القاهرة ـ محمد اسماعيل
عقب فوز رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة التركية شكل فريقه الحكومي، وكانت أبرز ملامح هذا الفريق اختيار هاكان فيدان رئيس المخابرات السابق وزيرا للخارجية، كاختيار يريد أن يضرب به أردوغان أكثر من عصفور، فهو الرجل الذي لطالما وصف بأنه الصندوق الأسود لرئيس تركيا وكاتم أسراره وأيضاً ذراعه اليمنى.
ويأتي اختيار هاكان فيدان المنحدر من القومية الكردية في تركيا على رأس الدبلوماسية التركية، بحسب كثير من المراقبين، كاشفاً عن توجهات أردوغان خلال الفترة المقبلة خصوصاً في الملف الكردي الذي قد يشهد تصعيداً داخلياً وخارجياً وسيتحول حينها “فيدان” إلى عراب لهذا التصعيد ضد الشعب الكردي.
دبلوماسية المخابرات
يقول مصطفى صلاح الباحث المتخصص في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن اختيار أردوغان لهاكان فيدان يعطي مؤشراً على أهمية ملف السياسة الخارجية التركية خلال الفترة المقبلة لدى الرئيس التركي، خصوصاً وأن أنقرة انتهجت خلال الفترة الأخيرة ما يمكن تسميته بـ “دبلوماسية المخابرات”، مضيفاً أن هذا المصطلح من صكه هو هاكان فيدان بطبيعة عمله وهذا المصطلح هو الذي منحه كذلك صك الدخول إلى وزارة الخارجية التركية، أي أنه دخلها من باب المخابرات.
وقال “ًصلاح” إن “فيدان” كان قريباً من هندسة الشكل الذي ستكون عليه السياسة الخارجية التركية خلال الفترة القادمة، وبالتالي كان حاضراً في الملف السوري واليمني وملف التقارب مع مصر والملف الليبي، وكان صاحب التحركات الرئيسية في هذه الملفات جميعاً، وبالتالي اختياره يعبر عن حرص أردوغان عن مواصلة ما تم قطعه في هذه الملفات المهمة، في ظل أنها ملفات كذلك حساسة تتطلب تراكم على المستويين السياسي والأمني.
وأشار الباحث في الشأن التركي إلى أن “فيدان” سبق وأن عمل مساعداً لوزير الخارجية قبل توليه رئاسة المخابرات، وهذا الأمر منحه هامشا كبيرا من الحركة في عدة دوائر داخل الدولة التركية سواء على المستوى الأمني أو على المستوى السياسي، لافتا كذلك إلى أن اختيار هاكان فيدان محاولة لمنح الغرب صورة مغايرة عن طبيعة هذا الرجل.
وأوضح أن “فيدان” متهم بأنه خلف كثير من الإجراءات التصعيدية ضد الدول الأوروبية، وأنه مهندس السياسات الأمنية داخل تركيا سواء في التعامل مع المعارضة أو انتهاكات حقوق الإنسان، وبالتالي يريد أردوغان رفع الضغوط عن “فيدان” ومنحه الثقة الدولية في ملف آخر، وبالتالي جاء القرار ليبعد “فيدان” كشخص يثير للجدل لدى الغرب بشأن السياسات الداخلية التي غلب عليها الطابع القمعي.
موقف هاكان فيدان من الملف الكردي
يرى “صلاح”، كذلك في سياق حديثه لمنصة “تارجيت”، أن دفع أردوغان بهاكان فيدان وهو كردي لهذا المنصب يشبه تحالف أردوغان مع حزب هدى بار الكردي السني قبيل الانتخابات الأخيرة، فهو يريد من ذلك إيصال رسالة بأنه لا مشكلة لديه مع الكرد بدليل أن وزير الخارجية كردي، إلا أن “فيدان” رغم أنه كردي لديه رؤية تميل إلى استمرار التصعيد فيما يتعلق بالملف الكردي.
وأوضح أن “فيدان” يعتبر وضع الكرد أمر يمس الأمن القومي التركي سواء داخلياً أو خارجياً، وبالتالي وجوده وزيراً للخارجية سيضفي استمرارية في نهج أردوغان للتعامل مع الكرد داخلياً وخارجياً بل والتصعيد كذلك، وليس مجرد بقاء الحال على ما هو عليه أو حتى الهدوء النسبي، فالسياسات الخارجية التركية ستكون موجهة أكثر نحو هذا الملف عكس كثير من الملفات الأخرى قد يبدي فيها مرونة.
وفي ختام تصريحاته، قال “صلاح” إن ملف الكرد يحتل أولوية لدى هاكان فيدان وأهمية كبيرة سواء ما يتعلق بالمواجهات العسكرية مع الكرد خارج تركيا أو حتى التعامل مع الكرد داخلياً، وسيكون توجهه على أساس الحس القومي التركي الذي بات طاغيا حتى وإن كان فيدان كردياً لكن هذا الملف لن يحمل أية مرونة لديه.
موقف مثير من الحرس الثوري الإيراني
قبل فترة، نشر موقع نورديك مونيتور المهتم بشؤون التنظيمات الإرهابية وثائق تسلمها ناصر غفاري ممثل فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في تركيا، حيث يوصف فيدان في تقرير كتبه عميل تركي أنه رجل موثوق وأنه يشارك نظام الملالي في إيران ما وصفه بـ “الرؤية الثورية” المعادية لأمريكا وإسرائيل، وتعود تلك الوثائق إلى تحقيقات كانت تقوم بها الشرطة التركية، حيث تحصلت عليها من زوجة العميل التركي، قبل أن يتم التعتيم عليها من قبل نظام أردوغان.
تشير الوثيقة التي سلمت إلى فيلق القدس أن “فيدان” لا يريد وجود الولايات المتحدة وإسرائيل على وجه الأرض، ويحب ويريد أن تنجح “الثورة الإيرانية” عالمياً، فيما تشير الوثيقة التي تعود إلى عام 2010 تقريباً كذلك إلى أن فيدان كان معروفا لدى فيلق القدس منذ أكثر من 15 عاماً أي أنه قد تم وضعه تحت أنظار الحرس الثوري منذ عام 1994 عندما كان ضابط صف في الجيش التركي.
وكانت تقارير أوروبية أخرى أشارت إلى أن “فيدان” رجل محب لإيران، بل وساعدها في تأسيس شبكة جواسيس تابعة لها في أوروبا، كما أنه أشرف في الوقت ذاته على عمليات تدفق الأسلحة لجماعات إرهابية تابعة لتنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين في سوريا.
خلفيات فيدان وتحركاته الخارجية
بدوره، يقول ياوز أجار المحلل السياسي التركي، لمنصة تارجيت الإعلامية، إن هناك من يزعم أن تركيا بعد تولي هاكان فيدان وزارة الخارجية ستتجه إلى المعسكر الأوراسي أي روسيا والصين وإيران، مرجعاً سبب ذلك إلى تعاطيه البارز مع المعسكر الأوراسي في العقد الأخير، وتوجهه الإسلاموي الذي يقوده إلى الالتقاء بشكل أو بآخر مع إيران التي تتبنى الإسلاموية كذلك.
ويستدرك “أجار”: “لكن إذا نظرنا إلى تاريخ فيدان ومراحل حياته بشكل دقيق سوف نرى كذلك أيضاً أنه قريب من المعسكر الغربي أي واشنطن ولندن والاتحاد الأوروبي، إذ أنه تقاعد في عام 2001 برغبته من الجيش الذي بقي طيلة 15 عاماً فيه وهو الجيش الذي يوصف بالعلماني رغم هوية فيدان الإسلاموية، ليتم تعيينه في السفارة التركية لدى أستراليا الواقعة تحت السيطرة البريطانية كخبير في الشؤون الاقتصادية والأمنية، مع أنه لم يكن لديه أي خبرة في الاقتصاد.
ولفت “أجار” إلى أن فيدان حصل على درجة البكالوريوس من جامعة ميريلاند الأمريكية للعلوم السياسية والإدارة، وعلى درجة الماجستير من جامعة بيلكنت التركية في فرع العلاقات الدولية، برسالة تخرج تحت عنوان “مقارنة بين نظام الاستخبارات التركي والأمريكي والبريطاني”، حيث أشار في ورقته البحثية إلى حاجة تركيا لشبكة استخبارات قوية في الخارج، ثم حصل على درجة الدكتوراه ببحث حمل عنوان “الدبلوماسية في عصر المعلومات: استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق”.
يؤمن بالتدخلات الخارجية
ويقول الباحث التركي في سياق حديثه عن شخصية هاكان فيدان، إنه من اللافت أن رسالة تخرج فيدان في مسار الماجستير تحدثت عن عدم كفاية الاستخبارات التركية والحاجة إلى إعادة هيكلتها كالاستخبارات الداخلية والخارجية على غرار المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” ومكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي”، وضرورة قيام الاستخبارات بعمليات خارجية.
ويلفت إلى أن “فيدان” تولى بين الفترة من 2003 حتى 2007 منصب رئاسة وكالة التنمية والتنسيق التركية “تيكا”، ليزور في هذه الفترة معظم دول إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى، كخطوة متوافقة مع بحوثه ودراساته المذكورة، ذلك لأن مؤسسة تيكا مع أنها تلبس قناعاً إنسانياً وتقوم بأعمال خيرية في الظاهر، لكنها في الحقيقة تجري فعاليات استخباراتبة وتتحرك كجهاز استخباراتي مواز، مشيراً أنه على سبيل المثال الكاتب الصحفي التركي المعروف سردار طرغوت من صحيفة “خبرترك” كان قد قال إن “الدولة التركية كلفت وكالة تيكا بتفعيل الأنشطة في كل المنطقة التي كانت تنشط فيها التشكيلات المخصصة قديماً”، في إشارة إلى استخبارات العهد العثماني.
ويسرد “أجار” في سيرة فيدان للوقوف أكثر على شخصيته وتوجهاته، فيقول إنه عين عام 2007 نائباً لمستشار رئيس الوزراء المسؤول عن شؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية، عندما كان أردوغان رئيساً للوزراء، وكذلك عضواً في المجلس الإداري للوكالة الدولية للطاقة الذرية في نفس العام، ثم تسلم منصب نائب رئيس الاستخبارات في 15 أبريل 2010 بعد تقاعد رئيس الاستخبارات أمره تانير في 17 أبريل 2009، ثم ارتقى إلى هرم المؤسسة في 25 مايو 2010 ليصبح بذلك أصغر رئيس للاستخبارات وثاني شخصية يتم تعيينها من خارج المؤسسة، وأخيرا أصبح وزيرا للخارجية.
الانتظار قليلا
ويقول المحلل السياسي التركي إنه استناداً إلى المعلومات السابقة، يرى بعض المحللين أن السياسة الخارجية التركية في المرحلة القادمة لن تخرج عن الأهداف البريطانية الكبرى، ويؤكدون أن الأوراسية على النمط التركي أو الأوراسية التركية لا تخرج عن الإطار العام الذي ترسمه بريطانيا لتركيا، وهو أن يكون النظام التركي نظاما شرقيا منبوذاً منغلقاً على ذاته، مثل إيران وروسيا، لا يتفاعل مع محيطه والعالم، أو لا يكون مصدر إلهام للدول الشقيقة في إطار التأثير والتأثر الشرعي الطبيعي.
وأضاف: “فلذلك إذا ما اتجهت الخارجية التركية إلى النزعة الأوراسية في المرحلة القادمة فستكون بذلك متوافقة مع المقاصد العليا لبريطانيا والغرب عموما”، مشيراً إلى أن هناك فئة ثالثة ترى أن هاكان فيدان يتعاون مع المعسكرين الغربي والشرقي في إطار مصالح تركيا العليا، وأنه سوف يستغل مكانة تركيا جغرفيا وتاريخيا للتوسع الفكري في المنطقة، لكن ليس كما كان في العقد الثاني من حكم أردوغان، وإنما مثلما كان في العقد الأول من حكمه، بمعنى أنه سوف يعود إلى تفعيل القوة الناعمة للدبلوماسية بدلا من القوة الغاشمة، داعياً، في ختام تصريحاته، إلى الانتظار قليلا حتى نرى ملامح الفترة القادمة بشكل أكثر جلاء.