التَّرْسيخ لِلتَّهْجير اَلقسْرِي والتَّغْيير الدِيموغرافيِّ.. قطر وَتوظِيف الإنْسانيَّة لِأعْمَال لَاإنْسانيَّة
منصة تارجيت – فريق التحرير
لا تزل المناطق السورية، على اختلاف توزع السيطرة فيها، وبشكل خاص تلك الخاضعة للسيطرة التركية، عبر ميليشيات “الجيش الوطني السوري”، وواجهته السياسية المُسماة بـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، تشهد المزيد من مُحاولات الدول الإقليمية، للتدخل في الحرب الأهلية السورية، وإذكائها عبر دعم القوى المحلية القريبة منها، لتنفيذ أجنداتها.
وفي سياق ذلك، تواصل الدولة الخليجية، قطر، دورها المُريب، الذي لا يزال تُطرح بصدده التساؤلات حول غاياته وأهدافه، من مُحاولات الظهور بمظهر الكبير والقوي، رغم كونها دولة مجهرية، إلى جانب مشاريع الغاز التي جرى الحديث عنها في العديد من المرات، إذ تسعى قطر إلى تمرير غازها من سوريا إلى تركيا، ومنها إلى القارة الأوروبية، التي تحتاج ولا بد، إلى بديل عن الغاز الروسي.
ولكون الغاية تُبرر الوسيلة لدى الساسة، فإن ذلك يدفع قطر إلى ترسيخ الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري، وعلى رأسها تهجير مكونات عرقية، دينية أو طائفية مُحددة، من مناطقها، لصالح توطين أخرى، مثل ما يجري في عفرين، المنطقة ذات الخصوصية والغالبية الكُردية، التي احتلتها أنقرة وميليشيات المعارضة السورية، مارس العام 2018.
إذ تسعى قطر لأسباب سياسية واقتصادية، كما أسلف الذكر، إلى ترسيخ تهجير أهالي عفرين، كما ترسيخ تهجير من تم توطينهم في عفرين، عوضاً عن أهلها الأصليين، والقصد بذلك، سكان أرياف دمشق وحمص وحماه ودير الزور وإدلب وحلب، ممن هجروا خلال سنوات الحرب الأهلية السورية، من مناطقهم، وجمعوا أخيراً في عفرين.
وعليه، ليس المشروع الذي يقوم على تغيير ديموغرافية عفرين، مُستهدفاً للكُرد وحدهم، بل هو بالقدر نفسه يستهدف المُهجرين إلى عفرين، من باقي المناطق السورية، لتكون قطر وتركيا شريكتين مع حكومة دمشق وروسيا وإيران، برسم الهندسة الديموغرافية الجديدة للبلاد، بما يتوافق مع مصالح هذه الأطراف الخارجية، وما يتعارض مع مصالح كل الأطراف الداخلية، باستثناء من يتغذى بالمال السياسي، من هذا الطرف أو ذاك.
موقف قطر من غزو عفرين
قليلة هي الدول التي ساندت تركيا بشكل علني، في يناير العام 2018، عندما قررت شن غزو عسكري ضد عفرين، المنطقة الكُردية الآمنة في أقصى الشمال الغربي من البلاد، لكن إحداها كانت قطر، التي أعلنت وبالفم الملآن عن ذلك، دون وجل، مُعلنةً على لسان المُتحدثة باسم الخارجية القطرية، لولوة الخاطر، عن تأييد قطر للهجوم، مُرددةً ذات المزاعم التركية.
كما خالفت قطر موقف الجامعة العربية بداية مارس 2018، بإدانة العدوان، كما استنفر الإعلام القطري، أو ذاك المُمول من الدوحة، لدعم الحرب على عفرين وتبريرها، وهو موقفٌ لم يكن مُستغرباً من الدولة التي مولت تنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وفصائلها المسلحة إن في سوريا، أو غيرها من دول المنطقة.
قطر بعد احتلال عفرين
عقب إطباق تركيا احتلالها العسكري لمنطقة عفرين الكردية السورية، تحولت المهمة القطرية من التبرير إلى التثبيت، وذلك من خلال إيفاد منظماتها التي تعمل تحت مُسميات الإنسانية والإغاثة، لتنفيذ مهام ذات توجه سياسي واضح، قائمة على تهجير من تبقى من سكان المنطقة الأصليين، ومُحاولة تشجيع الغرباء على الاستيطان فيها، عوضاً عنهم.
وتجلى ذلك في صور كثيرة، أبرزها حرمان المواطنين الكُرد من المُساعدات التي باتوا بحاجة إليها، بعد الحرب التركية على المنطقة، حيث تم القضاء على مصادر اقتصادية أساسية، وسرقة أدوات السكان الفلاحية، وبالتالي قطع مصدر دخلهم الرئيس.
وجرى حرمان السكان الأصليين الكُرد من المساعدات، تحت مسمى أنهم مُقيمون وليسوا نازحين أو مُهجرين، وبالتالي، وجدت المنظمات المُمولة من قطر، مبرراً لها لتسويغ حرمانها الكرد من المساعدات، كما عمدت على المنقلب الآخر إلى تمويل بناء المستوطنات، الرامية لترسيخ التغيير الديموغرافي في المنطقة.
تشجيع الاستيطان
يمكن للمُراقب إجراء بحث بسيط، حتى يتمكن من الوصول إلى الاستنتاجات عينها التي ذكرت أعلاه، فمنذ العام الأول لاحتلال عفرين، مولت قطر مشاريع المستوطنات، ومنها الإعلان عن مشروع “موطنٌ جديد”، في نوفمبر 2018، وهو مجمّع استيطانيّ باسم “مخيم التعاون”، في قرية بافلون الإيزيديّة الكرديّة، بتمويل جمعيات إخوانية قطرية وكويتية، إضافة إلى تقديم مغريات ومساعدات ماليّة للراغبين بالاستقرار، ومنها عمل “منظومة قطر لإعادة الأمل للأرامل”، على برنامج تشجيع الزواج من الأرامل، بالتوجه إلى لمخيمات وتوزيع منشورات، بداية العام 2019.
إلى جانب افتتاح مشفى “المحبة” لأمراض الأطفال، بالشراكة بين منظمتي “قطر الخيرية” و”سوريا للإغاثة والتنمية” نهاية العام 2020، في منزل تعود ملكيته لأولاد المرحوم “عثمان آغا” وهم من أهالي قرية جلبيريه/روباريا، ومن ثم مشروع قرية استيطانيّة في منطقة غابية على الطريق الواصل بين قريتي كوباليه- وخالتا في ناحية شيراوا، قرب مستوطنة “القرية الشامية، منتصف العام 2021، بتمويل الهلال الأحمر القطريّ، وكذلك تكفلت جمعية البيان القطرية ببناء مخيم استيطانيّ على مساحة واحد كيلو متر مربع في ساحة الاحتفالات الخاصة بعيد النوروز، الكائنة قرب قرية “آفرازيه”.
تطول قائمة الأعمال المشابهة، ويطول الحديث عنها، لكن مناسبتها، هي إعلان صندوق قطر للتنمية وهو حكومي، بتاريخ الخامس من أبريل الجاري، عن توقيع اتفاقية مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد)، لدعم مشروع إنشاء مدينة متكاملة في شمالي سوريا، بهدف إنشاء “مدينة ذات خدمات متكاملة في الشمال السوري لفائدة 70 ألف شخص، إلى جانب توفير سبل العيش الكريم للنازحين واللاجئين السوريين ودعم صمودهم”، بحسب وكالة الأنباء القطرية.
وذكرت الوكالة، أن “تعاون الصندوق مع رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية يعد جزء من جهود الصندوق لدعم الشعب السوري الشقيق”، وأضافت: “منذ بداية الأزمة السورية حرصت دولة قطر على الاستجابة لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوري، انطلاقا من إيمانها الثابت بحقهم في العيش الكريم”.
خلاصة القول أن هذه المشاريع التي تمولها قطر داعمة الإرهاب الأخواني تحت مساميات إنسانية واغاثية ما هي الا تنفيذ لأجندات نظامي أنقرة ودمشق لاعادة هندسة ديمغرافية المنطقة على حساب السكان الكرد الأصليين الذين هجروا من عفرين قسراً.
زلزال 6 فبراير
كما ظهر الدور القطري الساعي إلى ترسيخ التغيير الديموغرافي في سوريا، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب الشمال الغربي في السادس من فبراير الماضي، إذ أكد ناشطون شراء منظمة “الهلال الأحمر القطريّ” نحو 10 آلاف م2، من الأراضي في ناحية جنديرس بهدف بناء منازل لمستوطني الغوطة الشرقية، تعود ملكيتها لمواطنين من قرية كفر زيت وآخر من عائلة عربو بجنديرس، عبر دفع أسعار مُغرية لشراء الأراضي، إذ أكد الناشطون أنه جرى شراء المتر الواحد بـ 30 دولاراً، وهو مبلغ وإن بدى كبيراً، لكنه ليس كذلك إلى دولة تملك الكثير من المال، والقليلة من الإنسانية!
إذ سارع كذلك وفد قطريّ برئاسة سفير قطر في أنقرة، محمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، إلى زيارة مدينة جنديرس المنكوبة، منتصف فبراير الماضي، وقام بجولة في المنطقة، لبحث إمكانات إقامة مستوطنات جديدة.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل بدأت قطر أخيراً باستغلال المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، إذ جلبت بعض هؤلاء، بغية القيام بحملات تبرع، هي في ظاهرها إنساني، لكنها في مضمونها أبعد ما تكون عن ذلك، بل هي أقرب ما تكون إلى المُشاركة في جرائم ضد الإنسانية، على رأسها التغيير الديموغرافي والتهجير القسري، وإذكاء نار العداء بين مكونات سوريا، التي لطالما كانت مُتعايشة معاً، لولا تدخل القوى الإقليمية، لضربها ببعضها، تبريراً لتواجد جيوشها على الأراضي السورية.
مُنظمات تُنبّه لممارسات قطر
وقد استدعى الدور القطري المُريب في سوريا، تنبيهاً من منظمات دولية، ومنها في فبراير الماضي، عندما قالت منظمة “الدفاع عن الشعوب المهددة” الألمانية في بيانٍ: “إنَّ قطر تخطط لدعم التطهير العرقيّ في منطقة عفرين شمال سوريا عقب الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6/2/2023″، كاشفةً أن قطر تخطط لتأسيس مدينة جديدة تسمى “مدينة الكرامة” على أنقاض مدينة جنديرس المدمّرة بريف عفرين”.
كما أشار البيان آنذاك إلى أن الخطط القطرية تُمثل كارثة على السكان الكُرد في المنطقة، لافتاً إلى أن هذه الخطوة بدأت تحت ستار المساعدات الإنسانية، ومن المخطط أن يتم تشجيع الآلاف من العائلات العربية والتركمانية على الاستقرار في عفرين بحماية تركيا التي تسيطر على المنطقة، مؤكدةً “أنه لا يُسمح للمحققين المستقلين والعاملين في مجال الإعلام بالوصول إلى المنطقة، فمن الممكن الآن تصعيد إجراءات التطهير العرقي ضد الكُرد”.
لكن، وأياً كانت مُحاولات قطر والجماعات الإسلامية الراديكالية التي تدعمها، لا تزال خفقات قلوب أهالي عفرين المُهجرين قسراً عنها، تصدح في جوارها القريب، في شمال حلب، في الشهباء، بالعودة للأرض، التي تعني حكماً، اقتلاع كل المشاريع العنصرية، التي لم ولا ولن تجلب على أصحابها إلا الويلات والخراب.