القامشلي ـ علي عمر
منذ تحول الحراك الشعبي في سوريا إلى صراع مسلح قبل أكثر من عقد، تتوالى التقارير عن استخدام أسلحة محرمة دولياً بينها غازات سامة خلال هذا الصراع من قبل عدة أطراف، وتتهم حكومة دمشق وحليفتها روسيا بالدرجة الأولى بالوقوف وراء هكذا هجمات، حيث جرى تحميلها مسؤولية تسع هجمات شهدتها البلاد على مدى اثني عشر عاماً.
آخر هذه التقارير وأحدثها ما أكدته منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بشأن مسؤولية حكومة دمشق عن هجمات بغاز الكلورين على مدينة دوما بالغوطة الشرقية بريف دمشق في السابع من نيسان/ أبريل عام ألفين وثمانية عشر، والذي أودى بحياة ثلاثة وأربعين شخصاً، وقالت إن محققيها “خلصوا إلى مبررات معقولة” تفيد أن النظام السوري يقف وراء تلك الهجمات، مشيرةً إلى هناك مروحية واحدة من طراز “إم إي 8/17” تابعة لقوات حكومة دمشق انطلقت من قاعدة الضمير الجوية التي تسيطر عليها قوات “النمر” المقربة من روسيا وأسقطت إسطوانتين من الغاز السام على دوما، ولافتةً إلى أن القوات الروسية قامت بأنشطة انطلاقاً من القاعدة وقت الهجوم وعملت “عن كثب” مع القوات المذكورة.
محاكاة ودلائل
وبحسب تقرير المنظمة الدولية، الذي استند على فحص سبعين عينة بيئية وطبية وست وستين إفادة من شهود وبيانات أخرى بينها تحليلات جنائية وصور أقمار صناعية إلى جانب “نمذجة” انتشار الغاز ومحاكاة المسار، فإن الأسطوانة الأولى “تفككت وأطلقت سريعًا غازًا سامًا هو الكلورين بتركيزات عالية جدًا، وانتشر بسرعة داخل أحد المباني ما أسفر عن مقتل 43 شخصاً وإصابة العشرات، في حين تحطمت الأسطوانة الثانية في شقة سكنية وأطلقت بعض “الكلورين” ما أثر على الذين وصلوا أولاً إلى مكان الحادث، وقال عمال إغاثة إنهم أسعفوا أشخاصاً يعانون من ضيق التنفس ورغوة في الفم وأعراض أخرى.
التقرير الأممي الذي يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا على مدى سنوات الصراع، يفتح الباب مجدداً على مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية في الحرب لا سيما من جانب حكومة دمشق، التي كانت قد أعلنت تسليم جميع مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية في أعقاب هجوم بغاز السارين على الغوطة الشرقية عام ألفين وثلاثة عشر وأسفر حينها عن مقتل أكثر من ألف وثلاثمئة شخص وإصابة المئات.
الباحث السياسي والمعارض السوري المستقل عصام زيتون، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن التقرير صادر عن منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي تتبع بدورها للأمم المتحدة ومن المعلوم أنها منظمة (بدون أظافر) وليس لديها الأدوات لفرض أي قرارات أو محاسبة للنظام السوري أو الإقدام على عمل عسكري ضده، فهذه الأمور مرتبطة بدول عظمى على رأسها الولايات المتحدة، التي بغض النظر عن نواياها الحقيقية بشأن إسقاط النظام، فإنها غير مستعدة هي والحلف الغربي، للدخول في حرب مع روسيا من أجل تنفيذ قرار أممي، حيث سبق وأن قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي تدين هذا النظام، لم تنفذ بسبب العناد الروسي”.
زيتون، أضاف أن “روسيا دولة مارقة وتشكل حلفاً إلى جانب إيران وكوريا الشمالية وترعى دولاً مارقة ولا تلتزم بالقرارات الدولية، وتعودت على العقوبات وتأقلمت مع حلفائها كونها دول مارقة، معتبراً أن انتهاكات حقوق الإنسان، لا تلعب دوراً كبيراً في العلاقات الاستراتيجية بين الدول، لذلك نرى دول أعادت علاقاتها مع النظام السوري أو لم تقطع علاقاتها معه من الأساس، وبعضها مضطر للتعامل مع هذا الحلف الذي يلتف على القانون الدولي”.
من جانبهم، قال وزراء خارجية الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك: “إن على روسيا التوقف عن حماية النظام السوري من (عواقب) مسؤوليته عن استخدام أسلحة كيماوية”، مؤكدين أن “التضليل الإعلامي في العالم لن يكون قادراً على إخفاء الدور الذي لعبته روسيا في تشجيع نظام بشار الأسد على ارتكاب الانتهاكات بحق شعبه”.
التوازنات تعيق قرارات المنظمات الدولية
الباحث السياسي السوري عصام زيتون، لفت في تصريحاته لمنصتنا، إلى أن “التحرك لمحاسبة النظام مرتبط بالتوازنات على الأرض وسير المعارك في المناطق المرتبطة بهذا الحلف من أوكرانيا إلى لبنان وكوريا الشمالية سوريا واليمن وغيرها وليس بالقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية، لذلك وزراء خارجية الدول الغربية رغم تنديدهم ومطالبتهم روسيا برفع الغطاء عن بشار الأسد، إلا أن دولهم غير مستعدة للدخول في حرب مع ورسيا وبالتالي حرب عالمية جديدة فقط من أجل محاسبة النظام”.
وكانت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية قد حملّت في تقرير في نيسان/ أبريل ألفين وواحد وعشرين، حكومة دمشق مسؤولية هجوم بغاز الكلور في ريف إدلب الجنوبي، وقالت إن “هناك أسباباً معقولة” للاعتقاد أن مروحية تابعة للنظام السوري، قامت بتنفيذ هجوم شرقي مدينة سراقب جنوبي إدلب في شباط ألفين وثمانية عشر، ما أسفر عن إصابة اثني عشر شخصاً، وذلك بعد تحميل تقرير صادر عن المنظمة في الثامن من نيسان ألفين وعشرين، دمشق مسؤولية هجوين آخرين بغازي السارين والكلور، استهدف بلدة اللطامنة بريف حماة في آذار/ مارس ألفين وعشرين، وأسفرا عن إصابة أكثر من ستين شخصاً بحالات اختناق.