يتجرعون مرارة الحرب للمرة الثانية.. مأساة السوريين في السودان تتواصل والنظام “محلك سر”

 

القاهرة ـ محمد اسماعيل

ربما ليس هناك أتعس حظ من اللاجئين السوريين في السودان، الذين فروا ذات يوم من جحيم الحرب الأهلية في بلادهم، ليجدوا أنفسهم الآن يعيشون وسط حرب أهلية أيضاً، دون أن يلتفت لهم النظام السوري الذي يتمسك بنغمة انتصار باهتة في الصراع المندلع منذ عام 2011.

ويعيش أكثر من 90 ألف لاجئ سوري في الخرطوم وأجزاء أخرى من السودان، وفقًا لأرقام الأمم المتحدة لعام 2021، لكن الأعداد ربما أكثر من ذلك بكثير في ظل عدم وجود إحصاءات رسمية سودانية مدققة، لكن الأكيد أن استغاثاتهم ضجت بها مواقع التواصل الاجتماعي.

إغلاق مطار الخرطوم جعل السوريين حبيسي العاصمة

شبكة “فويس أوف أميركا” الأمريكية رصدت أوضاع السوريين هناك، وقالت إنه مع احتدام المعارك في العاصمة الخرطوم بين قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” تقطعت السبل بآلاف من سكان العاصمة في منازلهم بينهم كثير من المواطنين السوريين.

ونقلت “فويس أوف أميركا” شهادات البعض بينهم مواطن سوري كردي يدعى أحمد كوتي يعيش في العاصمة السودانية والذي قال إن عشرات العائلات الكردية من سوريا عالقة في منازلهم في الخرطوم، مضيفا أن “إغلاق مطار المدينة، أحد بؤر التوتر الرئيسية، جعل من الصعب على الجالية السورية في الخرطوم مغادرة السودان”.

وقال عارف محمد، وهو رجل سوري آخر من بلدة كوباني يعيش الآن في الخرطوم، إن 20 من أفراد عائلته تقطعت بهم السبل في العاصمة بسبب العنف، مضيفا أن الناس خائفين حقًا من استمرار هذا القتال لفترة من الوقت، ولن يكون لديهم مكان يذهبون إليه، فالمطار مغلق والحدود المصرية تبعد حوالي 1000 كيلومتر.

ملامح الموقف الرسمي من اللاجئين السوريين في السودان

ويتواجد السوريون في الخرطوم بصفة أساسية في منطقة الرياض وسط العاصمة، ومنطقة بحري كافوري شمال العاصمة، واللتان تشهدان اشتباكات عنيفة ويقع قصف جوي بها، ما يعني مخاطر أكبر حول أرواح هؤلاء السوريين. أما عن الموقف السوري الرسمي فإنه يتلخص فيما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السورية بأنه قد تم توجيه السفارة السورية في الخرطوم إلى تسجيل أسماء الجالية السورية الراغبين بالإجلاء، وفق الإمكانات المتاحة، وفي إطار الحفاظ على حياة السوريين بعيداً عن الأخطار المحتملة.

لكن تصريح هذا المصدر المسؤول بوزارة الخارجية لم يكن يحمل أية أهمية لدى السوريين في السودان، وذلك بسبب تصريح آخر للقائم بأعمال سفارة دمشق في الخرطوم، والذي قال إنهم خارج السفارة ومن الصعب الوصول إليها حالياً، بسبب ما قال إنه “صعوبة وخطورة كبيرة في الأوضاع المعيشية والأمنية في كل المناطق التي يقطن فيها السوريون والسودانيون في الخرطوم”.

كما تحدث المسؤول الدبلوماسي السوري عن الصعوبات اللوجيستية التي تعرقل إجلاء السوريين، قائلا إن الخيارات محدودة بسبب إغلاق المطار الرئيسي في الخرطوم، والخيارات الأخرى بعيدة جداً كمطار بورتسودان الذي يحتاج 15 ساعة للوصول إليه عبر السيارات.

والمفارقة أن القائم بأعمال السفارة السورية في الخرطوم لا يعرف عدد السوريين في السودان، حين قال إن عدد الجالية كبير وأنه يصل إلى 30 ألف سوري وذلك رغم إحصاءات كثير من الجهات الدولية التي تشير إلى أن عددهم يتجاوز 90 ألف، كما قال أيضا إنّ هذا الأمر يحتاج إلى تحضيرات وترتيبات وإمكانات مادية ولوجستية كبيرة من مختلف النواحي، وأن السفارة ستعمل على التحضير للإجلاء في حال فتحت المطارات أو تم تأمين الطرقات البرية، لافتاً إلى أن إجلاء 10 آلاف شخص على سبيل المثال، يحتاج إلى 50 طائرة جواً، أو إلى 200 باص للنقل براً إلى المناطق الآمنة.

السوريون بين ناري الاشتباكات وعصابات السرقة

في هذا السياق، قال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن اللاجئين السوريين لا يزالون يواجهون أوضاعا صعبة في ظل انعدام الأمن وانتشار العصابات التي أجبرت كثير منهم على إغلاق محالهم وأعمالهم، فضلا عن إغلاق الصيدليات والمستشفيات، ونفاذ الطعام والماء”.

وأشار كذلك إلى أن “كثير من السوريين يعيشون في مناطق تنعدم فيها الخدمات والمتطلبات الحياتية، وأصبحوا محاصرين في مناطق تفتقر إلى الخبز والمحروقات، وهو وضع صعب للغاية يفاقم معاناتهم”.

ولفت مدير المرصد السوري إلى أن “هذا يأتي في وقت لم تتحرك الدول المجاورة للسودان لاستقبال اللاجئين السوريين، ولا يزال هناك مئات من الأسر السورية عالقة داخل العاصمة “ألخرطوم”، وأيضا عند ميناء بورتسودان، وهناك قسم آخر لا يزال عالقا عن الحدود البرية بين السودان ومصر”.

ودعا “عبد الرحمن” دول الجوار السوداني وخصوصاً مصر إلى “فتح معابر إنسانية من أجل إخراج السوريين العالقين والعمل على إنهاء المعاناة التي يواجهونها، لافتاً إلى أن هناك أعمال سرقة ونهب من قبل عصابات سودانية لممتلكات السوريين سواء المحال أو المنازل، فضلا عن تعرض من يريدون النزوح إلى أمكان أكثر هدوء داخل سودان إلى مضايقات كبيرة، بل وصل الأمر إلى نهب أثاث منازل السوريين”.

وشدد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان على أنه “لا بد من أن يكون هناك تحرك من جمهورية مصر العربية ومن قبل المنظمات الدولية المختلفة والدول العربية لإنقاذ السوريين العالقين في السودان والذين يعانون بشدة نتيجة هذه الأوضاع”.

15 قتيلاً من اللاجئين السوريين على الأقل في السودان

وتحدث مدير المرصد السوري، لمنصة “تارجيت”، عن “سقوط ضحايا بين السوريين داخل السودان، مشيرا إلى أنه تم رصد 15 قتيلاً بين اللاجئين السوريين جراء الاشتباكات بين قوات الدعم السريع والجيش طرفي النزاع في السودان.

وانتقد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان تقاعس النظام السوري عن التحرك لإنقاذ السوريين في السودان والذين يقدر أعدادهم بأكثر من 90 ألف سوري، بينهم 65 ألف لاجئ فروا إلى السودان هرباً من ويلات الحرب في سوريا، بينهم على الأقل 150 عائلة سورية محاصر داخل العاصمة السودانية، غير قادرين حتى على مغادرة الخرطوم إلى مناطق هادئة داخل السودان، نتيجة انتشار عصابات السرقة التي تتعرض لهم.

لكن “عبد الرحمن” أشار إلى أنه “في ظل النداءات المتكررة من قبل المرصد، وصل في يوم الأربعاء الثالث من مايو قرابة 200 سوري إلى دمشق عبر طائرة تتبع شركة أجنحة الشام، وذلك بمبادرة من الشركة، وبالتالي هذه هي أول دفعة من السوريين تصل إلى سوريا من السودان، ولكن هذا عدد قليل مقارنة بالأعداد الموجودة في السودان”.

الفرار من الحرب للمرة الثانية

موقع “ميدل إيست مونيتور” المعني بشؤون الشرق الأوسط استخدم توصيفاً دقيقاً لأوضاع السوريين في السودان حين قال: “إن السوريين يفرون من الحرب للمرة الثانية”، في إشارة إلى فرارهم من بلادهم قبل ذلك نتيجة الحرب الأهلية المندلعة منذ عام 2011، في وقت يسعى كثير منهم إلى اللحاق بالأجانب الذين يتم إجلائهم.

ويؤكد الموقع معاناة السوريين في السودان قائلا إن كثيرا منهم تقطعت بهم السبل بين النزاعين، في ظل مخاوف لديهم من العودة إلى سوريا الممزقة ومن ثم خطر التعرض لأعمال انتقامية من قبل النظام السوري.

وقال الموقع كذلك إن السوريين يشعرون بخيبة أمل كبيرة نتيجة عدم قدرتهم حتى الآن على اللحاق بالأجانب الذين يتم إجلائهم من السودان، خصوصا أن الرحلة نحو الإجلاء بها مخاطرة كبيرة ورحلة شاقة عليهم، في ظل ظروف إقامة غير مريحة بالمرة في بورتسودان، على أمل نقلهم بحرا إلى السعودية.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا