محمد إسماعيل
تتضح بقوة خلال الأسابيع الأخيرة خيوط كثيرة للتقارب العربي مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا من بعد كارثة الزلزال المدمر، بعد أكثر من عقد من القطيعة مع النظام لقمعه الاحتجاجات التي خرجت ضده، وهو القمع الذي أدخل سوريا مرحلة صراع أهلي لم تنتهي بعد بل وربما تظل تبعاتها لعقود.
وقد كانت عملية التقارب العربي مع بشار الأسد مرهونة بالأساس بعملية سياسية تتسع للجميع، وتشارك فيها مختلف قوى المعارضة وأطيافها، ووسط ذلك يراقب كرد سوريا مشهد التقارب ولديهم قدر كبير من التحفظات، خصوصا إذا لم يقترن ذلك التقارب بعملية انتقال سياسي واضحة، لأن حينها سيكون هذا التقارب بمثابة دعم عربي لديكتاتورية النظام، وربما عودة إلى المربع الأول من الصراع، ولن يفهم هذه التقارب في مردوده إلا على أنه شرعية لنظام يفتقد الشرعية.
أسباب توتر العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري
في هذا السياق، يقول صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD: “ان سوريا جزء من العالم العربي، وهذا أمر لا شك فيه ولا جدال حوله”، مضيفاً، في تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن “هذه العلاقات توترت لسببين، أولهما علاقات النظام السوري مع النظام الإيراني سواء بالعلاقة المباشرة مع طهران، أو من خلال مناصرة بعض الأطراف الموالية لإيران مثل حزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين اليمنية”.
وأوضح “مسلم” أن السبب الثاني لتوتر العلاقات العربية مع النظام هي ممارسات النظام السوري ضد شعبه والانتهاكات والضغوطات التي مارسها النظام على الشعب السوري، ومن هنا توترت العلاقات”.
وأعرب الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي عن “اعتقاده بأن عودة العلاقات العربية مع النظام السوري يجب أن ترتبط بزوال أسباب القطيعة، وهي علاقات النظام مع إيران وكذلك أن يتخذ النظام بعض الخطوات الديمقراطية من أجل الشعب السوري”.
وقال مسلم: “إن سوريا تضررت كثيراً من ممارسات النظام من قتل وتهجير وتدمير وخسائر، وهذه الأسباب لم تزل بعد، ولهذا نحن نرى أنه يجب أن تعود العلاقات العربية السورية، ولكن يجب أن يغير النظام سلوكه، وإيجاد حل سياسي والابتعاد عن الأمور التي تضر بأمن العالم العربي، والابتعاد عن السياسات الإيرانية الاستراتيجية في المنطقة”.
الشعب السوري لن يرضى عن علاقات مع النظام لا تقترن بحل سياسي
وفي سياق حديثه لمنصة “تارجيت”، تطرق السيد صالح مسلم إلى مستقبل التقارب العربي مع النظام، وأكد أن عودة هذه العلاقات ستكون صعبة، قائلاً: “نحن نعتقد أن عودة العلاقات العربية مع النظام السوري صعبة في ظل أن النظام لن يلتزم بما سبق”.
وأشار “مسلم” إلى أن “الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا ترى أن هذه العلاقات يجب أن تكون مشروطة بالحل السياسي في سوريا، وإلا فإن النظام يكون قد عاد إلى ما قبل 2011، وهذا لن يرضى به الشعب السوري مطلقاً”.
واختتم “مسلم” تصريحاته قائلاً: “الشعب السوري لن يرضى إلا بتغيير سلوك النظام والعمل بالحل السياسي أو الدخول في الحل السياسي بالنسبة للوضع السوري”.
واقع العلاقات العربية مع نظام بشار الأسد وتطورها
وكانت الدول العربية قررت عام 2011 مقاطعة النظام السوري، نتيجة القمع الوحشي الذي مارسه ضد المحتجين الذين ثاروا ضد نظامه وسط موجة ما سمي بـ “الربيع العربي”، وفي نوفمبر من العام ذاته تم تعليق عضوية دمشق في جامعة الدول العربية ولا يزال مقعدها شاغرا.
لكن رغم القطيعة العربية بقت بعض الدول تحافظ على قنوات اتصال يمكن وصفها بالقوية، مثل مصر التي لم تلتزم بالقطيعة التامة التي التزمت بها السعودية وقطر، وظل لدى “القاهرة” قنوات اتصال متوازنة بين النظام وكذلك بعض قوى المعارضة، ما سمح لها في بعض الأوقات بلعب دور الوساطة والتوصل لاتفاقات وقف إطلاق نار بتنسيق ورعاية روسية.
وترى “القاهرة” أن القطيعة مع النظام السوري لم تساعد في التوصل لحل سياسي في الإطار العربي وأن النظام انتصر عسكرياً وأصبح استمراره أمراً واقعاً، كما دفعت النظام السوري للارتماء في أحضان إيران، وعمل الجانب المصري على إقناع الدول العربية بهذه النظرة لتحريك المياه الراكدة في الأزمة، التي اكتسبت زخماً مع عودة العلاقات بين النظام والإمارات وتبادل الزيارات.
وبدى كذلك خلال الفترة الماضية أن السعودية بات لديها قدر من المرونة تجاه العلاقات مع النظام السوري، حيث سبق وصرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بأن سوريا ربما تعود إلى جامعة الدول العربية، فيما تحدثت مصادر مؤخرا لوكالة “رويترز” عن أن فتح السفارتين بين الرياض ودمشق سيحدث خلال الأسابيع المقبلة.
وجاءت أحداث الزلزال المدمر كغطاء مبرر أو فرصة كاشفة لتحركات التقارب العربي مع النظام، مع زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق وزيارة نظيره السوري فيصل المقداد إلى القاهرة، إلى جانب زيارات لمسؤولين عرب واتصالات مباشرة مع بشار الأسد، وسط حديث عن مبادرة أردنية لإعادة العلاقات العربية مع النظام وضخ مليارات الدولارات في إعادة إعمار سوريا.
تقارب في وجهات النظر العربية الكردية إزاء التطبيع مع النظام
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تحدثت عن شروط للمبادرة الأردنية منها أن ينخرط النظام في عملية سياسية ويتحاور مع قوى المعارضة تمهيدا لحل سياسي، وأن تستقبل سوريا قوات عسكرية عربية لحماية اللاجئين العائدين، وأن يعمل النظام على تقليص النفوذ الإيراني في سوريا ووقف تمدده .
وهذه الشروط التي أكدها عدد من المصادر بشأن عودة العلاقات العربية مع النظام تتفق مع ما صرح به صالح مسلم الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي PYD لمنصة “تارجيت” من أن التقارب العربي مع النظام يجب أن يقترن بحل سياسي، وكذلك مسألة الابتعاد عما يهدد الأمن القومي العربي في إشارة إلى العلاقات مع إيران.
أيضا اتفقت الصحيفة مع ما صرح به صالح مسلم لمنصة “تارجيت” حين أكد أن العلاقات العربية لن تعود مع النظام السوري في ظل عدم التزام الأخير بالمطالب العربية، وهو نفسه ما تحدثت عنه الصحيفة.
الحاجة إلى عملية سياسية شاملة
بدران جيا كرد الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا كان قد علق في بيان عن التقارب العربي والتركي مع النظام في الفترة الأخيرة والحديث عن حوار للنظام معهم، وقال إنه: “من الأجدر أن يلتفت النظام السوري إلى الداخل ويفتح أبواب الحوار الحقيقي مع جميع الأطياف السورية”، مؤكدا أن “ذلك سيكون خطوة باتجاه إنهاء الاحتلال التركي والفوضى”.
وأعرب جيا كرد عن اعتقاده بأن “الوضع القائم في سوريا لا يمكن أن يعود كما كان عليه قبل 2011، بل جميع السوريين يطمحون لمستقبل ضامن لحياتهم وحقوقهم”، مؤكداً أنه “من المهم جداً أن تكون سوريا دولة فاعلة ومنخرطة مع المحيط الإقليمي والعالمي، ولكي تلعب ذلك الدور فهي بحاجة إلى تجاوز الأزمة الداخلية من خلال رسم حياة سياسية جديدة للبلاد وإزالة الأسباب التي أدت إلى الوضع الحالي ووضع ضمانات وتهيئة الظروف لعودة جميع السوريين إلى مناطقهم الأصلية”.
وأكد الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أن “أي عملية تطبيع لا تستند إلى اتخاذ مواقف السوريين والواقع المعاش بعين الاعتبار ودون الحديث عن عملية سياسية شاملة، ستكون بمثابة إعادة الصراع والنزاع في سوريا إلى المربع الأول، وإطالة لعمر الأزمة السورية لعقود أخرى وسيكون لذلك تداعيات خطيرة ونتائج غير محمودة”.
وقد يكون من المجحف بحق السوريين عموماً والكرد في سوريا أن تتخذ الدول العربية خطوات متقدمة في سياق التطبيع مع حكومة دمشق ما لم تستند الى تغيير في سلوك النظام، واتخاذ خطوات جادة للتغيير السياسي والانفتاح على الداخل السوري بكل مكونات الشعب السوري واجراء حوار وطني شامل للوصول الى حل يرضي الشعب السوري، وليس من المستغرب أن يتوجس السوريين بكل أطيافهم من هذه المقاربات التي تستثني الشعب السوري من القرار السياسي وتكرس المركزية المستبدة.