ادلب ـ مصطفى الخلف
يعود السوريون من تركيا عبر المعابر الى سوريا أما جثث هامدة على أحلامها التي دفنت مرتين تحت الأنقاض سواء ببراميل الأسد أو الزلزال الكارثة في جنوب شرق تركيا بعد أن انتشلوا من تحت منازلهم المنهارة ليعبروا الحدود محمولين على الأكتاف الى مدافنهم في أرض الوطن. واما لاجئين مرة أخرى في وطنهم وأرضهم ليكمل المعراج السوري تغريبته وسط مستقبل تتلاطمه أمواج الأجندات الخارجية والداخلية وبلا بر أمان على مد النظر.
هذا وتختلف أسباب عودة السوريين إلى بلدهم عقب الزلزال المدمّر، بين خوف من الهزات الارتدادية المتواترة، وعدم وجود سكن جديد في تركيا، وصولا لعوائل فقدت معيلها وبات قرار البقاء في تركيا أمرا مستحيلا بالنسبة لهم.
ينتظر اللاجئ السوري محمد عثمان (57) عاما دوره لدخول الأراضي السورية، لزيارة ابنه بمدينة إدلب، حيث فقد كامل أفراد أسرته في مدينة أنطاكيا التركية، ولم يتبق له سوى ابنه عماد الذي رحّلته السلطات التركية من استنبول إلى إدلب قبل 6 أشهر من حدوث الزلزال، يرقد عماد في العناية المركّزة من اليوم الثالث على الزلزال بعد أن انتشلته فرق الدفاع المدني من تحت ركام المنازل التي انهارت في حارم شمال غرب إدلب.
يتقاسم السوري بين طرفي الحدود ذات الألم والمعاناة وكذلك المصاب نفسه، حيث تعود العوائل اللاجئة إلى موطنها بعد سنوات من اللجوء في تركيا.
وتقول فاطمة (49) عاما في حديث لموقع تارجيت إنها لا تريد العودة إلى تركيا بعدما فقدت كل شيء هناك، مجيبة بعبارة “لم يتبق لدي ما أعيش لأجله في تركيا بعد أن خسرت كل شيء”.
وتضيف فاطمة إنها “ستبقى عند صهرها وابنتها بعد أن فقدت أولادها وأحفادها تحت ركام المنازل في أنطاكيا”، موضحة أن “ليس بمقدورها العيش في تركيا دون معيل يعمل ليقدم لها ولحفيدها الذي بقي على قيد الحياة”.
ويتواصل توافد اللاجئين السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة من 10 ولايات تركية منكوبة جراء الزلزال إلى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، إضافة للسوريين من حاملي “الإقامة السياحية” وأصحاب الجنسيات المزدوجة (السورية- التركية) العبور عن طريق أحد المعابر المتاحة، بعدما سمحت السلطات التركية لحاملي البطاقة بزيارة شمال غرب سوريا في إجازة تبدأ من 3 أشهر وتستمر لـ 6 أشهر كحد أقصى.
ويكشف مسؤول العلاقات العامة والإعلام في معبر باب الهوى الحدودي مازن علوش في تصريح لموقع تارجيت إن عدد الوافدين عبر معبر باب الهوى منذ يوم الأربعاء حتى يوم السبت 1 مارس بلغ 14,595 وسيستمر دخول الوافدين مع تقديم كل التسهيلات لهم.
وأشار علوش إلى أنه “بإمكان من يريد البقاء عدم الخروج، لكن بعد انتهاء مدة ال 6 أشهر يسقط حق اللاجئ بالعودة الى تركيا”، موضحاً أن “هذه الإجازة الاستثنائية منحت من قبل تركيا لتخفيف أعداد السكان قدر الإمكان خصوصاً في فترة الطوارئ التي تستمر 6 أشهر”.
وكذلك سيفعل محمد (39) عاماً وأسرته القادم من عينتاب بعد عجزه عن إيجاد سكن بسعر مناسب له في تركيا، اثر تهدم العديد من المباني والغلاء الفاحش في سعر إيجارات المنازل.
فيما فضّل عدد من اللاجئين المتضررين عدم العودة إلى سوريا رغم عدم توفر المسكن الآمن حتى اليوم، بعد الاختلاف في قرارات المعابر المشتركة مع تركيا، مع افتتاح معبر باب الهوى وباب السلامة وجرابلس وتل أبيض كان هناك اختلاف في قرارات هذه المعابر بخلاف ما أعلنته اللجنة السورية التركية المشتركة.
وكانت اللجنة قد أعلنت أن الإجازة الاستثنائية مخصصة لسكان المناطق المتضررة، بينما كان توضيح معبر جرابلس أن الإجازة تشمل سكان جميع الولايات التركية.
وصرح الناشط الإعلامي أحمد المحمد المقيم في ولاية هاتاي والحاصل على (كملك) استنبول لموقع تارجيت أنه “فضّل عدم العودة رغم عدم تأمين سكن له ولعائلته حيث يقيمون لليوم في المساجد والحدائق، خوفا من اختلاف التصريحات التي تخص الإجازة حيث توجس من أن تعتبر عودته طوعية إلى سوريا وألا يتمكن من العودة لتركيا لاحقاً”.
إلى هذا، أعيدت جثث 1570 سوري إلى البلاد لدفنها في الأراضي التركية حسب تصريح إدارة معبر باب الهوى، حتى تاريخ 21 شباط الماضي، فيما دفن عدد من السوريين في مقابر جماعية في الولايات المنكوبة.
وأفاد ناصر السيد لموقع تارجيت أنه “بعد رفضه دفن أفراد عائلته في مقابر جماعية في ولاية هاتاي بعد إخراجهم من تحت الركام فضّل العودة رفقة جثمان أخيه وأطفاله وابن عمه لدفنهم في شمال غربي سوريا ليكون بمقدور الأقارب جميعا زيارة القبور”.
كما ويرى رئيس المركز السوري للتنمية المجتمعية رضوان الأطرش أن “عودة السوريين إلى بلادهم لم تكن طوعية وآمنة، إنما جاءت ضمن ظروف إنسانية صعبة بعد دمار منازلهم والمعاملة السيئة من بعض الأتراك لهم هو ما دفعهم للعودة”.
وأضاف الأطرش أن “وجود السوريين في تركيا عقب الزلزال بات أمراً شبه مستحيلاً وبعودتهم سيكون الضغط مضاعفاً على منظمات المجتمع المدني العاملة في شمال سوريا، خصوصاً وأن المنطقة تكتظ بالنازحين الناجين من المناطق المتضررة بالزلزال، وسيكون أمام إدارة المناطق في الداخل السوري تأمين سكن لهم عدا عن العمل وتقديم المساعدات الإغاثية”.
واعتبر الأطرش أن “العودة هي القرار الوحيد أمام السوريين حيث كان يمارس عليهم الضغط من قبل المجتمع المحلي والأحزاب في تركيا على اعتبار أن بعض الأحزاب جعلتهم ورقة انتخابية لا أكثر”.
إلى هذا عبرت 431 شاحنة محمّلة بالمواد الإغاثية والمساعدات الإنسانية منذ 9 فبراير حتى اليوم حسب إدارة معبر باب الهوى ليتم توزيعها على المتضررين في شمالي غرب سوريا.
وتستضيف الولايات التركية المتضررة من الزلزال وحدها 1.74 مليون لاجئ وفق إحصاءات الأمم المتحدة.
ويبدو أن غالبية السوريين العائدين مجبرين على العودة بسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف البقاء في تركيا في ظل موت الأب والأخ فضلًا عن ارتفاع أسعار إيجارات المنازل لأرقام كبيرة.
وتأتي عودتهم في ظل انتشار البطالة في إدلب، ناهيك عن عدم الاستقرار الأمني والقصف المتواصل من قوات النظام على القرى والبلدات بريفي إدلب الجنوبي والشرقي.