“بين جدة وموسكو”.. أسرار الخطوات المتسارعة للتطبيع مع النظام السوري

 محمد إسماعيل

يبدو أن مسألة استعادة العلاقات مع النظام السوري باتت إحدى مسلمات المرحلة الحالية في منطقة الشرق الأوسط، في ظل خطوات ملموسة ومتسارعة من قبل الدول العربية، وكذلك تحركات مماثلة لتطبيع العلاقات بين “أنقرة” و”دمشق” خلال اجتماع الشهر المقبل في موسكو.

واليوم تستضيف المملكة العربية السعودية اجتماعًا لتبادل وجهات النظر بشأن عودة سوريا إلى الحاضنة العربية وشغل مقعدها الشاغر بجامعة الدول العربية، في تبدل واضح للمواقف ظهرت ملامحه بقوة بعد اتفاق تطبيع العلاقات بين المملكة وإيران والذي تم برعاية صينية.

تفاصيل اجتماع جدة بشأن إعادة دمشق للجامعة العربية
ويعقد اجتماع اليوم في مدينة جدة السعودية والذي يضم دول مجلس التعاون الخليجي، إلى جانب كل من مصر والأردن، لبحث عودة دمشق إلى الجامعة العربية، بحسب بيان صدر عقب زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض وقبلها كانت له زيارة إلى القاهرة.

ويأتي هذا الاجتماع قبيل شهر من انعقاد القمة العربية المقبلة في “الرياض”، والتي كانت بين أشد معارضي النظام السوري، وتمسكت بإسقاطه منذ بداية الأزمة، إلى جانب قطر التي دعمت بقوة فصائل المعارضة المسلحة، لكن التقارب يأتي وسط حديث عن شروط عربية كشفت عنها مؤخرا صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية وأبرزها فتح النظام حوار مع المعارضة والعمل على تقليص النفوذ الإيراني.

وذكرت وزارة الخارجية السعودية، في بيان أمس الأول، أن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله ونظيره السوري ناقشا “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقّق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.

وأصبحت السعودية بذلك أحدث دولة عربية وخليجية تتخذ خطوات للتطبيع مع النظام السوري وفتح حوار مباشر معه، رغم أنه مسؤول عن قتل آلاف السوريين، وتهجير وتشريد الملايين، ولكن يبدو أنه بات هناك قدر من التسليم باستمرارية النظام في ظل تحويله دفة الأمور على الأرض عسكرياً بفضل التدخل الروسي الإيراني الصريح لدعمه.

هكذا خططت السعودية لتجاوز التناقضات بشأن مواقفها من النظام السوري
لكن التحول في الموقف السعودي كان لا بد من البحث عما يبرره، أي أن يكون لدى المملكة مبررا للتحول من النقيض إلى النقيض فيما يتعلق بالعلاقات مع النظام السوري. في هذا السياق، يقول السفير ويليام روباك نائب الرئيس التنفيذي لمعهد دراسات دول الخليج في “واشنطن” إن التقارير الأخيرة عن عودة العلاقات السعودية مع النظام السوري لم تكن مفاجئة، فغالبًا ما كانت السعودية وراء السماح للدول العربية الأخرى باتخاذ الخطوات الأولية تجاه التقارب مع النظام السوري، بحيث يُنظر إلى تحرك “الرياض” في نهاية المطاف على أنه ترسيخ للإجماع العربي والإقليمي ليس إلا.

ويقول السياسي الأمريكي إن بيانات وتصريحات القيادات السعودية على مدار العامين الماضيين كانت تكشف نية التحرك في هذا الاتجاه، وفي الآونة الأخيرة وتحديداً في مارس صرح فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودية بأن عزل سوريا لم يكن مجدياً وذلك في مؤتمر ميونيخ للأمن، وأشار إلى أن هناك إجماع متزايد على أن الوضع الراهن بالنسبة للعلاقات مع سوريا غير مجد.

هكذا يستفيد بشار الأسد من تحولات الصراع بين القوى الدولية
وتعقيبا على اجتماع جدة، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن النظام السوري في الوقت الحالي يبدو أنه يستفيد من تحولات النفوذ الدولي في منطقة الشرق الأوسط، أي مع تعاظم النفوذ الروسي والصيني وسعي بعض الأطراف الإقليمية إلى تعديل بعض مواقفها لتستطيع جني مكاسب مختلفة بين تلك القوى الدولية.

المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي

ويؤكد “العبيدي” أن مرحلة الحرب الروسية الأوكرانية كان لها ارتدادات على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، لصالح الصين التي رعت اتفاق المصالحة بين السعودية وإيران والذي له انعكاسات كبيرة خصوصاً على الملف السوري، كما باتت الرياض أقرب للتعاون مع روسيا والأخيرة هي الحليف القوي للنظام السوري.

وقال المحلل السياسي العراقي إن بشار الأسد بكل الأحوال لن يخرج من الحاضنة الإيرانية – الروسية، ولن يدخل في حوار سياسي جاد مع المعارضة، ولكن كما ذ كرت من قبل، فإن كل ما يمكن تحقيقه هو علاقات على المستوى الرسمي فقط على الأقل في الوقت الحالي، وهي علاقات تأتي في إطار المناكفة مع الولايات المتحدة والاستفادة من التحولات الإقليمية والدولية في المنطقة.

حديث عن شروط أمريكية وتأكيد باستمرار العقوبات
وحتى الآن لا تلق خطوات التطبيع مع النظام السوري ترحيباً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الدول التي تسعى للتطبيع مع النظام السوري يجب أن تحصل على “نتائج ملموسة” تعمل على تحسين الوضع الإنساني والأمني للسوريين مع الضغط أيضًا من أجل تعاون من قبل النظام في عملية سياسية وفق مقررات الأمم المتحدة.

وقال مسؤول في مجلس الأمن القومي الأمريكي لقناة العربية في نسختها الإنجليزية بشأن الموقف الأمريكي من تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد: “موقفنا واضح، لن نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد في ظل غياب تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي”.

وأضاف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي أن “الولايات المتحدة أكدت للدول العربية المنخرطة مع النظام السوري أن الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني والأمني للسوريين يجب أن تكون في الصدارة”.

وصرح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية أن العقوبات المفروضة على النظام لا تزال مستمرة، وأن التخفيف الذي تم أتى فقط في إطار تقديم مواد المساعدة الإغاثية للمتضررين من الزلزال، ولن تؤدي إلى أي خدمات هندسية أو لوجستية تساعد القطاعات التابعة للنظام السوري”.

مسار تدريجي لتطبيع العلاقات مع النظام السوري
في هذا السياق، يقول السفير ويليام روباك أيضا إن مسار التطبيع التدريجي للحكومات العربية للعلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بدأ منذ أواخر عام 2018، عندما أعادت الإمارات العربية المتحدة والبحرين فتح سفارتيهما في دمشق، فيما أعادت عُمان سفيرها عام 2020.

السفير وليام روباك

ولفت إلى أن الوتيرة بدأت تتسارع في عام 2021، حيث أعادت الأردن فتح حدودها مع سوريا، وزار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان دمشق، وقيل إن رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، التقى نظيره السوري خلال محادثات في سوريا، ثم تم استقبال الأسد في أبو ظبي عام 2022، ومرة أخرى في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، في الأسابيع التي أعقبت الزلازل.

أيضا في أوائل أبريل، زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد القاهرة، في أول زيارة رسمية من نوعها لمصر منذ عقد، بل كانت هناك مؤشرات على أن تركيا، التي لطالما كانت من أقوى الداعمين للمعارضة المسلحة لنظام الأسد5، تفكر بجدية في إعادة العلاقات، وهو ما أكدته التقارير التي كشفت عن لقاءات وزراء الدفاع التركي والسوري ورؤساء المخابرات في ديسمبر 2022 بتنسيق من قبل نظرائهم الروس في موسكو.

ويتفق “روباك” مع ما ذكره المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي بأن التقارب مع النظام السوري يأتي في ظل تراجع النفوذ الأمريكي، وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع زعماء الخليج بالدفاع عن توجهات واشنطن سواء السياسية أو الاقتصادية، ومع تصاعد قوة الصين اقتصاديا، والتدخل العسكري الروسي في سوريا، باتت الدول العربية تتخذ مواقف تتحوط فيها من تراجع نفوذ واشنطن.

ولفت إلى أن التقارب مع النظام السوري يمكن أن يفهم في هذا السياق، أنه تقارب يأتي في إطار التقارب مع روسيا والصين، والأخيرة سجلت حضورها القوي برعاية اتفاق استعادة العلاقات بين طهران والرياض.

الآثار المترتبة بعد الزلزال تجبر النظام السوري على التقارب مع الدول العربية
يقول عماد المديفر الكاتب السعودي والباحث في الدبلوماسية العامة، لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن الآثار المترتبة على العقوبات الاقتصادية والمقاطعة العربية تدفع النظام السوري للتقارب مع الدول العربية، في وقت سوريا أحوج ما تكون فيه للاستثمارات العربية والتبادل التجاري مع أشقائها العرب وإعادة الإعمار.

المحلل السياسي السعودي عماد المديفر

وأضاف: “لا شك بأن ما يهم الدول العربية بالدرجة الأولى هو تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، والنظام السوري قادر على ذلك متى ما أراد، خصوصاً وأن النظام نفسه بدأ يستشعر القلق من تعاظم التوغل الإيراني في بلاده، كما أن الحليف الروسي للنظام السوري لديها قناعة بضرورة إضعاف النفوذ الإيراني”.

واعتبر “المديفر” أن المبادرة العربية التي تقودها المملكة الأردنية الهاشمية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، فرصة يجب أن يتلقفها الأخير ويستثمرها لأنها لن تتكرر، موضحاً أن المبادرة الأردنية تشمل فتح حوار مع المعارضة من أجل عملية سياسية سلمية، وإدخال قوات عربية لضمان عودة آمنة للاجئين السوريين، ومراقبة تهريب المخدرات، والعمل على الحد من النفوذ الإيراني، وذلك مقابل تطبيع العلاقات وضخ المليارات لإعادة إعمار سوريا.

دعوة سوريا للقمة العربية مسألة وقت
وقال مصدر دبلوماسي في القاهرة، طلب عدم ذكر اسمه في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن عودة دمشق إلى مقعدها في جامعة الدول العربية باتت مسألة وقت، لأنه بكل وضوح ثبت فشل المقاطعة العربية في تحقيق أية نتائج ملموسة للحل السياسي في سوريا”.

وأضاف المصدر: “قد تتم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية المقبلة بالرياض، لكن هناك رأي آخر يرى إمكانية عودة دمشق إلى مقعدها بالجامعة على أن يكون ممثلها في القمة المقبلة مسؤول سوري آخر غير بشار الأسد، ومن الممكن أن يكون فيصل المقداد وزير الخارجية”.

قد يعجبك ايضا