القامشلي ـ علي عمر
من بيروت إلى دمشق وصولاً إلى أنقرة يواصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان جولاته المكوكية ويلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، في لقاء ليس الأول بين مسؤولي بلدين لم يعد خافياً على أحد أنهما ليس فقط متدخلين بالأزمة السورية بل محتلين لأجزاء من الأرض السورية ومتحكمين إلى جانب روسيا بتوجيه دفة الصراع، بناءً على صفقات واتفاقات ثنائية وثلاثية.
لقاء يأتي على وقع تطورات تشهدها الساحة السورية ليس أقلها التهديدات التركية بشن هجوم بري على مناطق بشمال وشرق سوريا وخطوات التطبيع بين تركيا وحكومة دمشق كان موقف طهران بشأنها تشوبه الضبابية قبل وصول عبد اللهيان إلى بيروت وإعلانه من هناك ترحيبها بالخطوة، رغم اختلافها مع أنقرة في كثير من الملفات في الأزمة السورية أبرزها احتلالها لمناطق بالشمال السوري ودعمها لفصائل معارضة مسلحة، ما يثير التساؤلات والمخاوف بشأن صفقات محتملة دأب الطرفان وروسيا على مدار عمر الصراع في سوريا على عقدها ودفع السوريون الثمن الأكبر لها.
إيران تستشعر الخطر من مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق وتحرك وزير خارجيتها بالمنطقة
الأكاديمي السوري المعارض الدكتور يحيى العريضي، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: ” إن إيران استشعرت الخطر من خطوات التطبيع بين تركيا والنظام السوري ودفع روسيا لأردوغان نحو منظومة الاستبداد في دمشق، لسبب أساسي هو استثماراتها في نظام الأسد فهي لا تتصور أن يحل محلها أحد بالهيمنة والسيطرة على القرار السوري، إلى جانب أنها تعتبر سوريا امتداد لطريقها إلى المتوسط ولبنان وحزب الله، وتريد توسيع النفوذ فيها لقربها من إسرائيل لتزاود على العرب والمسلمين بأنها المدافعة عن القضية الفلسطينية، إلى جانب التجذر هناك ثقافياً وعسكرياً وديمغرافياً، لذلك لا تريد أن تكون خارج قوس في هذا الملف”.
العريضي، أضاف في تصريحاته لمنصتنا، أن “لقاء موسكو الثلاثي بين وزراء الدفاع لكل من تركيا ونظام الأسد وروسيا، لم يكن حدثاً عابراً بالنسبة لإيران لأنها غابت عنه، حيث أن “مسار أستانا” بدأ بين روسيا من جانب النظام السوري وتركيا من جانب المعارضة التي تدعي أنها تمثل السوريين، لكن ما لبثت أن أصبحت إيران أحد أطرافه بعد الجولة الرابعة لأنها تريد أن تكون طرفاً أساسياً في أي تحرك يخص الملف السوري”، مشيراً إلى أن “هناك زيارة كانت مجدولة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق وضعت جانباً واستعيض عنها بجولة عبداللهيان بالمنطقة، بعد بدء مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري الذي تقول تقارير إن طهران فرضت عليه شروطاً مقابل استمرار مساعدته تتعلق بقوانين معاملة الإيرانيين وغيرها مستغلةً الأزمة التي يعانيها في ظل الأوضاع الاقتصادية وقانون المخدرات الذي اتخذه الكونغرس الأمريكي ضده”.
زيارة عبد اللهيان لأنقرة تحمل رسائل لعدة أطراف
الزيارة التي سبقها تصريحات لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال مؤتمر صحفي مع عبد اللهيان في دمشق، قال فيها إن على تركيا إنهاء احتلالها للأراضي السورية كخطوة أولية لاستكمال مسار التطبيع وإعادة العلاقات معها، يقول الدكتور يحيى العريضي : “إن إيران تريد من خلالها إيصال رسالة إلى روسيا بأنها طرفٌ أساسيٌ في أي خطوات مستقبلية تخص الأزمة السورية، وأنها لن تكون خارج الحسابات في أي خطوات من هذا النوع، إلى جانب رسالة أخرى للولايات المتحدة قبيل زيارة لجاويش أوغلو إليها، مفادها القدرة على بناء تحالفات والتوصل إلى تفاهمات تخص الملف السوري وأن طهران لا تزال رقماً صعباً بالمعادلة السورية وملفات أخرى، سيما أن عبد اللهيان تطرق خلال مؤتمر صحفي مع جاويش أوغلو إلى الملف النووي وقال إن التوصل لاتفاق لا يزال ممنكاً، إلى جانب رسالة للداخل الإيراني فحواها أننا لا نزال موجودين وقادرين على حل الأزمات الإقليمية”.
مولود جاويش أوغلو أشاد خلال المؤتمر الصحفي، بما وصفه بـ”العلاقات الوثيقة” بين تركيا وإيران، مشدداً على ضرورة إشراك الأخيرة بمحادثات التطبيع مع حكومة دمشق، ورافضاً ما أسماه “تدخلات الغرب بعلاقات تركيا وخطواتها تجاه دول الجوار كسوريا والعراق”، ما اعتبره محللون رسالة استباقية لواشنطن التي أبدت معارضة شديدة لخطوات التطبيع مع دمشق.
محللون يقولون إن الطرفين التركي والإيراني اللذين يقفان على طرفي نقيض في كثير من الملفات يحاولان التوصل إلى مقاربات وتفاهمات في ملفات أخرى، يحققان من خلالها مكسباً سياسياً وإعلامياً، حيث أن تركيا مقبلة على انتخابات يريد فيها أردوغان وحزبه حزب العدالة والتنمية الحاكم كسب الناخب التركي بعد أن أثبتت جميع استطلاعات الرأي تراجع شعبيته، وإيران تعيش أزمة داخلية على خلفية الاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ أكثر من أربعة أشهر التي فجرها مقتل الشابة الكردية جينا أميني على يد قوات الأمن، إلا أن الأكاديمي السوري المعارض يحيى العريضي، يراهن على فشل جميع التفاهمات والمقاربات بين القوى الخارجية في حال ابتعدت عن جوهر القضية السورية وهي نضال شعب مطالب بالحرية مقابل ما أسماها بـ”منظومة مستبدة”.