محمد اسماعيل
تنتظر تركيا الشهر المقبل وتحديدا الرابع عشر من مايو معركة سياسية كبيرة يراها البعض أنها الأهم في تاريخ البلاد، حيث ستتعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية والتي يجمع مراقبون وكثير من التقارير على أن الصوت الكردي يربك بوضوح وبشكل غير مسبوق حسابات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ويخوض الانتخابات الرئاسية حتى الآن 4 مرشحين يمثلون 3 تحالفات وحزبا وحيداً، هم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور، وكمال كليتشدار أوغلو مرشح تحالف الشعب “طاولة الستة”، ومحرم إينجة وهو مرشح مستقل عن حزب الوطن، وسنان أوغان، مرشح تحالف أتا.
حسابات الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات التركية
وتأتي معظم استطلاعات الرأي على مدار الأيام الماضية مرجحة لكفة كمال كليتشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري “الكمالي”، خصوصاً مع إعلان حزب الشعوب الديمقراطي المناصر لقضايا الأقليات والمعبر عن معظم كتلة التصويت الكردية عدم تقدمه بمرشح، ما يفهم ضمناً على أنه دعم لمرشح الشعب الجمهوري باعتباره المنافس الأقوى خصوصاً في سباق الرئاسة.
وتقدر الكتلة التصويتية للكرد بنحو 6 ملايين صوت، والتي يمكنها ببساطة أن تحرم حزب العدالة والتنمية الحاكم من تحقيق أغلبية برلمانية تجعله يشكل حكومة بشكل منفرد، أما على مستوى الرئاسة فإنها يمكنها على الأقل أن تحرم “أردوغان” من حسم الانتخابات مبكراً عبر الجولة الأولى وإجباره على الذهاب إلى جولة ثانية ربما يسقط خلالها.
انتخابات رئاسية شرسة.. والكرد يشكلون الكتلة الحرجة
يقول كرم سعيد، الخبير فى الشأن التركي، فى تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “حزب الشعوب الديمقراطي أعلن أنه لن يدفع بمرشح فى الانتخابات المقبلة وهو ما اعتبره البعض إشارة ضمنية لتصويت كتلة الكرد لكمال كليتشدار أوغلو”.
وأضاف “سعيد” أن الكرد يمثلون بالفعل كتلة حرجة قوية في الانتخابات المقبلة مدللا على ذلك بامتلاكهم نحو 6 ملايين صوت، والأمر لا يقتصر على قوتها العددية فقط، بل لديها سمات ربما لا توجد في قوى المعارضة الأخرى، إذ أنها كتلة تصويتية منسجمة بشكل كبير، كما أنها تصوت غالبا لمرشحي المعارضة خاصة في ظل تعقيد الأزمة الكردية وانهيار مفاوضات السلام مع حكومة العدالة والتنمية وما ترتب بعد الانتخابات البلدية بإقصاء كل رؤساء البلديات الكرد الذين تمكنوا من النجاح” .
ويؤكد الخبير في الشأن التركي أنه “في ضوء ذلك فإن كتلة التصويت الكردية قادرة على حسم موقف الانتخابات الرئاسية التركية، أو على الأقل تمثل قوة دافعة كبيرة لأي مرشح تختار أن تصوت له، وهو أمر بالتأكيد يجعل حسابات الانتخابات ليست بالسهلة لدى أردوغان”.
محاولات “أردوغان” لتفتيت الكتلة الكردية
وأمام المخاوف من الصوت الكردي في الانتخابات، لجأ الرئيس التركي إلى استقطاب حزب الهدى وهو حزب سياسي كردي إلا أنه حزب محافظ يؤمن بأفكار تطبيق الشريعة الإسلامية، على أمل أن يساهم دخول هذا الحزب إلى تحالف أردوغان في تشتيت الناخب الكردي وإظهار “أردوغان” على أنه مرشح لكل من يعيشون داخل تركيا بما في ذلك الكرد.
لكن تقارير أمريكية تحلل الانتخابات من بينها صحيفة “إكزامينر” التي قالت مؤخراً: “إن حزب الهدى ليس إلا نقطة ضعف لتحالف أردوغان لأنه لا يشكل قوة كردية حقيقية ولا يعبر عن عموم الصوت الكردي، وكذلك لأن الحزب يتحدث علناً عن تطبيق الشريعة الإسلامية في الحكم وهو أمر يتناقض مع طبيعة ومبادئ الجمهورية التركية وتسبب في خلافات حتى مع حلفاء أردوغان ما يجعله غير قادر على استقطاب أصوات داخل الدائرة الكردية.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة “زمان” التركية المعارضة أن حيلة أردوغان لتفتيت الكتلة الكردية عبر ضم حزب الهدى فشلت واضطر الرئيس التركي في النهاية أن يستبعد حزب الهدى من تحالفه نحو الرئاسة لما كان لذلك القرار من سلبيات، واكتفى بأن يكون رئيس هذا الحزب زكريا يابيش أوغلو أحد المرشحين على قوائم حزب العدالة والتنمية للانتخابات البرلمانية.
الكرد أمام فرصة لتحقيق مطالبهم
يقول، مصطفي صلاح الباحث المتخصص فى الشأن التركي: “الكتلة التصويتية بالنسبة للكرد تمثل خمس إجمالي من لهم حق التصويت فى الانتخابات التركية المقبلة، وهي نسبة تشكل حرفيا ما يمكن تسميته بـ(الكتلة الحرجة) في الانتخابات التركية المقبلة”.
وأضاف صلاح فى تصريحات خاصة لمنصة “تارجيت” الإعلامية أنه “على الرغم من أن الاستطلاعات تشير لتصويت الكرد لصالح مرشحي المعارضة وخاصة كمال كليتشدار أوغلو، إلا أن ذلك لا يمنع وجود مطالب لهم بمعني أن الدعم لمرشحي المعارضة لن يكون دون مقابل”.
ولفت إلى أن “الكرد سيكون على رأس مطالبهم الافراج عن المسجونين والمعتقلين في سجون النظام التركي حال فوز مرشح الشعب الجمهوري، وعلى رأسهم بالتأكيد صلاح الدين دميرطاش الرئيس المشارك للحزب سابقاً، وكذلك الاعتراف باللغة الكردية كلغة ثانية في البلاد ، ومشاركة الكرد فى كتابة دستور جديد لتركيا، ودمج الكرد في المجتمع التركي والقضاء على التمييز المؤسسي ضدهم”.
حرمان العدالة والتنمية من الأغلبية البرلمانية
وأكد “صلاح” أن كتلة الكرد ستمثل عاملاً مفصلياً في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، وفى ظل السلوك التصويتي الذى شاهدناه في الانتخابات الماضية، إلى جانب تزايد المعارضة ضد أردوغان وخصوصا من قبل الشباب فإن: 1 ـ حزب العدالة والتنمية لن يكون بمقدوره تحقيق أغلبية برلمانية تتيح له حكومة بشكل منفرد، وسيكون بحاجة إلى الدخول في ائتلافات، 2 ـ أما بالنسبة لانتخابات الرئاسة، فإن أردوغان بفعل الصوت الكردي وقوة المعارضة التي توحدت لإسقاطه، فإنه على الأقل لن يحسمها من الجولة الأولى، وربما يسقط أيضا في الجولة الثانية”.
يذكر أن الرئيس التركي يمارس قدراً كبيراً من القمع في الأوساط الكردية على مدار الفترة الماضية، كنوع من الترهيب لهم قبيل الانتخابات المقبلة، وخصوصاً عبر اعتقال كثير من قادة السياسة والفكر والرأي الكرد.