القامشلي ـ علي عمر
كارثة الزلزال المدمر التي تعتبر الأكثر إيلاماً للسوريين على مدى أكثر من عقد من الزمن، وما خلفته من ضحايا بعشرات الآلاف ودمار كبير بالمنازل والبنية التحتية المنهارة أساساً، لم تثن الفصائل التابعة للاحتلال التركي شمالي سوريا لاسيما في عفرين عن مواصلة انتهاكاتها بحق المدنيين، الذين جاءت الكارثة لتعمق معاناتهم التي خلفتها سنوات الحرب واحتلال أرضهم من قبل تركيا والفصائل الموالية لها.
فبعد عرقلة هذه الفصائل ومن خلفها الاحتلال عمليات الإغاثة ووصول المساعدات الإنسانية للمتضررين خاصة في ناحية جنديرس بريف عفرين وعمليات التمييز في توزيع الجزء اليسير الذي يصل منها للناحية، تتوالى التقارير عن عمليات سرقة للمساعدات ومحتويات المنازل المهدمة جراء الزلزال من قبل الفصائل، حيث تقول مصادر محلية من الناحية إن هذه الفصائل تقاسمت الشوارع والأبنية فيما بينها من أجل تقاسم المسروقات والممتلكات العائدة لضحايا الزلزال المدمر دون أي رادع أخلاقي.
توثيق سرقة الفصائل للمساعدات في جنديرس
مقاطع صوتية وأخرى مصورة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، توثق قيام الفصائل التابعة للاحتلال التركي بعمليات سرقة للمساعدات الإنسانية ومحتويات المنازل المهدمة بناحية جنديرس، ودعوات لعناصر فصائل متواجدين في مناطق أخرى للمجيء إلى المنطقة للمشاركة في عمليات سرقات الممتلكات، كما وردت شهادات حول عمليات تمييز عنصري في توزيع المساعدات الإغاثية بين سكان الناحية الأصليين والمستوطنين الذين جرى توطينهم في المنطقة بعد عام ألفين وثمانية عشر، والذين يحصلون على الغالبية العظمى من المساعدات، كما دعت مصادر من داخل ناحية جنديرس عبر منصة تارجيت، المتبرعين للمتضررين في الناحية بحصر عمليات الإغاثة بالمساعدات المالية لضمان وصولها للمحتاجين وتحديد أشخاص موثوقين لتوزيعها بشكل منصف، وتجنب إرسال المساعدات العينية لأنها ستتعرض للسرقة ولن تصل للمتضررين أو يتم تسليم قسم منها للمستوطنين، مؤكدةً أن غالبية من يحصلون على المساعدات بالمنطقة هم من سكان المخيمات الذين لم يتضرروا جراء الزلزال.
وكانت منظمة عفرين لحقوق الإنسان، قد أكدت في الأيام الأولى للزلزال أن حاجزاً يتبع لفصيل “العمشات” التابع للاحتلال التركي عند أحد مداخل ناحية جنديرس بريف عفرين منع دخول قافلة مساعدات قادمة من إقليم كردستان للناحية، وطلب من مسؤولي القافلة تسليم المساعدات لـ”المجلس المحلي” بجنديرس، أو إعادتها إلى عفرين، مشيرةً إلى أن المسؤولين عن القافلة أصروا على توزيعهم بأنفسهم على المتضررين، لاسيما في ظل تقارير عن عمليات سيطرة وسرقات للمساعدات من قبل فصائل مسلحة، قبل أن يجبر الفصيل القافلة على العودة إلى عفرين، وذلك بعد أن أفادت مصادر محلية من الناحية بحصول تمييز في عمليات الإنقاذ من تحت الأنقاض خلال الساعات الأولى بعد الزلزال، حيث لجأت عدة فصائل للتهديد بقوة السلاح لأخذ الآليات الثقيلة لرفع الأنقاض والبحث عن أقربائهم، في حين ترك سكان جنديرس الأصليين من الكرد لمصيرهم والاعتماد على جهودهم الذاتية وبأدوات بسيطة لإنقاذ ذويهم، ما أدى لارتفاع أعداد الضحايا.
تمييز عنصري في توزيع المساعدات بجنديرس
المتحدث الرسمي باسم منظمة عفرين لحقوق الإنسان إبراهيم شيخو، قال في حديث لمنصة تارجيت: “إن تداعيات وآثار كارثة الزلزال تفوق الكارثة نفسها من حيث عرقلة وصول المساعدات للمحتاجين والتمييز العنصري من قبل الفصائل المسلحة في توزيع ما يصل من هذه المساعدات بين السكان الكرد الأصليين في ناحية جنديرس والمستوطنين الذين جرى توطينهم في المنطقة الذين يحصلون على النسبة الأكبر منها، وما شهدته الناحية يوم الثلاثاء من استيلاء الفصائل على المساعدات القادمة من إقليم كردستان وما تخلل ذلك من اشتباكات بين عناصرها والمستوطنين على هذه المساعدات، ما أدى لتوقف عمليات التوزيع”.
شيخو، أضاف أنه “وردتهم تقارير عن أن الفصائل المسلحة توزع المساعدات على المستوطنين العرب وتمنعها عن سكان جنديرس الأصليين من الكرد الذين تدمرت بيوتهم جراء الزلزال، وجل ما يبحثون عنه الآن هو خيمة ينصبونها على أنقاض منازلهم لحماية ما تبقى من ممتلكاتهم من السرقات على أيدي عناصر فصائل العمشات والحمزات والسلطان مراد”، مؤكداً “قدوم سكان المخيمات من خارج منطقة عفرين ومن ريف إدلب من الذين لم يتضرروا جراء الزلزال، ونصب خيام على تخوم جنديرس للحصول على مساعدات من المنظمات الإنسانية على أنهم من سكان المنطقة المتضررين”، لافتاً إلى أن “الفصائل وسكان المخيمات فرضوا ضرائب على شاحنات المساعدات القادمة من إقليم كردستان تقدر بألف دولار عن كل شاحنة مقابل السماح لها بالمرور إلى جنديرس، قبل أن يستولي المدعو أبو عمشة والمدعو سيف أبو بكر على هذه المساعدات ولم يتمكن المسؤولون عنها من توزيعها على المحتاجين، هذا كله دفع الكثير من المنظمات الإنسانية للعزوف عن القدوم إلى المنطقة، الأمر الذي ينذر بكوارث تهدد حياة آلاف السكان”.
قطر تبنى مستوطنة جديدة بجنديرس ومخاوف من تغيير ديمغرافي ممنهج
وبموازاة هذه السرقات والتمييز العنصري بحق سكان ناحية جنديرس الأصليين من قبل هذه الفصائل، أعلنت قطر عن مشروع لبناء مستوطنة جديدة في الناحية، حيث أفادت ما تعرف بـ”منظمة قطر الخيرية” البدء بتنفيذ مشروع ما تسمى بـ”مدينة الكرامة” في جنديرس لإسكان المتضررين من الزلزال، وسط مخاوف بين السكان ومنظمات حقوقية من أن الخطوة تأتي استكمالاً لمشروع التغيير الديمغرافي الذي بدأ في منطقة عفرين منذ احتلالها من تهجير للسكان الأصليين وإسكان مستوطنين بدلاً عنهم بإشراف وتوجيه مباشر من تركيا، تحت مسمى جمعيات خيرية، ومحاولة استغلال كارثة الزلزال لتنفيذ ذلك.
المتحدث باسم منظمة عفرين لحقوق الإنسان إبراهيم شيخو، أكد أن “الخطوة القطرية تأتي في إطار تغيير ديمغرافي ممنهج للمنطقة وتشكل خطورة أكثر من المستوطنات التي تم بناءها بمنطقة عفرين، كون المستوطنة المزمع بناؤها كبيرة جداً وفق ما أعلن القائمون عليها”، وطالب شيخو قطر “بترميم منازل المدنيين التي دمرت جراء الزلزال وإسكانهم فيها بدلاً من بناء هكذا مستوطنات لن تقود إلا إلى تغيير ديمغرافية المنطقة وإنهاء الوجود الكردي في عفرين حيث أن نسبة الكرد بالمنطقة انخفضت بعد الاحتلال التركي عام ألفين وثمانية عشر إلى خمس وعشرين بالمئة مقابل خمس وسبعين بالمئة للعرب المستوطنين”.
إذاً، ورغم الزلزال المدمر وما خلفه من ضحايا يقدرون بعشرات الآلاف في سوريا، وما تركه في وجدان العالم والسوريين من أثر قد لا تمحوه الأيام، تواصل الفصائل التابعة للاحتلال التركي مسلسل انتهاكاتها بحق السكان الأصليين في منطقة عفرين، الذين كتب عليهم أن تتلازم حياتهم مع المآسي منذ احتلال منطقتهم من قبل تركيا قبل نحو خمس سنوات، وسط استمرار صمت مريب من قبل المجتمع الدولي إزاء هذه الممارسات.