القاهرة ـ محمد اسماعيل
انضم لبنان إلى ركب الدول التي بدأت اتخاذ خطوات عملية لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، مع الإعلان عن تشكيل لجنة وزارية لدراسة هذا الأمر، في وقت يرى كثير من المراقبين لهذا الملف أن ثمة “لعبة سياسية” تقف خلف هذا التوجه، الذي تنتهجه أيضاً تركيا المجاورة وإن كان للأخيرة آليات مختلفة تعبر عن مخططاتها تجاه الأراضي السورية.
ورغم حالة الهدوء النسبي التي تسود سوريا المقسمة إلى جانب محاولات إعادة تأهيل حكومة دمشق على الصعيد الإقليمي والدولي، إلا أن كثير من التقارير الدولية وخصوصا الحقوقية ترى أن إعادة اللاجئين إلى سوريا تحمل قدرا كبيرا من المخاطرة بأرواحهم، وسط حالة عدم الثقة في نوايا بشار الأسد، وكذلك عدم جاهزية بلادهم لاستقبالهم.
تفاصيل التحرك اللبناني لإعادة اللاجئين
تفاصيل التحرك اللبناني كشفتها تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، مؤخرا، حين أعلن أن حكومته بصدد تشكيل لجنة وزارية للذهاب إلى دمشق لبحث ملف النازحين السوريين، ولفت إلى أن هناك خطط قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى لحل هذا الملف.
وأضاف “ميقاتي”، في تصريح به قدر من الغموض: “لا يمكننا إجبار السوريين على العودة إلى بلدهم، ولكن لبنان لديه سيادة ويحق له ألا يقبل وجود أي أجنبي على أرضه بطريقة غير شرعية”، وتابع قائلاً: “كل ما نريده ممارسة حقنا في السيادة على كامل أرضنا، ومن هنا يأتي القرار بترحيل أي أجنبي لا يمتلك الوثائق القانونية اللازمة لإقامته في بلدنا”.
وألمح رئيس وزراء لبنان إلى أن هناك إجماع بين مختلف القوى السياسية في لبنان حول التعامل مع هذا الملف، حين أكد أن الخطط التي تحدث عنها تمت مناقشتها والاتفاق عليها بين جميع القوى اللبنانية في الجلسات الحكومية، وهي عبارة عن 9 نقاط أساسية، سيعلن عنها خلال زياته إلى بروكسل للمشاركة في مؤتمر حول أزمة النازحين السوريين خلال يونيو الجاري.
لعبة سياسية وراء اللجنة الوزارية
في هذا السياق، يقول محمد القزاز الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن اللبناني وملفات الهجرة، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن لبنان منذ بداية الأزمة السورية تمسك بتسمية السوريين الذين فروا إليه جراء الحرب الأهلية بـ”النازحين” وليس اللاجئين، لأن السلطات اللبنانية ترى أن مصطلح “لاجئين” يعني أن السوريين سيبقون للأبد، وهذا رغم أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تتعامل معهم عمليا تحت مسمى “اللاجئين”.
ولفت “القزاز” إلى أن أعداد اللاجئين السوريين في لبنان تقدر بما يتراوح بين مليون إلى مليون ونصف ربما أكثر من ذلك، لكن جميع اللبنانيين لم يجمعوا على شيء طوال تاريخهم أكبر من إجماعهم على إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا، فقد اختلفوا في كل شيء إلا هذا الملف اتفقت عليه جميع الطوائف والتيارات.
ويلفت الكاتب الصحفي المصري إلى أن الطائفة السنية في لبنان التي تفتقد إلى وجود زعامة قوية منذ اغتيال رفيق الحريري، في البداية اعتبروا أن السوريين يشكلوا سندا لهم أمام الطوائف الأخرى كقوة عددية يمكن الاستفادة منهم سياسيا، كما تم من قبل التعامل بنفس المنطق مع المقاومة الفلسطينية في لبنان كعنصر قوة للطائفة السنية، مستدركاً: “لكن ومع ذلك، الطائفة السنية الآن ترى أيضا ضرورة إعادتهم إلى سوريا”.
أما فيما يتعلق باللجنة الوزارية التي أعلن عنها، يقول “القزاز” إنها لعبة سياسية بسبب اقتراب اختيار رئيس للدولة اللبنانية، فاللعب بورقة اللاجئين السوريين أصبح ورقة سياسية يتم التلاعب بها من قبل مختلف القوى اللبنانية، وكل طرف هنا يلاعب طائفته بالحديث عن إعادة السوريين وضرورة الانتهاء من هذا الملف.
واعتبر الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن اللبناني أن الأمر يشبه بشكل كبير ما جرى في انتخابات الرئاسة التركية بين رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، حيث كان اللاجئون السوريون ورقة سياسية تلاعب بها الخصمان من أجل تحقيق مكاسب سياسية وكل على طريقته.
حكومة دمشق لها يد
ويقدر عدد اللاجئين السوريين في لبنان بنحو مليون ونصف وفق بيانات رسمية، وهذا العدد يجعل لبنان أكبر دولة اكتظاظا باللاجئين السوريين مقارنة بعدد سكان هذا البلد العربي ومساحته أيضاً، إذ أنه يعيش لاجئ سوري في لبنان أمام كل 4 مواطنين لبنانيين على الأقل، لكن غالبية هؤلاء يخشون العودة إلى سوريا في ظل الوضع السياسي والأمني الذي يسودها، والمخاوف من تنكيل نظام بشار الأسد بهم.
بدوره، يقول الدكتور رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن إعادة اللاجئين السوريين من لبنان تتم بدعم من قبل نظام حكومة دمشق أو النظام المعترف بها حاليا من الدول العربية، مؤكداً أن هذا الأمر لن يفيد.
وأوضح “عبدالرحمن” قائلاً: “سوريا غير مؤهلة لا سياسيا ولا حتى على الصعيد البنية التحتية، من أجل إعادة مئات آلاف السوريين من لبنان إلى سوريا والذين بالمناسبة لا يشكلون عائقا على تقدم لبنان، لأن المساعدات تأتي للسوريين من قبل المجتمع الدول وليس من الحكومة اللبنانية، بل إن الأخيرة تستفيد من وجود اللاجئين السوريين في دولتها”.
واستدرك مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان قائلاً: “ولكن إذا كانت الحكومة اللبنانية تريد إعادة هؤلاء اللاجئين، فهل تضمن ألا يتم اعتقالهم من قبل حكومة بشار الأسد؟، نعم نحن مع إعادة السوريين الذين يؤيدون بشار الأسد لأن هؤلاء سيحيون حياة طبيعية دون أية مشاكل في سوريا وهم قلة قليلة من السوريين في لبنان، ولكن الأمر سيختلف بالنسبة للآخرين الذين لا منازل لهم بعد أن هدمت، وبالتالي من سيتكفل بإيواء هؤلاء داخل سوريا؟، وهذا سؤال يحتاج إلى إجابة أولا”.
ويرى “عبدالرحمن”، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت”، أن إعادة اللاجئين السوريين من لبنان في هذه الظروف أمر بشكل قطعي يعتبر دفع بهؤلاء السوريين إلى المجهول، وربما الاعتقال من قبل حكومة بشار، وأيضا الدفع بهؤلاء إلى وضع مأساوي بامتياز.
ضغوط الحكومة اللبنانية على اللاجئين السوريين
وصدرت الحكومة اللبنانية قبل أيام أزمة بالغة التعقيد للاجئين السوريين أو النازحين كما يتمسك اللبنانيون بهذه التسمية، حين رفض وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار قراراً من قبل الأمم المتحدة بدفع المساعدات المالية للسوريين في لبنان بالدولار الأمريكي بدلا من الليرة، منصاعاً في ذلك للتوجهات التي رأت أن القرار الأممي يصب في خانة إبقاء السوريين في لبنان.
واعتبر الوزير اللبناني أن هذا القرار من شأنه أن يزيد التوترات بين السوريين واللبنانيين، على حد زعمه، لتقرر بعثة الأمم المتحدة في لبنان تعليق المساعدات المالية للسوريين سواء بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأمريكي، في وقت اعتبر البعض أن منح المساعدات للسوريين بالدولار أمر من شأنه إحداث تمييز داخل لبنان في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها، في المقابل انتقدت أطراف الأخرى القرار الذي من شأنه زيادة معاناة السوريين.
عودة حكومة دمشق للجامعة العربية تفاقم المعاناة
وبشأن أوضاع اللاجئين السوريين، كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً حديثا تبدي فيها مخاوفها من أن تكون عودة حكومة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية ذريعة لإجبار السوريين على مغادرة الدول العربية والعودة إلا بلادهم، موضحة أنه على سبيل المثال هذا ما حدث بالفعل عندما أعادت بيروت بشكل قسري قرابة 800 لاجئ إلى سوريا.
وأكد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن أي حكومة تقوم بمثل هذه الممارسات، أي إعادة اللاجئين السوريين قسرا، تتحمل المسؤولية القانونية عن أي تعذيب أو قتل أو إخفاء قسري أو أي انتهاكات أخرى ترتكبها حكومة دمشق بحق أي من هؤلاء اللاجئين الذين أُعيدوا قسراً.