القاهرة ـ محمد اسماعيل
جاءت مخرجات الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد في العاصمة الأردنية “عمان” يوم الإثنين الأول من مايو لتؤكد فشل محاولات تعويم النظام السوري عبر دعوة بشار الأسد للقمة العربية المقبلة في المملكة العربية السعودية، في ظل حالة انقسام عربي كبيرة بشأن جدية النظام في السير نحو حل للأزمة إذا عاد لمقعده الشاغر بالجامعة.
وأتى الاجتماع الذي ضم وزراء خارجية مصر والأردن والسعودية والعراق وسوريا في إطار لجنة التشاور حول سوريا التي انبثقت عن اجتماع جدة يوم 14 أبريل، والذي كان ينظر في مسألة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وإمكانية تحريك المياه الراكدة في الأزمة، وكذلك المبادرة الأردنية للتطبيع العربي مع النظام.
انقسام عربي واضح نتيجة عدم الثقة في النظام السوري
وأكد مصدر دبلوماسي مطلع على الاجتماع “فضّل عدم ذكر اسمه”، لمنصة “تارجيت” أن مسألة عودة دمشق إلى مقعدها الشاغر في الجامعة العربية ودعوة بشار الأسد للقمة المقبلة فشلت بشكل تام حتى الآن وهو ما اتضح خلال اجتماع الأردن، حيث أن هناك دول عربية رئيسية مثل قطر والكويت تتمسك برفض عودة النظام السوري للجامعة، وتمسكت بضرورة أن يكون هناك خطوات من النظام أولاً تثبت حسن نيته تجاه المرحلة المقبلة.
وأضاف المصدر أن هذه الدول ترى أن الأمر يجب أن يتم وفق مبدأ “خطوة بخطوة”، أي أن يقوم النظام باتخاذ خطوة تشير إلى رغبته في حل سياسي جاد أولاً، ثم تأتي إمكانية عودته للجامعة العربية، نظراً لأن السوابق تؤكد أن بشار الأسد غير جاد في هذا المسار وأن الثقة مفقودة به.
وذكر المصدر إلى أنه أمام هذا الفشل والانقسام تم بشكل واضح تنحية ملف عودة دمشق إلى مقعدها الشاغر بجامعة الدول العربية، واعتباره أمر يخص الجامعة العربية تفصل فيها عبر مؤسساتها وقواعدها القانونية، بينما الاجتماعات العربية الحالية واللاحقة تهدف إلى أن يكون هناك حل للأزمة السورية عبر تحرك عربي في ظل فشل محاولات الحل الخارجية الأخرى.
حديث عن خارطة طريق لحل الأزمة السورية في الإطار العربي
وبحسب التصريحات الرسمية التي أعقبت الاجتماع، اتفق وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق على تشكيل فريق خبراء معني بوضع خارطة طريق من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية، حسبما قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلال مؤتمر صحفي.
وقال وزير الخارجية الأردني إنه تم الاتفاق على أن “تعمل الدول المشاركة في الاجتماع مع الدول الشقيقة والمجتمع الدولي لمقابلة الخطوات الإيجابية للحكومة السورية بخطوات إيجابية، للبناء على ما يُنجز، والتدرج نحو التوصل لحل سياسي”، معتبراً أن اجتماع عمّان “بداية لمسار سياسي يقوده العرب للتوصل إلى حل هذه الأزمة السياسية”، مؤكدًا “اتخاذ خطوة باتجاه تفعيل دور عربي في جهود حل الأزمة السورية سيبنى عليه”.
وبشأن قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية قال الصفدي إنه “قرار تتخذه الدول العربية”، لافتًا إلى أن قرار تجميد عضوية سوريا في الجامعة في عام 2011، كان “قرارا عربيا اتخذ في إطار الجامعة العربية، وبالتالي أي قرار بهذا الاتجاه يؤخذ أيضا في الجامعة العربية وفق آليات عمل الجامعة”.
وحسب بيان ختامي مشترك للاجتماع، اتفق وزراء خارجية الدول الأربع ووزير الخارجية السوري على أجندة المحادثات التي ستتواصل وفق جدولٍ زمنيٍ يتفق عليه، تدور حول الوضع الإنساني والأمني والسياسي. واتفق المجتمعون على حل أزمة اللاجئين و”البدء الفوري” في إجراءات تسهيل عودتهم الطوعية والآمنة إلى بلادهم، بما في ذلك الخدمات العامة ومراسيم العفو العام، فضلا عن المصالحة الشاملة.
وعلى ذات الوتيرة، حل أزمة النازحين داخليًا، كما في مخيم الركبان، وذلك بالتعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، إلى جانب التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية في تنظيم عملية العودة الطوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، على أن يشمل ذلك في مرحلة لاحقة الدول الأخرى المستضيفة للاجئين السوريين. كما أكد المجتمعون ضرورة التعاون بين الحكومة السورية ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية.
النظام السوري يتعامل بغرور وربما يضع شروطاً
في هذا السياق، قال رجا طلب الكاتب الصحفي الأردني في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية: “إن مسألة عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية لا يزال أمامها الكثير من العقبات أولها غياب التوافق العربي ورفض بعض الدول بشكل كبير لمثل هذه الخطوة مثل قطر. وأضاف أن الأمر الثاني مرتبط بالموقف الأمريكي والذي لا يزال يفرض حظراً على النظام السوري، وهذا الموقف الأمريكي خلق انقسامات بين حلفاء واشنطن في المنطقة بشأن التعامل مع النظام السوري”.
ويرى الكاتب الصحفي الأردني أن “عودة سوريا للجامعة العربية ترتبط بمسألة التوافق العربي العربي وهذا التوافق يرتبط بحل سياسي في الأزمة السورية خصوصاً وأن الأزمة السورية أزمة لكل الدول العربية. وتحدث “طلب” عن المبادرة الأردنية المقدمة بشأن تطبيع العلاقات مع النظام السوري وتجاوب الأخير معها، وقال: “إن النظام السوري للأسف يشعر بالانتصار وبالتالي يتعامل مع هذه المبادرة بقدر من الغرور وربما يكون لديه اشتراطات وهو محتمي بالدعم الروسي الإيراني”.
وقال طلب في ختام تصريحاته إنه: “يجب على النظام السوري أن يدرك أن الرافعة الحقيقية له تتمثل في تجاوبه مع محيطه العربي وليس مع طهران أو موسكو مهما كان”.
وكانت المملكة الأردنية الهاشمية تقدمت بمبادرة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري عقب أحداث الزلزال المدمرة، وهي المبادرة التي كشفت بنودها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، والتي قالت إن “المبادرة تتضمن تطبيعاً عربياً مع النظام السوري ومنحه مليارات الدولارات لإعادة الإعمار والضغط على الدول الغربية لرفع العقوبات عن دمشق”.
وذكرت الصحيفة أن هذه المبادرة تأتي وفق شروط أساسية وهي أن يقدم النظام السوري على فتح حوار جاد مع المعارضة يمهد لحل سياسي يشركها في العملية السياسية، وأن يسمح النظام بدخول قوات عربية مشتركة لتأمين عودة اللاجئين السوريين، وأن يتخذ النظام إجراءات جادة للحد من تهريب المخدرات عبر الحدود مع الأردن، إضافة إلى عمل النظام على تقليص النفوذ الإيراني في البلاد.
حيلة الدول العربية للتغلب على الانقسام
بدوره، يقول الدكتور بشير عبدالفتاح الخبير المصري في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت”: “إن اجتماع الأردن كشف عن استمرار حالة غياب التوافق بين الدول العربية بشأن السماح للنظام السوري بالعودة إلى الجامعة العربية”، مضيفا أنها “قامت بالتحايل على هذا الأمر من خلال الانطلاق في مباحثات التسوية”.
وقال “عبد الفتاح”: “إن هذه المشاورات ربما تساعد على حلحلة الخلافات العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى تهدئة الأوضاع في الداخل السوري على نحو يسمح بإنهاء بعض الأزمات التي تعاني منها الدولة السورية، ويقرب المسافات بين النظام السوري وبعض الأنظمة العربية لإعادة تعويم نظام بشار الأسد مجدداً”.
ويرى خبير العلاقات الدولية أن هذه الحيلة تفيد في عدم رهن مشروعات التقارب العربية مع النظام السوري بمسألة العودة إلى الجامعة العربية، والأمر الثاني أنها ستشجع الدول العربية على المضي قدماً في دعم التسوية السياسية للأزمة السورية، وأيضا المساهمة في عملية إعادة الإعمار، بالإضافة لتجاوز سوريا محنتها الحالية التي تسبب أزمة للدول العربية جمعاء بسبب اللاجئين السوريين لدى هذه الدول، إلى جانب استفادة إيران الكبيرة من هذا الوضع الصعب.
التقارب العربي مع النظام السوري لا يتم عن قناعة وإنما تعامل مع أمر واقع
ويرى “عبد الفتاح” أن النظام السوري سيقدم تنازلات لأنه يحتاج إلى ذلك، وإذا كان النظام يفسر التقارب العربي معه على أنه انتصارٌ له، لكنه يدرك في الوقت ذاته أن انتصاره هذا يأتي من الدعم الروسي والإيراني وتراجع الدعم الموجه للمعارضة، لكن هذا الوضع الذي يراه انتصاراً لا يعني عودة النظام إلى الحالة التي كان عليها قبل عام 2011.
ولفت إلى أن الدول العربية بدورها يبدو أنها قبلت بالوضع الراهن، وفي نفس الوقت تريد تجنيب سوريا والمنطقة العربية مزيداً من الخسائر، أي أن التقارب العربي مع النظام السوري ليس تعاملاً عن قناعة أو لأن النظام السوري انتصر، وإنما هو تعامل مع الوضع الراهن وحقيقة أن إسقاط النظام أمر قد يطول في ظل الدعم الروسي الإيراني، وبالتالي الواقعية تقتضي التعامل معه باعتباره موجود، ومن ثم العمل على إقناعه بحل سياسي.