تعويم حكومة دمشق والرفض الجامع لأمريكا بـ”المُعارضة السورية” و”الإدارة الذاتية”

تمكنت السلطات السورية في دمشق، من استغلال كارثة الزلزال المُدمر الذي ضرب مناطقاً من شمال غرب سوريا، بشكل واسع لصالحه، بغية تشجيع الأطراف الإقليمية والدولية على إعادة العلاقات الإدارية أو الدبلوماسية معه، تحت يافطة الإنسانية، وهي ذات الذريعة التي كانت قد أجبرت الدول الإقليمية والدولية على قطعها، إبان بدء الحراك الشعبي في سوريا العام 2011، لما رافقه من سفك دماء كثير من السوريين.

لكن ورغم ذلك، لا تزال أكبر قوة دولية، والمُتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية، بجانب الدول الأوروبية، ترفض تعويم حكومة دمشق، تحت أي مُبرر وذريعة كانت، وهو ما قد يعني تحطيماً لآمال الحكومة السورية، في العودة للمجتمع الدولي كنظام سليم القوام.

الموقف الأمريكي لن يتغير
حيث شددت الولايات المتحدة الأميركية، الجمعة\الربع والعشرين من مارس، على أن موقفها من التطبيع مع حكومة دمشق “لن يتغير”، ونقلت قناة “الحرة” عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية قوله: ” إن واشنطن لن تطبع مع نظام الأسد، ولن تشجع الآخرين على التطبيع معه، في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254″.

ذاكراً: “لقد كنا واضحين بشأن هذا الأمر مع شركائنا”، مضيفاً أن واشنطن “تواصل حث أي شخص يتعامل مع دمشق على التفكير بإخلاص وبشمولية في كيفية أن يساعد تواصله مع النظام على توفير احتياجات السوريين المحتاجين، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه، وفي تقريبنا من حل سياسي لهذا الصراع”، مشيراً إلى أنه “كانت تلك رسالتنا الثابتة لشركائنا في المنطقة…في أي تعامل مع النظام السوري يجب وضع اتخاذ خطوات حقيقية لتحسين وضع الشعب في سوريا في المقدمة”.

وتأتي هذه المقاربة في ظل إصرار المجتمع الدولي وحتى الدول التي تسعى الى التطبيع مع نظام دمشق كـ “الامارات ومصر” على تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسوريا وعلى رأسها القرار الأممي “2254”، وكذلك التمهيد الذي تمارسه “السعودية” لاعادة تعويم الأسد والذي يأتي بعيد اللقاءات “السعودية الإيرانية” بوساطة “صينية” مما يدلل على أن الملف السوري كان حاضراً بقوة في تلك اللقاءات، ويبقى السؤال هل تستطيع هذه الدول التي تملك تحالفاً مع الولايات المتحدة كدول الخليج ومصر على خلق توازن بين مساعي التطبيع والرفض الأميركي الأوروبي للتطبيع مع دمشق؟

المُعارضة مُتوافقة مع واشنطن
ومنذ انجرار المعارضة السورية إلى الاصطفاف على الجانب التركي، لجهة الأطراف الدولية والإقليمية المُتدخلة في الشأن السوري، كان هناك تعارض واضح بين موقف واشنطن وموقف “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، في العديد من القضايا الداخلية السورية، وأهمها الموقف من الإدارة القائمة في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، لكن الموقف الرافض لتعويم “حكومة دمشق”، يجمع واشنطن والمعارضة السورية.

حيث دعا الائتلاف، يوم الاثنين\السابع والعشرين من مارس، إلى محاسبة “نظام الأسد”، وقال في بيان: “إن منظومة الأسد الإجرامية، مارست كل أنواع الجرائم بحق السوريين، ذبحاً بالسكاكين ورمياً بالرصاص وقصفاً بالمدافع والبراميل والطائرات وخنقاً بالأسلحة الكيماوية”، مضيفاً أن “كل ذلك يستدعي الإسراع في فتح ملف المحاسبة الدولية والمحاكمة العادلة للمجرمين، انتصاراً للعدالة وإنهاءً لمأساة السوريين”.

في حين أطلق القيادي في فصائل ما يسمى “الجيش الوطني السوري” مصطفى سيجري عدة تغريدات على تويتر، تعليقاً على محاولات تركيا التقارب مع حكومة دمشق، تمهيداً لإعادة العلاقات معه، حيث قال “سيجري” إنه “إذا أرادت تركيا التطبيع مع النظام فهذا شأنها، ونحن لن نسمح لأحد بفرض قراره علينا مهما كان، وسوف نستعيد قرارنا بتوحدنا، وإذا كانت تركيا تخاف على مصالحها وأمنها القومي، فنحن أيضا لدينا أمن قومي وثوري”.

وبخصوص مصير المناطق شمال سوريا في حال عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، قال “سيجري”: ما لم يتم إيجاد مجلس قيادي ثوري بشكل عاجل، فإن المناطق المحررة بطريقها للزوال، ونحن مُنعنا من إيجاد قيادة موحدة، وعلاقة رئيس الحكومة مع وزير الدفاع علاقة أدبية وليس لديهم أي قرار ولا يمتلكون أي صلاحيات، وإذا لم نجتمع الآن، فسوف نجتمع إما في معتقلات النظام أو في دول اللجوء”.

وبالرغم من التصريحات والبيانات التي تشي برفض لعملية المصالحة مع دمشق الا أن الوقع الحقيقي للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري الموالي لتركيا لا تملك قراراها السياسي وستكون في مواجهة مباشرة مع القرار التركي والحكومة السورية المؤقتة والفصائل المسلحة التي تأتمر بأوامر الاستخبارات التركية.

سياسيون من مناطق “الإدارة الذاتية”
ورغم الموقف المُتباعد بين المعارضة السورية المتمثلة بـ”الائتلاف” و”الجيش الوطني السوري”، كونهما كانا يواليان بشكل كامل كلّ السياسات التركية داخل الأراضي السورية، وبالأخص في المناطق ذات الخصوصية الكردية شمال سوريا، والتي اسفرت عن شنّ عمليات عسكرية ضد مناطق كـ عفرين ورأس العين وتل أبيض، انتهت بـ “احتلالها تركياً”، إلا أن الموقف من تعويم “حكومة دمشق”، لا يبدو بعيداً.

إذ قال إبراهيم القفطان، عضو المجلس العام لحزب سوريا المستقبل، وهو حزب سياسي سوري تشكل في مدينة الرقة، عقب السيطرة عليها من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، ودحر تنظيم داعش الإرهابي منها، إن (التقارب العربي مع “النظام” لن يأتي بثمار إن لم “يغير النظام عقليته القديمة”، وما دفع العرب للتوجه إليه هو “فشل المعارضة في استقطاب الأطراف العربية”).

وأردف القفطان، يوم الثلاثاء\28 مارس، لموقع “نورث برس” السوري، بإن “التقارب العربي مع النظام السوري لن يأتي بثمار”، لا سيما أن دور الدول العربية لم يكن إيجابياً على مدى 12 عاماً، لكنها كانت تعول على المعارضة، وأضاف بأن المعارضة لم تفلح أيضاً باستقطاب الأطراف الإقليمية، لذلك بدأت الدول العربية بالعودة للنظام السوري”.

مُبيناً إن “الإدارة الذاتية” لا زالت تسعى لأن يكون لها دور في الوسط الإقليمي العربي والعالمي، إلا أن الدول العربية “تسعى لأن يكون هناك نظام مركزي مهيمن، لذلك لا يمكن أن تتقبل أي نهج ديمقراطي”، وفقاً له.

وعليه، بعد أكثر من 12 عاماً من الحرب الأهلية المُدمرة في سوريا، يبدو أن هناك موقفاً قد يجمع واشنطن وحليفتها في سوريا والمُتمثلة بـ”قوات سوريا الديمقراطية”، مع أطراف المُعارضة المسلحة والسياسية، المتمثلة بـ”الائتلاف” و”الجيش الوطني السوري”.

لكن لا يمكن تصور أن تستطيع الولايات المتحدة و”قسد”، تقبل “المعارضة السورية”، قبل خلع الاخيرة بشكل كامل لعباءة الأجندات التركية على الأراضي السورية، والانفكاك الكلي عن نهجها الرافض للمكون الكُردي وباقي مكونات شمال وشرق سوريا، وهو ما يفتح باب السؤال مُشرعاً على مقدرة المُعارضة السورية، تنفيذ تلك الاشتراطات، في قادم الأيام.

 

قد يعجبك ايضا