجامعة الدول العربية وملف اللاجئين والتركيز على الملفات السابقة دون أن يكون هناك التفات لملف محاكمة هذه العناصر الإرهابية وقالت إنه لم يتم التطرق له ولم يأخذ قدراً من المحادثات التي تتم بشأن مكافحة الإرهاب.
ازدواجية معايير
بدوره، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن عدم مسارعة المجتمع الدولي للتعامل مع هذه الأعداد من العناصر الإرهابية الخطيرة وحتى عوائلهم في مناطق شمال وشرق سوريا يكشف مدى الكذب لدى المجتمع الدولي وازدواجية المعايير خصوصاً لدى الدول الكبرى.
وأوضح “العبيدي” أن هذه الدول لأنها تشعر أن خطر هذه العناصر الإرهابية بعيد عنها، لذلك لا تتحرك أو تتخذ أي ردة فعل، طالما أن هناك من يتحمل العبء مكانهم، مشدداً على أنه لو كانت تلك العناصر موجودة في أمريكا أو بريطانيا أو فرنسا على سبيل المثال لما كان الوضع كذلك، وإنما الأمر يكشف عن أن هذه الدول لا تهتم بأي شيء إلا عندما يشكل تهديداً مباشراً لأمنها ومصالحها.
وقال “العبيدي” إن المحاكمة لهذه العناصر الإرهابية قد تكون أمراً رمزيا لكثير من هذه العناصر الإرهابية لأن الأمر قد يعني نقلهم من سجن إلى سجن أو إعدام بعضهم، لكنها في الوقت ذاته يحمل رسالة مهمة تلفت أنظار العالم إلى هذا الملف الشائك الذي يبدو كما لو كان قد تم نسيانه أو تناسيه أو يتم تجاهله عن عمد، ويترك الأمر كله على عاتق أهالي سوريا.