“بعيدة كل البعد عن النزاهة”.. انتقادات أوروبية حادة لأجواء الانتخابات التركية قبل جولة الحسم

القاهرة ـ محمد اسماعيل

تتجه الأعين خلال الفترة الحالية إلى تركيا، انتظاراً لجولة الحسم في انتخابات الرئاسة بين الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة الرئيسي كمال كليجدار أوغلو، وسط انتقادات أوروبية حادة لسير العملية الانتخابية، في وقت يترقب متابعون موقف المرشح سنان أوغان الذي حل ثالثاً تجاه.

وأعلن رئيس لجنة الانتخابات التركية أحمد ينار النتائج النهائية للجولة الأولى لانتخابات الرئاسة التركية بعد فرز جميع الأصوات، لتكون البلاد على موعد جديد مع جولة إعادة، حيث حصل أردوغان على 49.4 بالمئة وكمال كيليجدار أوغلو على 44.96 بالمئة من الأصوات الصحيحة، فيما جاء سنان أوغان في المرتبة الثالثة بحصوله على 5.2 من أصوات الناخبين.

تضييقات النظام التركي.. اعتقالات وتجريم لبعض السياسيين

وحسب التقرير الذي اطلعت عليه منصة “تارجيت” الإعلامية لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبية، فإنها أكدت أن الانتخابات العامة جرت وسط إقبال كبير وكانت تدار بشكل جيد وقدمت بدائل حقيقية أمام الناخبين، إلا أن استمرار القيود من قبل الرئيس التركي والحزب الحاكم على الحريات الأساسية كالحق في التجمع والحق في التعبير وتشكيل الأحزاب أعاق مشاركة بعض السياسيين وأحزاب معارضة وتسبب في غياب المجتمع المدني وكذلك وسائل الإعلام المستقلة عن متابعة نتائج الانتخابات.

وقال مايكل جورج لينك المنسق الخاص لبعثة منظمة التعاون الأوروبي إن هذه الانتخابات كانت تنافسية لكنها ما زالت محدودة، حيث إن تجريم بعض القوى السياسية، بما في ذلك اعتقال عديد من السياسيين المعارضين، حال دون التعددية السياسية الكاملة وأعاق حقوق الأفراد في الترشح للانتخابات، مؤكداً على أن التدخل السياسي في العملية الانتخابية لا يتماشى مع التزامات تركيا الدولية. وقال تقرير منظمة الأمن والتعاون إن تركيا لا تفي بالمبادئ الأساسية لإجراء انتخابات ديمقراطية.

الملاحقات القضائية حالت دون مشاركة حزب الشعوب الديمقراطي

وذكر تقرير المنظمة كذلك أن الحملة الانتخابية كانت سلمية وتنافسية إلى حد كبير، لكنها كانت شديدة الاستقطاب وكانت في كثير من الأحيان سلبية ومثيرة للقلق، كما أن الملاحقات القضائية وكذلك الضغط على السياسيين والأحزاب المعارضة، بما في ذلك الإجراءات الجارية لحل ثاني أكبر حزب معارض أي حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أعاق مشاركتهم في الانتخابات.

وذكر فرانك شواب رئيس أحد وفود المراقبة التابعة للمنظمة أن هناك شخصيات سياسية واجتماعية بارزة في السجن حتى بعد صدور أحكام من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وحرية الإعلام مقيدة بشدة وهناك مناخ من الرقابة الذاتية، مضيفا أن تركيا بعيدة كل البعد عن تهيئة ظروف حملة انتخابية نزيهة. وتأتي تلك التصريحات لتحمل إشارة رئيسية إلى صلاح الدين دميرطاش القيادي الكردي والرئيس المشترك السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الذي يقبع في السجن منذ أكثر من 7 سنوات رغم حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لصالحه.

يشير التقرير أيضا إلى أنه بينما يضمن الدستور المساواة بين المرأة والرجل، تظل المرأة ممثلة تمثيلاً ناقصاً في المناصب القيادية وفي السياسة بشكل عام، ويلزم بذل جهود أكبر من السلطات والأحزاب السياسية في هذا المجال.

إساءة استخدام موارد الدولة من قبل الرئيس وحزبه

انتقد تقرير منظمة الأمن والتعاون الأوروبية إساءة استخدام الموارد العامة في بعض الحالات من قبل الرئيس التركي وحزبه في أعمال الدعاية الانتخابية، فضلاً عن إعلان بعض القرارات الخاصة بالدعم الاجتماعي من قبل الرئيس التركي، والتي وفرت ميزة غير مستحقة لمن هم في السلطة، وأدت إلى عدم وضوح الخط الفاصل بين الحزب والدولة. وقال التقرير أيضا إنه كانت هناك حالات عديدة لمسؤولين قاموا بحملات دعاية انتخابية خلال افتتاح مشاريع البنية التحتية واسعة النطاق، بينما كان الرئيس الحالي غالبًا ما يقوم بحملته الانتخابية أثناء أداء واجباته الرسمية.

وعاد التقرير مرة أخرى ليؤكد أن حرية التعبير والإعلام، على الرغم من حمايتها بالدستور، إلا أنها مقيدة بعدد من القوانين، كتعرض البعض للمساءلة القانونية بداعي نشر أخبار كاذبة، وتعرض كثير من المقالات عبر الإنترنت والمحتوى الإلكتروني للإزالة من قبل السلطات والاعتقالات المستمرة للصحفيين إلى زيادة إضعاف حرية التعبير.

انحياز ساحق لأردوغان وحلفائه في الإعلام

وذكر التقرير أنه خلال الحملة الانتخابية كانت الأحزاب التابعة لأردوغان ومرشحوها الأكثر ظهورا على التليفزيون الوطني، بما في ذلك الإذاعة العامة، على الرغم من التزامها الدستوري بالبقاء محايدة. وقال السفير يان بيترسن، الذي يرأس إحدى بعثات المراقبة الأوروبية إنه كان أمام الناخبين خياراً حقيقياً ليقوموا به يوم الانتخابات، وكانت المشاركة العالية دليلاً جيداً على الروح الديمقراطية لشعب تركيا، ومع ذلك، يؤسفني أن أشير إلى أن إدارة العملية الانتخابية كانت تفتقر إلى الشفافية، فضلاً عن التحيز الساحق لوسائل الإعلام العامة والقيود المفروضة على حرية التعبير.

ويتفق هذا مع ما قالته وكالة أنباء “رويترز” قبل إجراء هذه الانتخابات، حيث ذكرت أن أردوغان يقود حربا بلا هوادة من أجل البقاء السياسي، وتقول إنه ملأ الفترة السابقة للانتخابات باحتفالات بإنجازات صناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية، والتي تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع، كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجاناً للمنازل، وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا في حفل شارك فيه عبر الإنترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولفتت الوكالة إلى أن وسائل الإعلام الرئيسة منحت تغطية واسعة لأردوغان، بينما لم يُولِ الإعلام الحكومي اهتماماً يذكر بمنافسه الرئيس في الانتخابات كمال كليجدار أوغلو، مما أثار اتهامات من المعارضة بعدم إتاحة الفرص المتكافئة.

ووفقًا لعضو المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون إلهان تاشجي وهو من حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي، فقد منحت قناة “تي آر تي” الوطنية أردوغان تغطيات لأكثر من 48 ساعة، بينما غطت زعيم حزب الشعب الجمهوري والمرشح الرئاسي المشترك لتحالف الأمة لمدة 32 دقيقة إجمالاً.

أوروبا تدعو أردوغان لمعالجة أوجه القصور في الجولة الأولى

ودعا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تركيا، عقب الانتخابات، إلى معالجة أوجه قصور في العملية الانتخابية التي أشارت إليها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، مضيفا، في بيان: “نلاحظ النتائج والاستنتاجات الأولية للبعثة الدولية لمراقبة الانتخابات التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا وندعو السلطات التركية إلى معالجة أوجه القصور المذكورة”.

وأكد مسؤول السياسة الخارجية أن الاتحاد الأوروبي يولي أهمية قصوى لضرورة إجراء انتخابات شفافة وشاملة وذات مصداقية في ساحة منافسة متكافئة، إلا أن الخارجية التركية في المقابل ردت على تلك الانتقادات وأعربت عن رفضها لها، ووصفتها بـ”الصادمة”، وهو رد كان متوقعا من قبل النظام التركي.

محلل تركي: التزوير في الانتخابات الحالية كان كبيرا

في هذا السياق، يقول المحلل السياسي التركي محمد عبيدالله، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن الانتخابات التركية خلال الجولة الماضية شهدت ما يمكن وصفه بـ “الغرائب والعجائب”، موضحاً أنه كنا في السابق نسمع عن حالات محدودة لتزوير الانتخابات من قبل الرئيس أردوغان، لكن هذه المرة التزوير كبير للغاية.  وأضاف أن كمال كليجدار أوغلو حين أعلن أنه لن يقبل فرض الأمر الواقع عليه ولن ينسحب أبدا وسيقاوم حتى المحطة الأخيرة، فإن هذا يوحي بأن هناك شيء ما لا يستقيم مع نزاهة الانتخابات، معرباً عن اعتقاده بأن كليجدار أوغلو كان يمكنه الفوز بالانتخابات من الجولة الأولى لولا هذه الأجواء.

وقال “عبيدالله”: “أردوغان قبل الذهب لجولة ثانية في دليل على تراجع شعبيته، وكنا نخشى في كثير من اللحظات أن يتم الإعلان عن فوزه في ظل هذه الأجواء التي تحيط بالانتخابات، لكن في النهاية تأجل الحسم إلى الجولة الثانية”، لافتاً إلى أن كليجدار أوغلو حين يقول إنه لن ينسحب وسيقاوم، فإن هذا الأمر يعني أن هناك كثير من المخالفات في هذه الانتخابات.

ومن المقرر أن تجرى جولة الحسم لهذه الانتخابات يوم 28 مايو، حيث يؤكد زعيم المعارضة قدرته على حسم هذه الانتخابات التي تفوق فيها بفضل الدعم الكردي، فيما يترقب كثيرون موقف المرشح سنان أوغان الذي حل ثالثا تجاه دعم أي من المرشحين.

قد يعجبك ايضا