أحمد قطمة
دخلت مساء الثلاثاء\ الرابع عشر من فبراير الجاري، أول قافلة مساعدات إنسانية مقدمة من مناطق الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، تحت اسم “هنا سوريا” إلى مناطق شمال غرب سوريا، التي تعرضت لأضرار كبيرة بفعل الزلزال الكبير الذي وقع فجر السادس من فبراير الجاري، كان أكثرها شدة في مدينة جنديرس جنوب غرب منطقة عفرين.
وقال ناشطون إن المساعدات الإغاثية من مناطق شمال شرق سوريا، ترغب بالتوجه إلى مدينة جنديرس، في ظل الأنباء الواردة عن الأضرار المدمرة التي ألحقها الزلزال بها، بجانب الشهادات الصادمة عن عمليات التمييز العنصري التي تطال السكان الأصليين الكُرد بالمنطقة، خلال عمليات رفع الأنقاض، حفر القبور وتوزيع المساعدات، كانت “منصة تارجيت” قد استعرضت بعض الشهادات حولها في تحقيق خاص.
وجاء دخول القافلة بعد حملات أطلقها الأهالي في مناطق شمال شرق سوريا، الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” و”الإدارة الذاتية”، تحت مسميات “فزعة الرقة” و”فزعة الفرات” وفزعة إخوة”، لجمع التبرعات استجابة لنداء المتضررين من الزلزال.
وحول دخول القافلة، أصدر “تحالف منظمات المجتمع المدني في شمال وشرق سوريا”، وهي الجهة التي قامت بجمع المساعدات وتسيير القافلة، بياناً مساء الثلاثاء، قال فيه إنه قد “أثمرت الجهود واستطاع التحالف رغم كل التحديات من مد جسر من كافة مناطق شمال وشرقي سوريا، من أقاليم دير الزور، الرقة، الجزيرة، والفرات الى إخوانهم في مناطق شمال غربي سوريا، في كافة المناطق المتضررة في عفرين، ادلب وشمال حلب عبر ادخال قافلة مكونة من 82 شاحنة كدفعة أولى على مدى يومي الثالث عشر والرابع عشر من شباط 2023 الجاري، بالتوازي مع مساعدات أهلية أخرى عبرت معبر عون الدادات شمال منبج”.
فزعة الأقاليم الأربعة
وبهذا الصدد، قالت أفين شيخموس، وهي منسقة في “تحالف منظمات المجتمع المدني لشمال وشرق سوريا” حول القافلة الأولى من شرق الفرات إلى غربها، في تصريح خاص لمنصة “تارجيت”: “بالنسبة لحملة هنا سوريا التي أطلقت في 10 شباط 2023، بعد الزلزال المدمر الذي حدث في 6 شباط 2023 في سوريا وتركيا، طبعاً الكثير من المدن في الشمال السوري أصبحت مدمرة تقريباً بشكل شبه كامل، هناك أضرار كثيرة لحقت بهذه المدن، لذلك كان لابد لتحالف منظمات المجتمع المدني، من المسارعة للقيام بحملة لتساعد السوريين في الشمال السوري”.
وتابعت: “أطلقت على هذه الحملة اسم (هنا سوريا)، وتسارع إليها وتبرعت لها المنظمات، العشائر، أبناء كل المناطق، أبناء الأقاليم الأربعة من الجزيرة، دير الزور، الرقة والفرات، الكبير والصغير، الجميع سارع للتبرع، ووصل عدد الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية، بأساسيات المنزل من بطانيات، لُحف، مخدات، اسفنجات، ملابس، غذائيات، حليب أطفال، حفاضات أطفال، مياه، خيم، أدوية، كل هذه وصل عددها إلى 82 شاحنة كبيرة”.
سوريين بلا حدود
ووفق “شيخموس”، هذه القافلة كانت الدفعة الأولى من المساعدات، بالإضافة إلى مبالغ كبيرة من النقود، يتم تحويلها على دفعات إلى الأهالي السوريين في الشمال السوري خاصة في المدن المنكوبة، وبخصوص شعارات الحملة، التي كان من بينها “سوريون بلا حدود”، و”لا بدّ أن تصل أيادي السوريين لبعضهم البعض”، والرسالة منها، ذكرت المنسقة: “الحملة هي (هنا سوريا)، ونحن أردنا أن يكون هناك تعبيرات كثيرة من السوريين في شمال وشرق سوريا، الى السوريين في الشمال السوري”.
مستكملةً: “لذلك كان هناك رسائل من السوريين إلى السوريين، مثل إننا نحن يد واحدة، سوريين بلا حدود، ولابد أن تصل أيادي السوريين لبعضهم البعض، مهما بنيت جدران، ومهما كانت هناك أسلاك، نحن نبقى سوريون وأبناء سوريا الواحدة”، منوهةً أن رسالتهم كانت إثباتاً للعالم جميعاً، “إننا دائماً كسوريين سنناشد بعضنا، ونبقى يداً واحدة، ولن نتخلى عن بعضنا، نحن سوريون وإخوة، ووصلت الرسالة”.
العراقيل والشروط
وفيما يخص العراقيل التي واجهت مرور القافلة من مناطق شرق الفرات إلى غربها، والتأخير الذي استمر أياماً ولاقى امتعاضاً داخلياً ودولياً نتيجة رفض المعارضة ممثلة بالفصائل والحكومة المؤقتة في شمال غرب سوريا استقبال المساعدات من مناطق “الإدارة الذاتية”، قالت “شيخموس” لـ”تارجيت”: “كان هناك عراقيل كثيرة، وأكبر الصعوبات التي واجهتنا هي التحديات بفتح المعابر، الموافقات، جمع المساعدات، إعداد القوافل، ولن أخفيك أن التحديات كانت كبيرة، والتعب كان كثيراً، لكن عندما فتحت الأبواب ودخلت القافلة، بدأت سعادتنا تطغو على التعب، ولازلنا نعمل من أجل إيصال الدفعة الثانية أيضاً إلى المدن المنكوبة”.
وحول شروط المعارضة التي قبلت أخيراً بعبور القافلة، بعد نحو أسبوع من المنع، أوضحت المنسقة بانه “لا شروط قاسية ولا شروط قوية، فمن طرف الإدارة الذاتية لم تكن هناك شروط أبداً، بالعكس كانت هناك تسهيلات كبيرة مشكورة عليها، وأيضاً من الطرف الآخر، تم التفاهم وتمت الاستجابة إلى رسالتنا، وجرى إدخال القوافل، وهناك منظمات ووجهاء عشائر في الداخل تعاونوا معنا من أجل دخول القوافل، ومشكور كل من ساهم بإيصالها، وكل من يساهم إلى الآن بمد يد العون”.
وتمنت “شيخموس” أن تصل المساعدات إلى كل من يستحقها، خاصة من لحق به الضرر، مردفةً: “نسمع كثيراً أن هناك حالات نهب وسرقة وعدم إيصال المساعدات إلى الشخص المناسب، ولكوني متواجدة هنا (شمال شرق سوريا)، لا أستطيع أن أطلق عبارات مُجحفة أو أتهم أي أحداً، لذلك اتمنى أن تصل هذه المساعدات، وأتوقع إنها ستصل إلى من يستحقها، دون تفرقة بين أحد مِمن طالهم هذا المُصاب، كهدايا من أبناء شمال وشرق سوريا”.
ليس السوريون من يمنع المساعدات
وحسب المنسقة في “تحالف منظمات المجتمع المدني لشمال وشرق سوريا”، وصلت مساعداتهم مساء الثلاثاء، إلى مدينه جنديرس، موضحةً أنه توجد ضغوط وجهود كبيرة، فـ”جنديرس” شبه مدمره بالكامل، لذلك يُركز عليها كثيراً، من أجل مساعدة أهاليها، دون أن تخفي المنسقة أن “السياسة دخلت في القصة”.
قائلةً: “لعبت السياسة دورها كما لاحظنا ولاحظتم كلكم، ومُنع دخول المساعدات إلى أماكن في شمال سوريا، وأماكن في حلب وغيرها، لكننا نادينا كمجتمع مدني، بأننا مدنيون سوريون ولا مكان للسياسة هنا، ويجب أن نقف بجانب كل من تضرر من هذا الزلزال”، ورأت “إن من يقوم بالتسييس لا يرغب بتقديم المساعدة”، مؤكدةً: “ليس السوريين من يمنعون، هناك من يضغط ومن يسيطر عليهم لمنع المساعدات، السوريون دائماً خلال 12 عاماً ظلموا، نتمنى أن يتوقف هذا الظلم، يتوقف هذا الدمار، وتكون المرحلة من اليوم وصاعداً، تكاتف يُعيد سوريا”.
حكومة دمشق تُساوم
وفي سياق ذي صلة، دخل مساء الأربعاء، 100 صهريج من مادة المحرقات، ضمن قافلة مساعدات مقدمة من “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة دمشق، عبر معبر التايهة، بغية إغاثة السكان المتضررين من الزلزال في حلب.
وقد عرقلت حكومة دمشق على مدار الأيام السابقة من الزلزال، عبور المساعدات المقدمة من “الإدارة الذاتية” للمناطق الخاضعة لسيطرتها، مشترطةً حصولها وفق التسريبات على 80% من إجمالي الكميات العابرة، ليرسلها إلى المناطق الخاضعة لسيطرته في دمشق وغيرها، رغم أنها لم تتضرر فعلياً بالزلزال.
لكن عبور القافلة المكونة من 100 صهريج من مادة الديزل، تم وفق معلومات متداولة، مقابل حصول حكومة دمشق على 60% منها، وحول ذلك، اكتفى “جوان ملا إبراهيم”، الرئيس المشترك لدائرة الاعلام في شمال وشرق سوريا، في تصريح خاص لـ”ترجيت”، بتأكيد وجود مفاوضات جرت بينهم وبين “النظام على الكميات التي سوف تتسلم للمنكوبين، والكميات التي ستتوزع في مناطق سيطرته”.
قائلاً: “بنهاية الأمر، أوقفنا كل شيء، وقلنا إن الأهم أن تصل المساعدات للمنكوبين”، في إشارة إلى تعنت حكومة دمشق وإصرارها على تحقيق مكسب اقتصادي رغم الحالة الإنسانية الصعبة للسوريين في المناطق المنكوبة بالزلزال، وجاهزيتها للاستمرار بمنع عبور القافلة إلا بشروطها.
مستطرداً: “كان هدفنا تسليم المحروقات للمنكوبين، وللآليات وفرق الإنقاذ، لم نقل لمن سوف تتسلم، ولا كيف سوف تتسلم، لكن قسم منها سيتوجه للأشرفية والشيخ مقصود والشهباء، وقسم سيتوجه إلى المناطق المنكوبة السورية الأخرى، حيث ستوزعها حكومة دمشق”.
الهلال الأحمر الكردي ينتظر
وستُوزع القافلة في المناطق الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” ضمن مدينة حلب وريف حلب الشمالي، المعروف بـ”مناطق الشهباء”، حيث يقيم مئات الآلاف من مهجري عفرين، حسب ما قاله “ملا إبراهيم” لـ”تارجيت”، “عن طريق المجالس وفرق الإنقاذ الموجودين هناك”.
إلا أنه ورغم عبور قافلة الصهاريج آنفة الذكر، لا تزال قافلة أخرى تابعة لـ”الهلال الأحمر الكردي” ممنوعة من العبور، حيث تحدثت تقارير عن مساومات تقوم بها حكومة دمشق، بغية الحصول على نصف القافلة، بما فيها سيارات الإسعاف، وبالصدد، قال “ملا إبراهيم” لـ”تارجيت”: “قافلة الهلال الأحمر الكردي لا تزال موجودة على معبر التايهة، حيث عبرت قافلة صغيرة للمنظمة في أول يوم من الزلزال، لكن القافلة الأساسية لا تزال بمكانها على المعبر”.
وتتألف قافلة “الهلال الأحمر الكردي”، وفق المسؤول من “سيارتي اسعاف ومعدات طبية وفريق طبي متكامل، مؤلف من أكثر من 20 شخصاً، بحوزتهم أدوية ومواد إغاثية، مجموعها بحدود 7 سيارات، تضم أشياء كثيرة كحليب أطفال، الألبسة، وغيرها”.
وهنا دعونا نتساءل، هل يحق لأحد أن يمنع على السوريين مد يد العون للسوريين؟، علماً أن من يمنعون السوريين للوقوف بجانب بعضهم يتلقون المساعدات من ألد أعدائهم التاريخيين، فتركيا التي تمنع فتح المعابر بين السوريين تلقت المساعدات من اسرائيل وكذلك أرمينيا واليونان وصَمَتَ ما صنع الحداد بينهم، أما بين السوريين فلا وجود لما صنع الحداد الا من شاء أن يكفر بسوريا ديكتاتوريةً وتدخلاً احتلالياً.