اجتذب التقارب العربي وكذلك التركي من النظام السوري خلال الفترة الماضية اهتماما كبيرا من قبل وسائل الإعلام الإسرائيلية ومحلليها، وسط تباين وجهات النظر حول نظرة “تل أبيب” إزاء أهمية هذا التقارب.
ولعل تباين وجهات النظر تمحور حول طبيعة هذا التقارب في إطار الصراع بين إسرائيل وإيران، إذ أن هناك من نظر إليه باعتباره تقارب عربي سوري إيراني وعنصر قوة لـ”طهران”، بينما وجهة نظر أخرى وكانت محدودة ترى أن ذلك ليس في مصلحة “طهران” بل العكس فإن التقارب ربما يغير سياسات النظام السوري.
الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن شرق أوسط جديد ووساطة مصرية
صحيفة معاريف الإسرائيلية كانت واحدة من أبرز وسائل الإعلام الإسرائيلي التي تحدثت عن التقارب العربي مع النظام السوري، ووصفت مساعي استعادة دمشق علاقاتها مع الدول العربية بـ”الشرق الأوسط الجديد”.
وأشارت الصحيفة، في تقرير قبل أيام، إلى التقارب تحديدا بين السعودية والنظام السوري، بل وإمكانية دعوة بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها لاحقا في العاصمة السعودية “الرياض”.
وشددت الصحيفة على أن مشاركة “الأسد: في القمة العربية – إن حدثت – فهي تعبر عن تغير كبير في الموقف الإقليمي تجاه النظام السوري، في ظل القطيعة التي كانت تحاصره منذ عام 2011.
بل وذهبت الصحيفة الإسرائيلية البارزة إلى الجزم بأن زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الاستثنائية إلى مصر، كانت بهدف التنسيق لعودة “دمشق” إلى مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية منذ عام 2011، عبر وساطة مصرية لتقريب وجهات النظر بين النظام والدول العربية.
حديث عن تبديد الحلم الإسرائيلي بتكوين تحالف عربي ضد إيران
في نفس سياق الحديث عن شرق أوسط جديد، تحدثت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، والتي ربطت التقارب العربي مع نظام بشار الأسد – المعروف أن إيران حليفته القوية – بالاتفاق الذي أبرم مؤخرا بين السعودية وإيران، مؤكدة أن تطبيع العلاقات بين طهران والرياض يرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وما وراءه.
وقال تسيفي برائيل وهو محلل الشؤون العربية البارز في الصحيفة إن الاتفاق بين السعودية وإيران بدد فكرة إقامة حلف عربي – دولي ضد إيران. وهذا ما كانت تراهن عليه “تل أبيب” دائما، اللعب على التوترات العربية لكسب حلفاء في مواجهة “طهران”.
واتفقت صحيفة “إسرائيل هيوم” مع وجهة النظر الأخيرة للمحلل تسيفي يرائيل، والتي قالت إن دعوة الرئيس السوري المحتملة للمشاركة في أعمال القمة العربية المقبلة بالمملكة العربية السعودية، تشكل دليلا على تقارب من قبل “الرياض” تجاه الصين وإيران واللذان يعدان حليفان للنظام السوري.
فرصة لتغيير سياسات النظام السوري
لكن في المقابل، يقول روي كياس محلل الشؤون العربية في إذاعة إسرائيل، خلال تصريحات له، إن التقارب في العلاقات بين بشار الأسد ودول الخليج، يمكن النظر إليه باعتباره فرصة جيدة ومهمة للتأثير في سياسات النظام السوري وتغيير توجهاته.
ويتماشى هذا الرأي مع التسريبات التي نشرتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مؤخرا حول مبادرة أردنية لإعادة العلاقات العربية مع النظام السوري، بل وضخ ملايين الدولارات لإعادة إعمار سوريا بعد الزلزال المدمر، لكن هذا وفق مجموعة من الشروط يأتي في مقدمتها إجراء النظام السوري حوارا مع المعارضة يفتح المجال لعملية سياسية، وكذلك العمل على تقليص النفوذ والتمدد الإيراني في سوريا.
لكن مراقبين يجمعون على أن النظام في دمشق لن يستجيب لتلك المطالب، فلن يقبل بحوار جاد مع المعارضة وفتح المجال لحل سياسي ربما يطيح به حال إجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة، وكذلك لن يضحي بالعلاقات مع “طهران” لأجل الدول العربية، خصوصا وأنها لعبت دورا رئيسيا في مساندته إلى جانب روسيا حتى تحولت دفة الأوضاع عسكريا لصالحه.
مخاوف من “إعادة تعويم النظام السوري”
في هذا السياق، يقول الدكتور طارق فهمي الخبير في شؤون الشرق الأوسط والشؤون الإسرائيلية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن هناك مخاوف داخل إسرائيل مما يمكن تسميته بـ”إعادة تعويم النظام السوري في الإقليم” من خلال النافذة العربية، والنافذة العربية مقصود بها هنا دول مصر والأردن والإمارات، وهذه الدول الرئيسة التي تطلب عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر بجامعة الدول العربية ومن ثم المشاركة في القمة العربية المقبلة.
وأضاف أن إسرائيل في الوقت الحالي إزاء هذا الوضع تتحرك في أكثر من مسار، أولهم الحالي عبر توجيه ضربات للنظام السوري، والمفارقة أن هذه الضربات تطال مواقع تتبع النظام مباشرة وتخضع لحمايته، وليست مواقع تتبع إيران كما كان معتاد أو حزب الله اللبناني.
ويرى الدكتور طارق فهمي أن هذه الضربات الإسرائيلية هدفها الأساسي إرباك النظام السوري ومنعه من التمدد وعدم عودته إلى موقعه في الجامعة العربية، والمسار الثاني الذي تتحرك وفقا له “تل أبيب” هو تعطيل مسار التطبيع مع النظام السوري وخصوصا التطبيع التركي السوري.
مسار تخريب خطوات التطبيع العربي مع النظام السوري
وقال إن إسرائيل ستستمر في مسار تخريب تطبيع العلاقات السورية العربية والعلاقات السورية التركية، لأن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق يعني رفع الأتراك يدهم عن الشمال السوري والشمال الشرقي، وبالتالي يشكل ذلك نقطة قوة للنظام وتمددا لا تريده إسرائيل.
وحول ما إذا كانت “تل أبيب” ستأخذ مسارا دبلوماسيا لوقف الدول العربية من التطبيع مع النظام السوري، يؤكد خبير شؤون الشرق الأوسط أن هذا بات أمرا صعبا في ظل قرار اتخذ بالفعل لتطبيع العلاقات من قبل مصر والإمارات والأردن وكذلك الجزائر قادمة.
ولفت كذلك إلى أن إسرائيل ترى في عودة العلاقات العربية مع النظام السوري تعويم لهذا النظام واستعادة لقوته، وترى أن وضع بشار الأسد يشبه وضع جمال عبدالناصر بعد هزيمة 67 من حيث عنصر الضعف والاحتماء بالموقف العربي الذي ساعد النظام المصري لاحقا وصولا إلى حرب 73.
إسرائيل لا يعنيها التقارب العربي مع النظام السوري
في المقابل، يرى الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية أن إسرائيل لا يعنيها كثيرا التقارب العربي مع النظام السوري أو بعبارة أخرى لن يقدم أو يؤخر بالنسة لها، إذ أن “تل أبيب” تعتبر دائما وفي المجمل جامعة الدول العربية ضدها، وتقريبا كل قرارات الجامعة ترفضها إسرائيل وتعتبرها نوع من أنواع العداء للدولة العبرية، ولذلك فكرة التقارب مع دمشق، لن يؤثر كثيرا في السلوك الإسرائيلي تجاه سوريا.
وأوضح “سمير”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن السلوك الإسرائيلي تجاه النظام السوري ينطلق من علاقته بإيران، فهي لا تريد أن يتموضع حزب الله في سوريا، ولا تريد أن يكون للحرس الثوري الإيراني موطئ قدم ثابت في الأراضي السورية، وبالتالي تستهدف مصانع الأسلحة والذخيرة وكل مصانع الأجهزة التي يمكن أن تساهم في إطلاق الصواريخ من سوريا نحو إسرائيل”.
وفي ختام تصريحاته، أكد “سمير” مرة ثانية أن التقارب العربي مع النظام السوري لا يشغل إسرائيل كثيرا، لأن العنصر الحاكم للسياسة الإسرائيلية تجاه سوريا هو ما كان يسمى بـ”محور المقاومة” وعلاقة النظام مع إيران.
حديث عن انتصار إيراني لن يريح إسرائيل
وسط وجهات النظر المتباينة إزاء اهتمام إسرائيل بالتقارب العربي مع النظام السوري، كان هناك اتجاه يرى أن عودة الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع النظام السوري بمثابة انتصار جاء في نهاية المطاف لإيران في مواجهة الدول العربية التي قادت حملة المقاطعة ضد حليفها بشار الأسد، وتحديدا المملكة العربية السعودية.
إذ قالت وكالة “بلومبرج” إن السعودية هي من تقود جهودًا لإعادة الرئيس السوري بشار الأسد رسميًا إلى الدائرة الداخلية العربية، وتؤكد الوكالة أن هذا سيكون انتصارًا لإيران وروسيا، وبمثابة تحدٍ لتحذيرات الولايات المتحدة بعد أكثر من عقد من الصراع.
وهناك عدة مؤشرات في الفترة الأخيرة على تحولات كبيرة في السياسة الخارجية السعودية نحو الاقتراب من الصين وروسيا، والاقتراب من بكين وموسكو يعني إمكانية تهدئة الأجواء بين الرياض وطهران وهو ما قد كان بتوقيع اتفاق استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين مؤخرا.
وفق التحليل الأخير، فإن صانعي السياسة في إسرائيل لن يقبلوا أن تشعر طهران بالانتصار حتى لو دبلوماسيا، إذا عادت العلاقات العربية مع النظام السوري وإذا نظر إليها باعتبارها انتصارا إيرانيا.