محمد إسماعيل
ليست أحلام تراود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو آمال يتمنى تحقيقها، ولكن أصبح إحياء المشروع التركي القديم في المنطقة بمثابة أهداف لديه يمكن تحقيقها، فوضع لها آليات ورسم طريقها لتهيئة المنطقة سعياً للعودة بها إلى الماضي، وكان من أهم العناصر التي استخدمها للوصول لعدد من الأغراض “المرتزقة” الذين تسببوا في تفاقم الأزمات في العديد من مناطق النزاعات، مثل الصراع الليبي والصراع الأرميني الأذربيجاني.
«المرتزقة السوريون».. النشأة والأعداد والفصائل
عبر انتهاكها للأراضي السورية، حشدت تركيا فصائل معارضة متطرفة للقتال إلى جانبها في العمليات التي شنتها شمال البلاد تحت اسم “الجيش الوطني السوري” والذي أصبح أكبر حليف أو تابع لتركيا في سوريا.
وقد تشكل “الجيش الوطني السوري” من عدة فصائل سورية معارضة تقاتل جيش النظام السوري منذ اندلاع الأزمة في عام 2011، وتلقى دعماً تركياً متعدد الجوانب، شمل التدريب والمال والأسلحة والذخيرة.
وعملت تلك الفصائل تحت مظلة “الجيش السوري الحر” حتى انطلاق العملية العسكرية التركية الأولى في تركيا تحت اسم “درع الفرات” في أغسطس عام 2016، وقبل الاجتياح التركي لمنطقة عفرين في عام 2018، تم تشكيل ما يُسمى بـ “الجيش الوطني السوري” بعد دمج عدد من الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا.
ويضم “الجيش الوطني” تحت لواءه أكثر من 30 مجموعة مسلحة، بينها 4 فصائل كبيرة، بينهم مجموعتان عربيتان، كتائب المنتصر بالله وكتائب حمزة، تم تسليحهم على أيدي مجموعة من الجنود الأتراك والأمريكيين عام 2015، أما المجموعتان الأخرتان، فهما من المقاتلين التركمان السوريين الموالين لتركيا لعدد من السنوات، وهما كتائب السلطان محمد الفاتح، وكتائب السلطان مراد.
في هذا السياق، أكد مصدر عسكري ليبي، لمنصة “تارجيت” الإعلامية فضل عدم ذكر اسمه، “أنه لا يوجد تقدير محدد لأعداد مرتزقة تركيا في ليبيا، خصوصاً أنه تم سحب بعضهم، لكن في إحدى الفترات وتحديدا العام قبل الماضي كانت أعدادهم تقدر بين 5 إلى 7 آلاف سواء سوريين أو من التركمان وجنسيات أخرى”.
والنقطة الأهم في هذا السياق أن تركيا جندت أغلب هذه الفصائل خدمة لأجنداتها التوسعية في المنطقة، وجعلت منهم مرتزقة تقاتل ليس من أجل قضاياها بل لتحقيق غايات وخطط أردوغان وحزب العدالة والتنمية في أي بقعة جغرافية تدخل ضمن أجندات تركيا.
المرتزقة وأحلام أردوغان في إمبراطورية على حساب الدول العربية
بدوره يقول محمد فتحي الشريف الباحث في الشؤون العربية، لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن المرتزقة الموالين لتركيا كانوا عنصراً أساسياً وأداة مهمة استخدمها أردروغان لإشعال الصراعات في المنطقة، وخصوصا في المناطق التي يرى الرئيس التركي أنها تمثل إرثا للإمبراطورية العثمانية السابقة”.
وأضاف “الشريف”: “في أي منطقة لتركيا مصالح بها تجدها جندت المرتزقة ووظفتهم، والمفارقة أنها حولتهم إلى جيوش رحالة، فمع اقتراب الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر في ليبيا من هزيمة التيارات المنبثقة عن جماعة الإخوان والتنظيمات الإرهابية تدخلت تركيا عسكريا على الفور، لوقف هذا التقدم”.
وتابع: “وإلى جانب المستشارين العسكريين الأتراك، والدعم بالسلاح، تم إرسال عناصر من المرتزقة السوريين والتركمان لتقاتل جنباً إلى جنب مع الميليشيات الليبية المسلحة، وبعض العناصر المرتزقة الذين تم جلبهم من سوريا إلى ليبيا لمساندة قوات الحكومة المسيطرة على طرابلس والتي تدين بالولاء للنظام التركي”.
ويقول الباحث في الشؤون العربية إن “المفارقة أن البعض كان يستخدم مصطلح عريض في سوريا وهو مصطلح الثوار أو المعارضة وكانت تركيا تزعم أنها تدعم من يسمون الثوار، وللأسف اتسع هذا المصطلح ليشمل التنظيمات الإرهابية الممولة والمدعومة من تركيا، لكن لو كان هؤلاء ثوار ومعارضة لماذا يتركون قضيتهم الأساسية ويذهبون للقتال في ليبيا أو القتال ضد القوات الأرمينية في المناطق المتنازع عليها بين أرمينيا وأذربيجان المدعومة من النظام التركي لاعتبارات تاريخية وسياسية”.
ويشير “الشريف” في ذلك إلى أنه في ظل الخلط الكبير الذي قامت به تركيا فيما يتعلق بالملف السوري بين المعارضة والجماعات الإرهابية، كانت مصر دائما تنادي بمسألة الفصل والتمييز بين من خرجوا من أجل حياة سياسية أفضل أو المعارضة الوطنية، وتلك المجموعات التي تنفذ الأجندة التركية الإخوانية الإرهابية.
تركيا كانت تريد استهداف مصر عبر مرتزقتها في ليبيا
ويؤكد “الشريف”، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” أن حدود مرتزقة أردوغان لم تكن ستتوقف عند ليبيا أو سوريا، بل كان مخططاً لهم أن يصلوا إلى دول أخرى في مقدمتها مصر، لولا المواقف المصرية الحاسمة التي رسمت خطوطاً حمراء في ليبيا تحديداً منطقة سرت الجفرة والتي أوقفت تقدم الفصائل المدعومة من تركيا.
ولفت الباحث إلى أن مصر كانت تتابع بدقة ما يجري في الساحة الليبية، ونشاط تركيا بنقل المرتزقة السوريين إلى ليبيا، لما يمثل ذلك من تهديد مباشر للأمن القومي المصري، حيث لوقت كبير كان النظام التركي يريد إسقاط الدولة المصرية.لمرتزقة وأحلام أردوغان في إمبراطورية على حساب الدول العربية
ويشير “الشريف” في ذلك إلى أنه في ظل الخلط الكبير الذي قامت به تركيا فيما يتعلق بالملف السوري بين المعارضة والجماعات الإرهابية، كانت مصر دائما تنادي بمسألة الفصل والتمييز بمن هم خرجوا من أجل حياة سياسية أفضل أو المعارضة الوطنية، وتلك المجموعات التي تنفذ الأجندة التركية الإخوانية الإرهابية.
توظيف المرتزقة في الصراع الأذربيجاني الأرميني
وكما وظفت تركيا المرتزقة السوريين في أنحاء الوطن العربي، وظفتهم أيضاً في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، حيث تقول أراكس باشايان رئيس قسم العلاقات الدولية بمعهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الوطنية الأرمينية للعلوم: “إن تركيا هي الحليف الاستراتيجي الوثيق لأذربيجان، حيث تعلنان مفهوم أمة واحدة ودولتين، مشيرة إلى أن أنقرة قررت دعم أذربيجان بالمرتزقة، وهذا هو سبب فوزها بالحرب”.
وعن طريقة انتقالهم إلى أذربيجان، قالت باشايان في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن المرتزقة تم نقلهم عبر القنوات التركية، ولكنها لا تعلم كم عددهم، إلا أن تأثيرهم كان كبيراً في المعركة بعد وضعهم على الحدود في الجبهة الأمامية لإنقاذ جنودهم”. وعن أساليب الدعم التركي للمرتزقة، أكدت باشايان أنها “تدعمهم من جميع الجهات، أموال، وأسلحة وتدريب وعتاد وغيره”.
وتأتي تلك المؤشرات السابقة لتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن قسما كبيرا من هؤلاء تركوا قضاياهم الرئيسية وذهبوا لخدمة الأجندة التركية مقابل ما يحصلون عليه من دولارات.