محمد إسماعيل
مع مؤشرات التقارب العربي مع النظام السوري خلال الفترة الماضية تثار كثير من التساؤلات حول المواقف الإقليمية من هذا التقارب وشروطه، من بين ذلك الموقف الإيراني، والذي للوهلة الأولى يبدو له أن قبول الدول العربية لإقامة علاقات رسمية مع نظام بشار الأسد انتصار إيراني وفشل لمسار القطيعة العربية الذي قادته دول على رأسها السعودية وقطر.
وجاءت أحداث الزلزال السوري المدمر كفرصة مواتية لتكشف دول عربية بشكل رسمي عن توجهاتها خلال الفترة المقبلة تجاه النظام منها مصر التي زار وزير خارجيتها دمشق، بل واتصل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري، وكذلك زيارة وزير الخارجية السوري إلى مصر، فضلا عن إعلان السعودية رسمياً عدم ممانعتها لإقامة علاقات مع “الأسد”، إلى جانب الأردن والإمارات وسلطنة عمان، وسط دعوات كذلك لإعادة “دمشق” إلى مقعدها الشاغر بجامعة الدول العربية.
الموقف الإيراني المعلن رسميا من التقارب العربي مع بشار الأسد
الموقف الإيراني من التقارب العربي مع بشار الأسد تم التعليق عليه رسمياً من قبل المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، عقب زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق بعد الزلزال المدمر ووصول وفد من البرلمانات العربية إلى سوريا، مبدياً قدراً من الابتهاج بتلك الخطوة.
وقال “كنعاني”، عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” إن “الانفتاحات الأخيرة في علاقات الدول العربية مع سوريا، وبينها زيارة وفد (اتحاد البرلمان العربي) لدمشق، بهدف إعلان التضامن معها عقب الزلزال المدمر، هي بمثابة خطوة واقعية وإيجابية على طريق التضامن الإسلامي”.
ولم يكتف متحدث الخارجية الإيرانية بذلك بل دعا إلى ما وصفه بـ “النهج الوطني المستقل وتجاهل رغبات الهيمنة الأجنبية، حتى تكون دول المنطقة قادرة على حل مشكلاتها عبر الحوار والآليات الإقليمية”، وهي التغريدة التي حملت فيما يبدو قدراً من الحط والتشكيك باستقلالية قرارات الدول العربية بعيدا عن القوى الدولية الفاعلة في المنطقة وخصوصاً الولايات المتحدة.
انتصار سياسي لإيران والنظام السوري
في هذا السياق، يقول محمد عبادي الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، لمنصة “تارجيت” الإعلامية،: “إنه بلا شك تمثل عملية التطبيع الجارية بين بشار الأسد والدول العربية انتصارا سياسيا للنظام السوري وإيران، فالدول الخليجية التي دعمت المعارضة في 2011 وبعدها الفصائل المسلحة، قد أقرت عملياً اليوم، بانتصار الأسد في الحرب الأهلية، وأُجبرت على الاعتراف به، وتفعيل العلاقات الدبلوماسية معه، في خضم عملية إعادة العلاقات، لكنها لن تكون مجانية”.
يقول عبادي أيضاً إنه: ” يجب الأخذ في الاعتبار أن التقارب العربي جاء في سياقات معينة تهدف إلى معادلة النفوذ الإيراني في الأراضي السورية، حتى لا تكون قاعدة لانطلاق الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة مستقبلاً”.
ويضيف “أن الأزمة الاقتصادية الخانقة في سوريا، والأوضاع الاقتصادية الصعبة في إيران، تدفع الطرفان إلى القبول بالأمر الواقع، والدخول في عملية تطبيع بطيئة مع الدول العربية، هذا فضلاً عن تداعيات الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، وهو ما يخفف من حدة الممانعة الإيرانية من عودة العلاقات العربية السورية”.
حديث عن شروط سعودية عربية للانفتاح على بشار الأسد
وكانت الدول العربية قاطعت النظام السوري في 2011 بعد اندلاع الثورة ضده، فيما علقت جامعة الدول العربية عضوية “دمشق” في نوفمبر من عام 2011، رفضاً وقتها لحملة النظام السوري ضد القوى المعارضة له، وهي الخطوة التي وصفتها دمشق حينها بغير القانونية”.
وبالتأكيد التقارب العربي مع نظام بشار الأسد لن يكون شيكاً على بياض أو لأجل سواد عيون الرئيس السوري، بل ما من شك أنه يقترن بشروط، وهو ما تحدثت عنه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مؤخراً نقلاً عن مصادرها.
الصحيفة أكدت أن محادثات قادتها المملكة الأردنية الهاشمية تضمنت عرضاً بتقديم المساعدة المالية للنظام السوري من أجل إعادة إعمار ما دمره الزلزال الأخير، فضلاً عن الضغط على الدول الغربية والولايات المتحدة لرفع العقوبات، لكن ذلك مقابل عدة شروط هي التزام بشار الأسد بالدخول في مفاوضات سياسية مع المعارضة على نحو يجعلها قادرة على المشاركة في الحكم بهدف حلحلة الوضع الحالي للأزمة السورية.
وتأتي الشروط، الموافقة على إرسال قوات عربية عسكرية بهدف حماية اللاجئين السوريين الذي سيعودون إلى دولتهم، ووقف تهريب المخدرات، وأن يعمل النظام السوري على وقف التمدد الإيراني في سوريا.
وبعيداً عن الشرطين الأول والثاني الذين ذكرتهما الصحيفة، فإن الشرط الثالث المتعلق بابتعاد النظام السوري عن إيران أو وقف التمدد الإيراني، فإنه أمر يشغل الجانب السعودي حتى لو لم تصدر تصريحات رسمية بذلك من الرياض، ولكن يمكن تلمس ذلك من خلال تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية في 27 فبراير الماضي يتساءل حول كيف يمكن أن يؤثر التقارب العربي السوري على طموحات إيران.
وحتى لو لم تقدم المملكة أية تصريحات رسمية بذلك، فطبيعة العلاقات بين الرياض وطهران، وما تشهده من توترات وتنافس إقليمي تجعل شرط تقليص النظام السوري نفوذ إيران شرطاً منطقياً، حتى رغم اتفاق تطبيع العلاقات بين طهران والرياض الذي أبرم مؤخرا.
بشار الأسد سيخذل العرب
ويبدو أن ابتعاد النظام السوري عن إيران شرط لن ينفذ، لأنه ببساطة ووفق مراقبين فان النظام مدين بالفضل لـ “طهران” في استمراره بالسلطة حتى الآن إلى جانب روسيا ومساعدته في قمع الثورة، فكيف يمكن أن يبيع النظام حليفه الوثيق؟، إلى جانب عدم قناعة النظام بأي عملية سياسية.
“مستحيل”، بتلك الكلمة استهل حازم العبيدي الكاتب والمحلل السياسي العراقي رده على إمكانية ابتعاد بشار الأسد عن إيران، قائلاً، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن “بشار الأٍسد لو فكر مجرد تفكير في بيع إيران، أو حتى تقليص نفوذها سيتم الإطاحة به على الفور من قبل الميليشيات الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية”.
وأضاف “العبيدي”: “نظام بشار الأسد مدين بالفضل في استمراره وبقائه للنظام الإيراني وروسيا، كما أن الأسد لا يمكن وصفه إلا بمجرد سفاح احتضنه النظام الإيراني الإجرامي، الذي أراد تدمير كل الدول العربية”، موضحاً أنه “ربما ترى بعض الدول العربية أن عودة العلاقات مع بشار الأسد قد تشكل فرصة لحل سياسي عبر انتخابات”، مؤكداً أنه “إذا أجريت انتخابات عادلة سيسقط بشار الأسد، فكيف سيقبل بشار إذن بحل سياسي في النهاية سيسقط حكمه، وهو سيسقط، لأن بشار في نظر غالبية السوريين سفاح وكذلك بالنسبة للشعوب العربية”.
ويرى “العبيدي” أن ما يسمى بـ “التقارب العربي مع النظام السوري”، إن حدث لن يكون أكثر من مجرد علاقات رسمية بين الحكام، لكن ولاء النظام السوري سيبقى لإيران.
هذا ما تفكر فيه السعودية تجاه بشار الأسد وإيران
وكانت مصادر أكدت لوكالة أنباء “رويترز” أن دمشق والرياض اتفقتا على إعادة فتح سفاراتيهما بعد عيد الفطر، لتعود العلاقات الدبلوماسية بعد أكثر من عقد من القطيعة، عقب اندلاع الأزمة السورية.
بدوره، يقول عماد المديفر الكاتب والباحث السعودي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية : “إن المملكة باعتقادي تؤيد من حيث المبدأ إيجاد مسار لعودة سوريا إلى محيطها العربي، حيث الوضع القائم لا يصب في مصلحة الجميع، ومن هنا تبرز أهمية قيام الجانب السوري بخطوات سياسية وإنسانية حقيقية بهدف إيجاد القاعدة اللازمة لدى المجتمع الدولي لعودة سوريا للمشهد الطبيعي”.
وأضاف: “لكن في المقابل من الصعب تحديد ما إذا كانت تحركات الرئيس الأسد وزيارته الأخيرة لدولة الامارات وقبلها لسلطنة عمان نابعة منه دون التنسيق مع إيران ورغم ذلك؛ فالروس بالتأكيد يريدون إعادة النظام السوري إلى الحضن العربي”.
ويرى “المديفر” أن “الإيرانيين على الجهة المقابلة، فقد يرغبون بكسر عزلة بشار الأسد، لكن ليس على حساب نفوذهم في سوريا، وحتى الآن، لم تتضح الصورة العامة عما إذا كانت الخطوات المتعلقة بإعادة سوريا للحضن العربي ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لا سيما مع المعارضة التي أبدتها الولايات المتحدة الأمريكية لهذا المسار”.
وجهة نظر مصرية ترى ضرورة عدم استمرار عزل النظام السوري
هناك وجهة نظر أخرى تتعلق بالموقف المصري، وهو أن القاهرة ترى أن القطيعة مع بشار الأسد لم تكن ذات فائدة على الإطلاق سواء على صعيد الحل السياسي للأزمة، أو على صعيد مناهضة التمدد الإيراني، لأن ما حدث أن النظام السوري ارتمى في أحضان النظام الإيراني، وأدخل قواته ومستشاريه للأراضي السورية أكثر.
وترى “القاهرة” أن بشار الأسد يجب ألا يُترك لإيران، وأنه يجب أن يكون هناك دور عربي مزاحم للدور الإيراني في سوريا حتى لو كان ذلك عبر علاقات مع بشار الأسد، وتدلل المصادر على هذا المنطق بالإشارة إلى حالة العراق من قبل عندما اتجهت على سبيل المثال السعودية إلى ما يشبه المقاطعة لحكومات العراق بسبب ولائها لإيران، وكانت النتيجة أن العراق أصبح كما لو كان ساحة فارغة أمام الإيرانيين.
في هذا السياق، يقول محمد عبادي الباحث في الشأن الإيراني إن : “هذا يتطابق مع التوجه المصري للتعامل مع سوريا، إذ أن القاهرة كان لديها موقفاً واضحاً منذ البداية برفض القطيعة التامة مع النظام السوري وعدم تركه تماماً للارتماء في أحضان الإيرانيين”، مضيفاً أن “القاهرة كان لديها نظرة مستقبلية وهي أنه بالحسابات العسكرية فإن الدعم الروسي والإيراني سيرجح كفة بشار الأٍسد في النهاية”.