على غرار العملة السورية.. الليرة التركية تفاقم معاناة السكان في إدلب بعد تدهور قيمتها
ادلب ـ غيث العبد الله
أدى انخفاض قيمة الليرة التركية “مقابل الدولار الأمريكي” في مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمال غرب سوريا خلال الأيام الأخيرة، إلى مفاقمة الأوضاع المعيشية لدى معظم السكان المقيمين والنازحين. إذ أصبح تأمين المستلزمات الأساسية يحتاج إلى دخل إضافي لأرباب الأسر الذين يتقاضون أجورهم في الليرة ذاتها، بعد التضخم الذي شمل كافة أنواع المواد الغذائية، والأدوية، والمحروقات “وغيرهما من السلع”، كما وأجبر عدداً من أصحاب المهن والمحال التجارية إلى تعليق العمل في محالهم نتيجة الخسائر المادية التي تعرضوا لها، على خلفية الانهيار المتسارع في قيمة العملة التي أضحت الرئيسية للتداول في أسواق محافظة إدلب ومناطق ريف حلب الشمالي بعد اعتمادها من قبل سلطات الأمر الواقع في حزيران/ يونيو 2020، عوضاً عن العملة السورية المحلية.
العمال المؤقتون الأكثر ضرراً
أكد عدداً من أصحاب المحال التجارية في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية؛ أن المتضرر الأول من تراجع قيمة العملة التركية في الآونة الأخيرة هم العمال المؤقتين أو حتى الدائمين من الذين يتقاضون أجورهم بالليرة، إذ أصبح أكثر من ثمانين بالمئة من السكان “وفق ما يرون” غير قادرين على تأمين حاجياتهم الأساسية من الأكل والشرب، بسبب التضخم الذي غالباً ما يتزامن مع ثبات مدخولهم ويجعلهم الأكثر تأثراً بتداعيات الهبوط، إلى جانب باعة المفرق.
هذا ما أكده إبراهيم المحمد ( 43 عاماً) وهو موظف بعقد يومي لدى شركة خاصة لصناعة الأجبان والألبان في مدينة إدلب، حيث قال؛ إنه مع انخفاض قيمة الليرة التركية تراجعت قيمة الراتب الشهري الذي يحصل عليه كل العاملين والموظفين في القطاع الخاص، موضحاً، “فقد كان راتبي الشهري منذ مدة قصيرة يصل إلى 1500 ليرة تركية مع العمل الإضافي، أي ما يعادل مئة دولار أمريكي، أما اليوم فقد أصبح راتبي يعادل سبعين دولاراً فقط، وهذا المبلغ بكل تأكيد لا يكفي في تمكين أسرة مؤلفة من خمسة أفراد للعيش الكريم أو تأمين ما تحتاجه، ناهيك عن المخاوف التي بدأت تخيم على عقولنا خشية هبوط قيمة الليرة إلى أكثر من ذلك في المرحلة القادمة، أو يقرر أصحاب الشركة تخفيف الإنتاج وعدد العاملين لتجنب الخسائر”.
ونوه المحمد الذي تكلم بلسان آلاف العمال، إلى أنه لم يعد قادراً على تأمين متطلبات أسرته من الغذاء وباقي مفردات الحياة الأساسية لأن الأسعار أصبحت تتغير بين لحظة وأخرى بحجة استمرار انخفاض سعر صرف الليرة التركية. فيما أشار إلى أنه عندما يتحسن سعر الصرف، فإن التجار لا يخفضون الأسعار قبل تصريف بضائعهم، وذلك بسبب غياب شبه تام لإدارة الرقابة والتموين التابعة للجهات المسيطرة من الأسواق، إضافة إلى عدم فرض قوانين تردع التجار، وفق ما يراه.
وكان فريق منسقو استجابة سوريا قد أصدر في الثالث من أبريل/نيسان الجاري بياناً قال فيه؛ إن نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر في شمال غرب سوريا ارتفعت إلى 89.24 بالمئة، فيما تجاوزت نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع 39.64 بالمئة. وأوضح الفريق أن أكثر من 11,372 عائلة فقدت مصادر دخلها نتيجة الزلازل التي ضربت المنطقة في شباط /فبراير، وتسببت أيضاً بزيادة نسبة البطالة العامة إلى 87.3 بالمئة، وسط عجز واضح في القدرة الشرائية لدى المدنيين الذين يعيشون حالة من الفشل في مسايرة التغيرات الدائمة بالأسعار التي تفوق قدرة تحملهم على تأمين احتياجاتهم اليومية.
جمود تجاري وخسائر تلحق بشركات الصرافة
يشكو تجار ومستهلكون على حد سواء من تذبذب وتقلبات العملة التركية التي تسببت مؤخراً برفع أسعار السلع الغذائية والمحروقات والأدوية، إلى جانب الخضار واللحوم، ما جعل التجار يعانون من جمود طال حركة الأسواق، في وقت يحاول أصحاب الدخل المحدود تفعيل سلاح مقاطعة المنتجات وبالأخص لحوم الدجاج التي وصل ثمن الكغ الواحد إلى ثلاثة دولارات أمريكية، والضأن “الخاروف” إلى عشرة.
ويؤكد تاجر الغذائيات “خلدون تكس” من مستودعاته بمدينة سرمدا شمالي إدلب في تصريح لـ “تارجيت”، أن السوق يمر بمرحلة ركود وجمود في حركة البيع وسط حالة ترقب وقلق تعتمر قلوب السكان خشية استمرار الليرة التركية في الانخفاض، لافتاً إلى أن سعر الصرف بات قريب من حاجز الواحد والعشرون ليرة تركية مقابل كل دولار واحد، بعد أن كان يساوي ثمانية عشر ليرة قبل شهر واحد.
في السياق ذاته، حال العاملين في مكاتب الصرافة لم يكن أفضل من سابقيهم، حيث قال “مصعب حجو” صاحب شركة صرافة وحوالات؛ إنه أثناء اضطراب سعر الصرف يصبح عملهم شبيه بالمقامرة، الأمر الذي يجعل احتمالية الربح فيها تساوي احتمالية الخسارة، موضحاً “من الممكن أن أقوم بتصريف مبلغ كبير من الدولار الأمريكي إلى العملة التركية، وبعد ساعات تنخفض قيمة الليرة التركية ما يعني أنني لن أتمكن من استرداد رأس المال الذي دفعته في الدولار”. ولفت حجو إلى أن معظم شركات الصرافة والحوالات تعمل اليوم بمبلغ محدود من العملة التركية لتعويض الخسائر التي وقع فيها أصحاب الشركات خلال فترة العيد تحديداً.
أسباب تدهور قيمة الليرة التركية
يرى الأستاذ والمحلل الاقتصادي “حيان حبابة” أن السياسة الاقتصادية التي تتبعها حكومة رجب أردوغان في الآونة الأخيرة تهدف لإبقاء أسعار الفائدة بمستوياتها الدنيا وذلك لتعزيز النمو الاقتصادي التركي الذي يعتبر المسبب الأول لانخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأمريكي، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي فرضت على تركيا بسبب محاولتها الاستقلال الاقتصادي، فضلاً عن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وحول مدى تأثير انخفاض قيمة الليرة على السكان في إدلب وريف حلب، يقول حبابة؛ إنه أمر كبير جداً وخطير، حيث عملت الحكومة التركية على تحويل التضخم في العملة من بلادها إلى الشمال السوري بسبب ارتباط هذه المناطق الواسعة بالاقتصاد التركي بشكل مباشر، وأوضح، أن ذلك سيؤدي إلى إزاحة كل المعوقات التي تعترض الاقتصاد التركي ودفعها باتجاه مناطق الشمال التي ليس بمقدور الجهات المسيطرة عليها وضع أي خطط اقتصادية من شأنها تخفيف وطأة التضخم على المدنيين، كما تفعل الحكومة التركية مع كل موجة تضخم تعم البلاد.
ومنذ بدء اعتماد العملة التركية كبديل عن الليرة السورية المحلية، شهدت أسواق الشمال السوري نوعاً من الانفتاح على التجار الأتراك الذين يستفيدون من تدفق البضائع نحو إدلب ومناطق شمال حلب، لأن التعامل بالليرة مرغوب أكثر من العملات الأجنبية بالنسبة إليهم، لكن تدفق السلع من أسواق تركيا بكثافة مع التقلبات السعرية التي بدأت تعصف بقيمة الليرة منذ اعتمادها لم يتناسب مع القدرة الشرائية لنسبة واسعة جداً من السكان، لاسيما بعد أن فقدت قرابة مئتي بالمئة من قيمتها منذ بدء التداول بها قبل نحو ثلاثة أعوام.
يشار إلى أن حكومة الإنقاذ السورية “الذراع المدني لهيئة تحرير الشام” والحكومة السورية المؤقتة “الموالية لتركيا” قد اعتمدتا الليرة التركية كعملة رئيسية للتداول في الأسواق والحركة التجارية بعد أن مرت المناطق الخاضعة لسيطرتهما بظروف مشابهة لما تمر به اليوم أثناء التعامل بالليرة السورية، على أمل ثبات الأسعار بشكل أفضل والتخفيف من الأعباء المعيشية على السكان “وفق ما أعلنوا حينها” إلا أن الحال لم يتغير كما كان يأمل الأهالي.