القامشلي ـ علي عمر
وسط فتور يسود المشهد من قبل كل من حكومة دمشق وتركيا بشأن مسار التطبيع بينهما الذي كان قد بدأه وزيرا دفاعيهما بلقاء ثلاثي إلى جانب وزير الدفاع الروسي في موسكو أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتريث بشأن المضي قدماً في هذا المسار وضبابية بشأن مستقبله، تعلن روسيا رسمياً عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف دعوة إيران للمشاركة في اجتماعاته.
لافروف، قال خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري في موسكو، إنه تم التوصل إلى اتفاقية بشأن مشاركة إيران بعمليات الوساطة في المفاوضات بين سوريا وتركيا، ما اعتبره مراقبون تأكيداً على مساع موسكو الحثيثة لمحاولة إنعاش هذا المسار وجعله يبدو مفاوضات سياسية رسمية، خاصة في ظل العقبات الكبيرة التي تعترض طريقه التي من أبرزها بعض مطالب حكومة دمشق التي تبدو صعبة إن لم تكن مستحيلة التحقيق، وعلى رأسها مطالبة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بشكل صريح بضرورة إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية كشرط مسبق للمضي قدماً في تطبيع العلاقات
إيران التي التزمت الصمت لأيام حيال مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، قبل أن تعود وتعلن عبر وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان من العاصمة اللبنانية بيروت ترحيبها بالخطوة، ومن الجلي أن تركيا وايران تقفان على طرفي نقيض في كثير من المسائل في سوريا ليس أقلها مساندة كل منهما لطرف في الصراع الدائر، يقول محللون إنها لم تتقبل أن تكون خارج أي تسويات أو اتفاقيات تخص سوريا والتي كان من بينها غيابها من اللقاء الثلاثي السوري التركي الروسي في موسكو، الأمر الذي دفع روسيا لأخذ هذا الأمر في الحسبان فعملت على إشراكها في الخطوات القادمة من مسار التطبيع بين أنقرة وحكومة دمشق.
الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، قالت في تصريحات لمنصة “تارجيت”: “إن موسكو وأنقرة وطهران منخرطون في الأزمة السورية منذ بدايتها، وعليه فإن دعوة إيران للمشاركة بمفاوضات التطبيع ليس بالأمر المستغرب، كما أن التقارب الروسي الإيراني قديم منذ أيام الاتحاد السوفييتي رغم الخلافات السطحية، إلا أن معالم هذا التقارب توضحت أكثر حين وقفوا إلى جانب النظام السوري ضد “الثورة” السورية، في حين أن العلاقات الروسية التركية حديثة وبدأت بشكل واضح بعد شراء أنقرة بطاريات “إس400″ الروسية، إلا أنها بعد اندلاع الحرب الأوكرانية سارعت لتسليح كييف بالطائرات المسيرة في مواجهة روسيا، وهذا يدل على أن موقف أنقرة أكثر استقلالية في التعامل مع موسكو قياساً بموقف طهران”.
لمى الأتاسي، أضافت أن “روسيا قبلت بشروط أردوغان بسوريا فيما يتعلق بالملف الكردي وإن كان على حساب حليفها الإيراني، وعليه فإن هناك اختلاف في الرؤى بين موسكو وطهران بالملف السوري، كما أن موسكو لم تستطع اتخاذ موقف ضد تركيا بعد دعمها لأذربيجان بمواجهة حليفتها أرمينيا في حين وقفت إيران بشكل واضح إلى جانب يريفان خلال الحرب بين البلدين، فلذلك هناك اختلافات بين هذه الدول في كثير من الملفات لكن هناك بالمقابل مصالح”.
عقبات كثيرة تعترض مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق
محاولات روسيا الحثيثة لرأب الصدع في العلاقات بين تركيا وحكومة دمشق، تصطدم بمعوقات وعراقيل كثيرة تعترض طريق التطبيع وتجعل منه يسير في طريق مجهول، آخرها من أعلنته تركيا عن مواصلة دعمها لجهود منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الرامية لضمان محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، وذلك في أعقاب صدور تقرير عن المنظمة الدولية قبل أيام يحمّل حكومة دمشق المسؤولية عن هجوم بغاز الكلور على مدينة دوما بريف دمشق عام ألفين وثمانية عشر، أسفر عن مقتل ثلاثة وأربعين شخصاً، وقالت الخارجية التركية في بيان إن التحقيقات أثبتت مسؤولية النظام السوري عن الهجوم، ما فسر على أنه تغير في موقف تركيا بشأن المضي بالتطبيع.
التغير بالموقف التركي عزاه مراقبون إلى المعارضة الأمريكية الكبيرة لأي تطبيع من جانب أي دولة مع حكومة دمشق، والتي بدت جليةً خلال زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى الولايات المتحدة قبل أيام ولقائه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، رغم مطامح أنقرة بتنفيذ الخطة التي أعلنها الرئيس التركي رجب أردوغان بإعادة ملايين اللاجئين السوريين وتوطينهم بالشمال السوري، كأحد أبرز الأوراق الانتخابية التي يمكن من خلالها كسب الناخب التركي والفوز في الانتخابات القادمة، التي أكدت جميع استطلاعات الرأي بشأنها تقارب الحظوظ بين أردوغان والمعارضة.
الباحثة والسياسية السورية لمى الأتاسي، اعتبرت أنه من غير المرجح نجاح محادثات التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، لأن تركيا تريد أخذ دور روسيا في سوريا وموسكو تعي ذلك جيداً ولن تقبل بتنازلات كبيرة إلا إن أجبرت وذلك إن حصل فهو يحتاج إلى وقت طويل، مؤكدةً أنه ورغم المحادثات الدبلوماسية والرسائل المتبادلة واللقاءات إلا أنه ليس هناك أي إمكانية للتوصل إلى توافقات فيما بينهما، مشيرةً إلى أنه فيما لو تم المضي قدماً بالتطبيع بين تركيا وحكومة دمشق وتقديم روسيا تنازلات تخص النفوذ التركي في سوريا وذلك مستبعد طبعاً، فإن ذلك يعني وجود موافقة دولية على مسار التطبيع ما يعني أيضاً انسحاباً تدريجياً لإيران من سوريا وهذا مرتبط بمسار آخر هو المفاوضات النووية بين طهران والقوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي وهذا ما لا تقبله إيران، ومشددةً على ضرورة انخراط عربي أكبر بأي محادثات تخص الملف السوري لاسيما من قبل السعودية وعدم إفساح المجال لإيران وروسيا بالتفرد باتخاذ قرارات وعقد تسويات وفقاً لمصالحهما.
طريق “M4” على خط مسار التطبيع بين أنقرة وحكومة دمشق
ومن بين أبرز الملفات في مسار التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق، ملف الطريق الدولي “إم فور” الرابط بين حلب واللاذقية، حيث تحدثت وسائل إعلام سورية مؤخراً عن خطة لإعادة فتحه كإحدى خطوات التطبيع، ومحادثات روسية تركية ليكون على رأس الملفات، الأمر الذي يثير المخاوف لدى السكان في القرى والبلدات القريبة من الطريق بريفي إدلب وحماة، ويثير التساؤلات بشأن موقف الفصائل المسلحة و”هيئة تحرير الشام” المنتشرة بالمنطقة في حال المضي بالخطة، التي تعني انسحاب هذه الفصائل من محيطه خاصة في منطقتي سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي وسهل الروج بريف إدلب الغربي، ما يفسح المجال لتقدم قوات حكومة دمشق، التي يقول ناشطون سياسيون إنها ستكون المستفيد الأكبر من إعادة فتح الطريق أمام القوافل التجارية والبضائع وهو أمر يمهّد لها للمطالبة مستقبلاً بالسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا كـ”باب الهوى وباب السلامة”، مؤكدين أن روسيا تحاول استغلال بدء مسار التقارب والتطبيع، للمطالبة بفتح طريق حلب – اللاذقية، لفك عزلة دمشق وإعادة سوريا إلى مركزها كعقدة وصل بين تركيا والدول العربية، والخروج من نفق الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها مناطق سيطرة حكومة دمشق.