القامشلي ـ علي عمر
حادث انهيار مبنىً مؤلف من خمسة طوابق على رؤوس ساكنيه في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب شمالي سوريا، إلى جانب المأساة الإنسانية التي خلفها وما نتج عنه من فقدان ستة عشر مدنياً لحياتهم وإصابة اثنين آخرين من سبع عوائل، يسلط الضوء على البنية التحتية المنهارة في سوريا عموماً وفي الشيخ مقصود والأشرفية ذوي الغالبية الكردية خصوصاً والخاضعين لحصار شديد تفرضه قوات حكومة دمشق منذ أشهر، ويطرح تساؤلات بشأن الضحايا الذين تقول تقارير حقوقية وإعلامية إن غالبيتهم من مهجري منطقة عفرين المحتلة من قبل تركيا منذ عام ألفين وثمانية عشر.
بعد إعلان فرق الطوارئ والإنقاذ انتهاء أعمال بحث تحت الأنقاض بمشاركة متطوعين مدنيين استمرت ثلاثين ساعةً متواصلة وتشييع سكان الحي ضحايا انهيار المبنى، الذي تقول نتائج التحقيقات الأولية لقوى الأمن الداخلي في حلب إن انهياره جاء نتيجة تسرب المياه من التصدعات في أساساته، تفتح الحادثة صفحة جديدة من مآسي السوريين لا سيما في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب ومناطق بريف المدينة الشمالي بمن فيهم مهجرو عفرين المحتلة الواقعين بين سندان القصف والهجمات التركية المتكررة ومطرقة حصار وإجراءات حكومة دمشق، والأخطار التي تهدد حياة مئات آلاف الأشخاص في هذه المناطق.
صرخات مكلومة
يقول أمين عليكو وهو من قاطني حي الشيخ مقصود: “الحرب لم تقتلنا وقاومناها، وكذلك الحصار الجائر المفروض علينا والذي بدأ بقطف أرواح أطفالنا برداً، والذي مازلنا نعاني منه، ولكن وصل بنا الأمر الى أن بيوتنا تنهار فوق رؤوسنا وتحصد أرواحنا، فالى متى يبقى صمت المنظمات الدولية تجاه ما نعانيه”. قد تبدو هذه الصرخة يائسة في وجه نظام يستخدم حصار المدنيين للحصول على مكاسب سياسية، وفي وجه منظمات دولية تغض الطرف عن ما يحدث في المناطق الكردية، ولكنها في الوقت ذاته تشي بمقدمات للانفجار.
صرخة أخرى من أم مكلومة بفقدان ابنها، “أم نعيم” التي فقدت ابنها الشاعر “رضوان صبري” مستندة على عكازها وتصرخ أمام المشفى الذي ضم رفات ابنها بكرديتها العفرينية العتيقة: “رضوان يا رضوان لم تسافر من هنا وعاندت كل شيى للبقاء على هذا التراب، ووعدتني بأننا سنعود لعفرين وقريتنا، فأين أنت الآن؟ لماذا لا تجيبني؟”.
أنين وصراخ آخر أثناء مراسيم الدفن تطلقه أخت صبحي جعرور الذي فقد حياته في انهيار المبنى: ” صبحي تكلم معي، لقد حاربت داعش وحاربت جبهة النصرة والإرهاب ولم نفقدك، ولكن أن تموت بانهيار مبنى أين العدالة في ذلك؟”.
وفي توضيح لمنصة تارجيت قالت ليلى خالد الإدارة المشتركة لمنتدى حلب الثقافي في الحي: “حيي الشيخ مقصود والأشرفية من أحياء حلب الشعبية ومعروف عن هذين الحيين أن غالبية سكانها من الكرد وهي عبارة عن منازل عشوائية و سكانها ذوو دخلٍ محدود”.
وأضافت خالد “لم يسلم هذان الحيان من الهجمات العدوانية في بداية ما سميت بـ “الثورة” والتي تفاقمت وتحولت لأزمة عارمة سادت البلاد، ولكن تكاتف الأهالي مع الإدارة الموجودة في الحي والقوى العسكرية في التصدي للعدوان تكللت بالنصر، أما الحصار الخانق المفروض عليها من قبل الفرقة الرابعة التابعة لحكومة دمشق لا زالت مستمرة من خلال منع دخول الوقود ومادة الطحين و السكر والأدوية و احتياجات الرضع”.
وتسرد خالد مع تنهيدة عميقة: “في تاريخ 22/1/2023 استيقظ أهالي الشيخ مقصود على فاجعة انهيار مبنى مأهول بالسكان المهجرين قسراً من عفرين ووجدوا مأمنهم في هذا الحي البسيط، و لكن أغلب أبنية هذا الحي مهدد بالانهيار نتيجة سقوط قذائف الهاون و صواريخ الفيل و قذائف المدفعية ما أدى إلى تدمير جزئي للبنية التحتية و تسرب المياه لتحت المباني، ولقلة الإمكانيات المتوفرة نتيجة الحصار و الكادر المختص في فحص المباني أدى لانهيار مبنى يتألف من خمسة طوابق وراح ضحيته ستة عشر شخصاً بأعمار متفاوتة وقضوا نحبهم تحت الأنقاض”.
صرخة اخرى تضاف لكم الألم الذي يتسلل داخل هذا الحي وتقول ليلى خالد: “العالم كله يراقب الموت البطيء الذي يلازمنا ويهدد أرواح الأطفال وكبار السن دون ابداء أي موقف انساني تجاه هذا الشعب الذي رفض الهجرة و قاوم كل الصعوبات وعاش الحروب على مدار ١٢ عاماً. فلقد كان حي الشيخ مقصود القلعة الشامخة التي دافعت عن حلب بأكملها لا بأسوارها بل بأجساد ابناءها، واليوم حتى هذه الحجارة تغدر بنا ومزقت أجساداً بريئة لجأت إليها ولم تحتويها وكأن القدر اللعين الذي يرافق كل كردي وعفريني يعاكس امنياتنا، وكأن مارد الموت يعشقنا بقدر ما نعشق الحياة”.
تختتم خالد حديثها لمنصتنا بالقول: “الموكب المهيب الذي خرج لتشبع الضحايا كان مشهداً فريداً في هذه المرحلة، توقفت الحياة ولبست السواد كل القلوب دامية وكل العيون دامعة ومشاعر الألم تحرق أكباد الثكالى وكأن الموت يتفنن ويتلذذ في قتلنا، يقال أنه كتب على جبين كل البشر إما شقي أو سعيد، وأنا أقول يبدو أنه كتب على جبين الكرد إما جريح أو شهيد”.
الأشرفية والشيخ مقصود تكتظان بالسكان من مهجري عفرين ومناطق سورية أخرى
الإدارة المشتركة لحيي الشيخ مقصود والأشرفية هيفين سليمان، قالت في تصريحات لمنصة تارجيت، إن الحكومة السورية قبل اندلاع الأزمة عام ألفين وأحد عشر، لم تكن تقدم الخدمات الضرورية للحيين ذات السكن العشوائي من حيث البنية التحتية وخدمات المياه والصرف الصحي، مؤكدةً تعرض المنطقة لقصف عنيف إبان المعارك التي شهدتها مدينة حلب عام ألفين وثلاثة عشر وما بعده بينها المبنى المنهار، ما أثر على المباني التي تدمر بعضها، وأصبح بعضها الآخر مهدد بخطر الانهيار في أي لحظة.
هيفين سليمان، أضافت أن الحيين يكتظان بالسكان بعد أن أصبحا وجهة لمهجري عفرين بعد احتلالها والعائلات السورية النازحة من مناطق أخرى وحتى العائدة من لبنان ودول الجوار، في ظل حالة الأمن والاستقرار التي يشهدانها قياساً بمناطق حلب الأخرى، حيث يتم تسليم هذه العوائل وبشكل مجاني منازل في الحيين تعاني من انهيار في بنيتها التحتية جراء القصف كما أن الرطوبة أكلت من جدرانها، والتي أصبحت تحتاج إلى هدم وإعادة بناء من جديد، الأمر الذي من غير الممكن تنفيذه بالوقت الحالي في ظل ضعف الإمكانيات والحصار المفروض، مؤكدة أن هذه العوائل ستضطر مجبرة للسكن فيها مع انعدام الحلول أمامها خاصة في ظل البرد القارس مع دخول فصل الشتاء.
وكشفت مصادر من داخل الحي أن القوات الأمنية في حي الشيخ مقصود قد ألقت القبض على مالك المبنى المنهار والذي كان قد حول الطابق الأرضي من المبنى الى مغسلة سيارات بعد أن أزال بعض الجدران الداخلية، والذي يخضع لتحقيق، فقد ظهر مدى هشاشة مواد البناء التي استخدمها مالك العقار في البناء عند ازالة الأنقاض، مدفوعاً بالربح والجشع الذين أوديا الى جانب عوامل أخرى بحياة 16 شخصاً وجرح اثنين.
شح بالمواد الأساسية بالأشرفية والشيخ مقصود جراء حصار حكومة دمشق
وبحسب الإدارة المشتركة لحيي الشيخ مقصود والأشرفية هيفين سليمان، فإن المؤسسات في الحيين لا تستطيع القيام بمهامها على أكمل وجه وتعاني من ضعف الإمكانيات، جراء الحصار التي تفرضه “الفرقة الرابعة” التابعة لحكومة دمشق، التي تمنع دخول المواد الأساسية والأدوية والمحروقات إلى المنطقة منذ أكثر من ثلاثة أشهر وتفرض أتاوات مالية على دخول أي مواد بما في ذلك الحطب اللازمة للتدفئة في ظل الارتفاع الكبير لسعر مادة المازوت وعدم قدرة الأهالي على شرائه وسط أزمة اقتصادية تعانيها البلاد وقلة فرص العمل، في إطار ما تقول تقارير حقوقية إنه معاقبة للسكان المدنيين في المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق والذين يدفعون الضريبة الأكبر للصراع العسكري والسياسي في البلاد، مؤكدةً اشتداد الحصار بالتزامن مع أي هجمات أو تهديدات تركية بهجوم في المنطقة، إلى جانب غياب تام للمنظمات الإنسانية عن الحيين منذ أكثر من ثلاثة أشهر.
وكانت مصادر محلية من داخل حيي الأشرفية والشيخ مقصود، قد أفادت قبل أيام أنّ الأهالي في الحيين يجمعون ما تبقى من موادَّ قابلةٍ للاشتعال من المنازل المدمّرة سابقاً من أجل التدفئة أو إعداد الطعام في ظل النقص الكبير بالمحروقات، وسط نفاد لحليب الأطفال واستهلاك المخزون الاحتياطي الذي كان لدى المجلس الصحي في الشيخ مقصود، ما اضطر الأهالي لشراء بعض علب الحليب من مناطق سيطرة حكومة دمشق عبر وسطاء وبأسعار مرتفعة، جراء الحصار المفروض من قبل حكومة دمشق، التي ترجع السبب وراء تردي الخدمات إلى “الحرب والعقوبات الغربية” المفروضة على البلاد.