محمد إسماعيل
حظيت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في الأول من أبريل، إلى القاهرة باهتمام كبير باعتبارها أول زيارة لوزير خارجية سوري منذ أكثر من عقد، حيث حملت الزيارة كثيراً من التكهنات بشأن القضايا والملفات التي تناولتها وكذلك الأبعاد التي تعنيها على الصعيد الإقليمي.
جانب مهم في السياق المحيط بالزيارة، يرتبط بتبدل كثير من المواقف الإقليمية خصوصاً على صعيد العلاقات المصرية – التركية وما شهدته من تقارب كبير خلال الفترة الأخيرة، وأيضاً ما يثار حول خطوات للتقارب بين النظامين السوري والتركي، وإمكانية أن تلعب “القاهرة” دوراً ليس بالجديد عليها في التقريب بين “دمشق” و”أنقرة”.
ولعل الحديث عن دور مصري بين تركيا وسوريا ليس مرتبطاً فقط بتحركات وساطة مصرية سابقة، بل مرتبطة أيضا بمواقف مصرية منخرطة في رفض الاحتلال التركي لمناطق بشمال سوريا، وأيضا مخاوف من عملية عسكرية تركية جديدة، تعيد إلى الأذهان تدخل “القاهرة” سابقا في ملف عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني.
دور مصري قوي في التقارب السوري التركي “المشروط”
في هذا السياق، قال الدكتور بشير عبد الفتاح، الخبير في الشأن التركي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية إن: ” التقارب المصري التركي والتقارب التركي السوري كل منهما يخدم الآخر، وهناك إمكانية لأن تلعب مصر دوراً، لافتاً في الوقت ذاته، إلا أنه كانت هناك عراقيل عديدة تعوق التقارب التركي السوري في الآونة الأخيرة خاصة بما يتعلق بضرورة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية قبل انعقاد الانتخابات التركية المزمعة”.
ويضيف “عبد الفتاح”: “وبالتالي التقارب التركي السوري أمر معقد للغاية وإن كان غير مستحيل في ظل أن المنطقة تشهد ما يمكن تسميته إقليمية جديدة، بمعني إعادة هيكلة العلاقات الإقليمية لتقليل حدة التوترات بين الأطراف الإقليمية المختلفة وإيجاد مسارات ومصالح مشتركة بين الدول لمواجهة التحديات الجديدة من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات كورونا والسلام الإبراهيمي”.
ويقول الخبير في الشأن التركي: “ويبدو أن المنطقة يُعاد تشكيلها مجدداً وعلى الدول أن تقلل خسائرها بتنحية الخلافات فيما بينها وإيجاد مصالح جديدة مشتركة أو تطوير أخرى راكدة وإيجاد نقاط مشتركة للتفاهم”.
يمكن إيجاد تفاهمات تتعلق بالملف الكردي ومصر يمكنها لعب دور
ويرى الدكتور بشير عبد الفتاح أن الملفات الخلافية بين تركيا وسوريا يمكن التوصل إلى نقاط تفاهم حولها، وخصوصاً الاحتلال التركي لشمال سوريا وتحديداً التواجد التركي في المناطق الكردية وهو الأمر الذي يشكل حجر الزاوية في الخلافات بين أنقرة ودمشق الى جانب الدعم التركي لبعض الجماعات المسلحة، وهنا يمكن أن تلعب “القاهرة” دوراً خصوصاً وأن روسيا الشريك القوي للنظام السوري لديها قناعة بالدور المصري في هذا الملف”.
ويدلل “عبد الفتاح” على فرضيته بإمكانية أن تلعب مصر دوراً في التقارب التركي السوري والتفاهم حول الملف الكردي قائلا: “مصر لها سوابق في هذا الشأن مثل أحداث عام 1998 عندما منعت القاهرة التدخل التركي في الأراضي بحجة القبض على “عبد الله أوجلان” وتمكنت من حل الأزمة بين تركيا وسوري”.
ويضيف “عبد الفتاح”: “فمصر لديها القدرة على القيام بدور محوري فى التقارب بين أنقرة ودمشق “.
الوقت مناسب.. والدور المصري بين سوريا وتركيا مقترن بشروط
لكن ربما تذهب وجهة نظر إلى أن الحديث عن دور مصري في هذا الملف نوع من الحديث المبكر أو السابق لأوانه، نظراً لأن التقارب التركي المصري لم يصل بعد إلى أقوى مراحله، إلا أن الدكتور بشير عبد الفتاح يرى أن هذا غير صحيح، فيقول: “ليس من المبكر الحديث عن دور مصري حقيقي في التقارب التركي السوري، فالترتيبات الأمنية والاستخباراتية تسبق العلاقات العسكرية والسياسية والاقتصادية، فالدور المصري واضح في تحقيق التقارب التركي السوري”.
ويستدرك: “ولكنه تقارب مشروط بعدة أمور أولها الانسحاب التركي من سوريا كشرط أساسي، وثانيها أن تتخلي تركيا عن سياسة تعطيش الشعب السوري بعد التحكم في كمية المياه التي تمررها لسوريا”.
ونوه إلى أن تركيا ستسعى لإرضاء الطرفين المصري والسوري في الأيام المقبلة وبالتالي لا بد من أن تقدم تنازلات واضحة في هذا المضمار، مضيفا أن “الدور المصري يتمحور حول تقريب وجهات النظر بالوساطة لحل الموضوعات الخلافية بين تركيا وسوريا خاصة القوات التركية المتواجدة بسوريا والسياسة المائية التركية تجاه الشعب السوري وكذلك السياسة التركية المجحفة تجاه دمشق وهي نقاط خلافية بين تركيا وسوريا وبنفس القدر بين مصر وتركيا”، مؤكداً أن الانفتاح المصري التركي قد يسهل عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة.
وكانت مصادر مصرية مطلعة أكدت لمنصة “تارجيت” أن الجانب المصري أكد خلال زيارة وزير الخارجية السوري إلى القاهرة رفض التدخلات التركية في الشأن السوري، وكذلك تواجد القوات التركية على الأراضي السورية.
الدور المصري قد يكون مكملاً للدور الروسي
ويأتي الحديث عن دور مصري وسط تحركات كبيرة تقوم بها روسيا في الفترة الأخيرة لتحقيق التقارب بين النظامين السوري والتركي، إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد تحدث خلال زيارة له إلى روسيا مؤخراً عن مجموعة من الشروط قبل الحديث عن أي لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وشدد “الأسد” على ضرورة انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، وهو الأمر ذاته الذي تطالب به مصر، وكذلك تسعى روسيا لتحقيقه عبر إدخال الجيش السوري إلى المناطق الكردية، فيما ردت “أنقرة” بأن الشروط التي تحدث عنها الرئيس السوري غير مناسبة.
وسبق أن تشاركتا القاهرة وموسكو في عدد من اتفاقات التهدئة ووقف إطلاق النار بين ميلشيات الجيش الوطني والقوات الحكومية، في ظل خطوط السياسة الخارجية المصرية التي حرصت على مدار سنوات الأزمة السورية أن يكون لديها قنوات اتصال متوازنة مع جميع أطراف الأزمة.
مصر تسعى لإشراك سوريا في منتدى غاز شرق المتوسط
بدوره، يقول الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية، لمنصة “تارجيت”: “هناك ملفات مهمة تجمع القاهرة ودمشق أولها أن كلتا الدولتين تجمعهما رؤية موحدة لمكافحة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وثانيها أن مصر تسعي للمشاركة بقوة في إعادة إعمار سوريا عبر شركات القطاع العام أو الخاص، ومن الممكن أن يتطور الأمر أيضا لإشراك سوريا في منتدى غاز شرق المتوسط والذي يضم كل الدول المنتجة والمستهلكة للغاز في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
وعن التقارب المصري السوري والتقارب المصري التركي وأيضا التقارب التركي السوري، يقول الدكتور أيمن سمير إن: “التقارب المصري السوري يُدشن لعالم عربي جديد وشرق أوسط جديد يقوم على فكرة التعاون وليس الصراع وعلى الشراكة وليس التنافس من منطلق مبدأ روجت له مصر تبريد الصراعات وتخفيف التوترات في إطار ما اسميته بالإقليمية الجديدة” بأن الدول سوف تتجه فى الفترة المقبلة للتعاون مع بعضها البعض وتنحي الصراعات جانبا”.
يذكر أن المباحثات المصرية السورية بالقاهرة، تطرقت لمسار العلاقات السورية التركية وأوضاع المناطق المحتلة في شمال سوريا، في ظل قناعة مصرية بأن تطور مسار العلاقات المصرية التركية لا ينفصل عن الوضع في سوريا، خصوصا وأن القاهرة ترفض أي تدخل تركي في الشأن السوري.