القاهرة ـ محمد اسماعيل
تؤكد كل المؤشرات أن النظام التركي بقيادة رجب طيب أردوغان ماض بكل ما أوتي من قوة في انتهاكاته بحق للكرد قبيل انتخابات 14 مايو المرتقبة، في ظل محاولاته المستمرة لإرهاب الناخب الكردي من جهة، ومن جهة ثانية كسب مزيد من أصوات القوميين الأتراك خلفه في ظل تراجع شعبيته بحسب أحدث استطلاعات الرأي.
وخلال الساعات الماضية تصدر قيام الشرطة التركية باعتقال 110 أشخاص من الكرد على الأقل بزعم صلتهم بتنظيمات إرهابية عناوين الصحف التركية والعالمية، فيما ربطت الأخيرة بين تلك الخطوة واقتراب الانتخابات.
وقال نائب مؤيد للكرد، لوكالة أنباء رويترز، إن سياسيين ومحامين وصحفيين كانوا من بين الذين احتجزوا في مداهمات على صلة بالانتخابات المرتقبة، فيما ركزت العملية على ديار بكر، أكبر مدينة في جنوب شرق تركيا والتي تقطنها أغلبية كردية، واستهدفت أشخاصًا في 21 محافظة متهمين بأنهم على صلة بحزب العمال الكردستاني.
انتخابات 14 مايو أكبر تحد يواجه “أردوغان” منذ وصوله للسلطة عام 2002
وتقول وكالة أنباء “رويترز” إن العملية تأتي قبل أقل من ثلاثة أسابيع من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تمثل أكبر تحد انتخابي يواجهه الرئيس رجب طيب أردوغان منذ تولي حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه السلطة لأول مرة في عام 2002.
وقال النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، طيب تيميل، على تويتر إنه “مع اقتراب الانتخابات، وخوفًا من فقدان السلطة، لجؤوا إلى عمليات الاعتقال مرة أخرى” في إشارة إلى النظام التركي، مضيفاً أن عشرات السياسيين بينهم أعضاء بارزون في حزبه وصحفيون وفنانون ومحامون كانوا من بين المحتجزين في ديار بكر.
فيما قال مصدر أمني إن الشرطة نفذت مداهمات متزامنة على 186 عنواناً وصادرت بعض المواد الرقمية بعد أن أصدر الادعاء أوامر توقيف بحق 216 شخصاً، موضحاً أن المشتبه بهم متهمون بتقديم التمويل والتجنيد ونشر الدعاية لحزب العمال الكردستاني، وهي التهمة الجاهزة التي يلاحق بها الرئيس التركي معارضيه الكرد خلال الفترة الأخيرة.
اعتقالات جنونية تهدف لسرقة الصندوق الانتخابي
وقال حزب الشعوب الديمقراطي في بيان إن هذه الاعتقالات تهدف إلى “سرقة صندوق الاقتراع وإرادة الشعب”، مضيفاً أن “هذه العملية هي تخويف وتهديد واضح للمجتمع وميوله السياسية”.
وتابع البيان: “ليس من قبيل المصادفة أن يتم استهداف المحامين الذين سيحمون صناديق الاقتراع الانتخابية، والصحفيين الذين سينقلون أحداث الانتخابات إلى الجمهور والسياسيين الذين يتنافسون مع حزب العدالة والتنمية الحاكم”.
ويواجه حزب الشعوب الديمقراطي، ثالث أكبر حزب في البرلمان، حظرا محتملا في قضية أمام المحكمة الدستورية يتهم فيها بصلات مع حزب العمال الكردستاني وهو ما ينفيه الحزب، ولهذا لجأ مرشحوا الحزب إلى دخول سباق انتخابات البرلمان تحت راية حزب اليسار الأخضر.
اعتقالات تفتقد إلى الأدلة ودعوات دولية للإفراج عنهم
منظمة هيومن رايتس واتش وثقت الواقعة، وقالت عبر موقعها الرسمي إنه في غياب أي دليل موثوق به على ارتكاب تلك الاتهامات، فإن على تركيا إطلاق سراح عشرات الصحفيين الأكراد ومسؤولي الأحزاب السياسية والمحامين الذين اعتقلوا في هذه المداهمات التي تأتي قبل انتخابات 14 مايو.
ووصفت إيما سنكلير ويب، المديرة المشاركة في أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش، العملية بأنها إساءة استخدام للسلطات وتكتيك للترهيب قبل الانتخابات”.
وإلى جانب “هيومن رايتس ووتش” طالبت جماعات دولية وحقوقية تركية بالإفراج عن المعتقلين في حملة القمع التي تسبق الانتخابات، كما دعت إلى وقف المضايقات والترهيب الممنهج للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام ووسائله والمحامين الذين يدافعون عنهم ومسؤولي الأحزاب السياسية الكردية، ومنح هؤلاء الحق في أن يصل إليهم مستشار قانوني.
وأكدت هذه المنظمات ضرورة أن يكون هناك مناخ إعلامي وتعددي حر قبيل الانتخابات المقبلة، مشددة على ضرورة الإفراج عن المعتقلين التعسفيين وبناءً على اتهامات غير واضحة.
وأشار موقع “هيومن رايتس ووتش” إلى أن من بين المعتقلين حتى الآن 10 صحفيين ومحام يمثل الصحفيين الموقوفين، كما صادرت الشرطة خلال المداهمات معدات فنية وأجهزة كمبيوتر وكتب ووثائق خاصة بالصحفيين.
وذكرت “هيومن رايتس ووتش” أن الاعتقالات الأخيرة هذه تمثل خطوة أخرى في المضايقات الممنهجة والترهيب لوسائل الإعلام الكردية والمعارضة السياسية في البلاد.
انتهاكات مستمرة من قبل النظام التركي
وتأتي الواقعة في إطار الانتهاكات المستمرة للنظام التركي، إذ أنه في يونيو 2022، أسفرت مداهمة مماثلة عن اعتقال 20 صحفياً في ديار بكر في البداية، تم وضع 16 منهم في الحبس الاحتياطي بتهم تتعلق بالإرهاب في انتظار المحاكمة التي تبدأ في 11 يوليو 2023.
وفي أكتوبر 2022، تم اعتقال 11 صحفياً كردياً آخرين بتهم تتعلق بالإرهاب في محافظات أنقرة وإسطنبول ووان وديار بكر وشانلي أورفا ومرسين وماردين في مداهمات متزامنة لمنازلهم كجزء من تحقيق لمكافحة الإرهاب بقيادة مكتب المدعي العام في أنقرة، وستبدأ محاكمتهم في 16 مايو 2023.
وتركيا لديها تاريخ طويل في توجيه تهم جنائية، بما في ذلك جرائم الإرهاب، ضد الصحفيين المستقلين فقط لأنهم يقومون بعملهم الصحفي، وجرى تسجيل ضغوطات على 91 من الصحفيين أو العاملين في مجال الإعلام أو المنافذ الإعلامية الكردية على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية فقط. وعادة ما تؤدي تلك الضغوطات إلى الاعتقال والاحتجاز والسجن والمحاكمة والإدانة.
الاعتقالات تعكس مخاوف أردوغان من توجهات الناخب الكردي
ويشكل الكرد كتلة تصويت تزيد عن 6 ملايين ناخب وهي كتلة توصف بـ “الحرجة”، وهي التي جعلت الكرد في تركيا يوصفون أيضا بـ “صانعي الملوك”، ومن المتوقع بدرجة كبيرة أن تتجه الأصوات الكردية لصالح كمال كليجدار أوغلو المنافس الرئيسي لـ “أردوغان” في سباق الرئاسة، ما يشكل تهديداً لفرصه في تحقيق الفوز بهذه الانتخابات.
في هذا السياق، تؤكد سيرين سيلفين كوركماز، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمعهد إسطنبول وهو مركز أبحاث مقره إسطنبول، أن الناخبين الكرد هم صانعو الملوك في هذه الانتخابات الرئاسية”، مشيرة إلى أنهم لعبوا دوراً حاسماً في إلحاق الهزائم بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه أردوغان في الانتخابات المحلية لعام 2019، بحسب ما صرحت لمجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
وتابعت قائلة: “من خلال الحصول على دعم الكرد، أصبح لدى كيليجدار أوغلو الآن قوة هائلة وراءه”، متوقعة أن مرشح المعارضة “سيحصل على تصويت مرتفع بشكل مفاجئ من الناخبين الكرد”.
توقعات بمزيد من الضغوط على الكرد
بدوره، يقول مصطفى صلاح الباحث المتخصص في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت”، إن الضغوط تجاه الكرد من قبل النظام التركي أمر متوقع خلال الفترة المقبلة، في ظل المساعي المستمرة من قبل النظام التركي لحشد مزيد من أصوات القوميين المتطرفين خلفه.
ولفت “صلاح” إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن كمال كليجدار أوغلو المنافس الرئيسي للرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية المقبلة يتقدم عليه شعبياً، كما أنه من المرجح أن يستفيد بصوت الناخب الكردي، ولهذا يشن “أردوغان” هذه الحملات في إطار الترهيب للشارع الكردي.
وأكد الباحث في الشأن التركي على أن “أردوغان” سيعاني في هذه الانتخابات برلمانياً، حيث من المتوقع أن يحرم تحالف اليسار الأخضر حزب العدالة والتنمية من الأغلبية البرلمانية، كما أنه على الأقل لن يكون بمقدور “أردوغان” حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
دميرتاش يتوقع هزيمة أردوغان من الجولة الأولى
وأبدى زعيم حزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين دميرتاش في تصريحات يوم الأربعاء 26 أبريل ثقته في أن أردوغان سيطاح به من الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية المقبلة وبأغلبية جيدة، مؤكداً أن النظام التركي الحالي إلى زوال، على حد تعبيره.
وأكد “دميرتاش”، الذي يقبع خلف القضبان منذ 7 سنوات، على أن الصوت الكردي سيكون عامل حسم في الانتخابات المقبلة، كما أبدى مخاوفه من غياب النزاهة عن هذه الانتخابات، لهذا دعا إلى أن يكون هناك رقابة على الانتخابات من قبل المنظمات التركية المعنية وكذلك المنظمات الدولية ذات الصلة بملف الانتخابات.
وجدد الزعيم الكردي، الذي كان سبباً في إرهاق أردوغان وحزبه بالانتخابات السابقة، تأكيده على عدم صلة حزب الشعوب بأي من الاتهامات التي توجه له وخصوصاً تهم الصلة بتنيظمات إرهابية، معتبراً أن الاتهامات التي تواجهه هي نوع من الاضطهاد السياسي تمارسه حكومة أردوغان.