ادلب ـ أحمد عبد الرحمن
تعيش المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة في شمال غرب سوريا خلال الأيام العشرة الأخيرة، حالة من الاحتقان والغضب الشعبي على ما يسمى “الائتلاف الوطني السوري المعارض” و “الحكومة السورية المؤقتة” و “هيئة التفاوض السورية” حيال بعض مواقفهم المؤيدة لتطبيع العلاقات والتقارب بين أنقرة وحكومة دمشق، التي أثارت موجة استياء كبيرة بنفوس الأهالي في مناطق ريف حلب الشمالي ومحافظة إدلب الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
حيث تعرض سالم المسلط الذي يشغل منصب “رئيس الائتلاف”، أمس الجمعة، لهجوم بالشتم والضرب من قبل عدد من المتظاهرين الغاضبين بمدينة أعزاز شمالي حلب، كما تم طرده وتحطيم بعض أغراض سيارته، وذلك أثناء نزوله إلى الشارع للمشاركة “بصفته الشخصية” في المظاهرة الشعبية للتأكيد على مواقفه التي ترفض الأسد وإجرامه، حسبما قال المسلط في تسجيل مصور نقلته وسائل إعلام محلية بعد الحادثة بساعات قليلة.
وأوضح سالم في تسجيله المصور، أنه لا يُحمل المتظاهرين المسؤولية عما حدث معه لأنهم أبناء ثورة، وأن “البعض” ممن لديهم أجندة خاصة ومواقف ضد الثورة ومؤسساتها، يتغلغلون بين الشباب بأقنعة تخفي أجنداتهم الحقيقية ليحرفوا الأمور عن مسارها الصحيح، معتبراً أن وجود المذكورين بين الشبان لا يخدم سوى النظام السوري.
تأييد مطالب المتظاهرين
لاقت هتافات المتظاهرون الذين احتشدوا في الساحات بالآلاف، الجمعة الفائتة، المُطالبة بإسقاط الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني بعد وصفهم بـ “عرابي المصالحات” على خلفية مواقفهم المؤيدة إلى حد ما للتصريحات التركية الأخيرة، تأييداً واسعاً من التشكيلات والهيئات المدنية والسياسية العاملة في الداخل السوري، لا سيما بعد إثبات قوى المعارضة الخارجية فشلها على الصعيدين المحلي والدولي.
يقول المحامي عبدالناصر حوشان في تصريح لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إن ما تعرض له سالم المسلط خلال مظاهرة أعزاز كشف الهوة الساحقة بين الثورة من جهة، وبين المتصدرين للقيادة من جهة أخرى، التي يغلب عليهم سيطرة همّ إرضاء المجتمع الدولي على حساب “ثوابت الثورة”، وبناء أجسام القيادة على أساس “المحسوبية”، في وقت لم يبلغوا فيه رضى المجتمع الدولي وإقناعه بصلاحهم بديلاً للأسد، ولا هم بلغوا رِضى الحاضنة الثورية على الصعيد الداخلي.
ويضيف حوشان خلال حديثه؛ “لقد كرّست هذه الممارسات قناعة لدى الحاضنة الشعبية للثورة باستحالة تغيير هذه القيادة لنهجها وسياستها بسبب الارتباط الخارجي والانتهازية التي تمارسها مجموعة مراكز القوى التي تسلطت على القرار، فكانت النتيجة ما حدث في المظاهرات الأخيرة من ضرب واعتداء على مسلط وغيرها من المواقف الأخرى، لافتاً إلى أنه يتوجب على الجميع إعادة تقييم ما سبق من تجارب على كافة المستويات وإلا ستكون المواجهة دموية في المرحلة القادمة.
وفي الأيام الخمسة الماضية أصدرت الفعاليات المدنية والثورية العديد من البيانات الرافضة لمواقف المعارضة السورية الخارجية حيال ما يجري من تطبيع في العلاقات بين أنقرة ودمشق، كما دعت المدنيين لتنظيم تظاهرات مركزية ومستمرة ضد الائتلاف الوطني وهيئة التفاوض وأعضائهما، بالإضافة للحكومة السورية المؤقتة التي أطلق على رئيسها لقب “عراب المصالحة”.
وكان متظاهرون وناشطون في مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، وإدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، قد أقدموا على حرق صور كل من سالم المسلط وعبدالرحمن مصطفى وبدر جاموس، وسط رفض شعبي تام لوصايتهم على الثورة من أي جانب.
انقسام في المواقف والآراء
تسببت حوادث الاعتداء المتكررة والتي كان آخرها الهجوم على رئيس الائتلاف ومن قبلها متزعمي الحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية، بانقسام المواقف والآراء وإحداث شرخ كبير في الشارع الثوري، إذ يرى الصحافي مصطفى العلي “إعلامي سوري من إدلب يعمل مع وكالات إعلامية ومحطات تلفزيونية” أن المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة تعيش الآن مرحلة فوضى ما بعد “الثورة” حيث يريد المتظاهرون الذين يهتفون في الساحات إزاحة وتحطيم كل من يسعى للحلول السياسية التي لا تتوافق مع إردتهم ومطالبهم التي خرجوا لأجلها قبل إحدى عشر عاماً، في وقت لا بد فيه من وجود تشكيل سياسي مخول للحديث بإسم السوريين المتواجدين في شمال غرب سوريا يهدف لنقل مطالبهم إلى الجهات المعنية بالملف السوري واطلاعهم على ما يحدث في المسار السياسي على الصعيد الدولي، لافتاً إلى أن ذلك أصبح من الحلم ويصعب تحقيقه لأنه حتى اليوم لم يعترف أحد بالحكومات التابعة للمعارضة المتواجده بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري” بحسب العلي.
أما العميد الركن أحمد رحال وهو كاتب سياسي ومحلل استراتيجي فقد قال في تصريح لمنصة “تارجيت”؛ إنه يؤيد هتافات المتظاهرين ضد مؤسسات المعارضة الخارجية ويشدد على مطالبهم التي نادت بحل تلك المؤسسات وإغلاق مقراتها بشكل كلي لأنه يراها مطالب محقة بعد أن فقدت حاضنتها الشعبية وفشلت في فرض نفسها أمام المجتمع الدولي، لكنه يعارض إهانة أي شخصية معارضة كائناً من كانت” والمقصود هنا ما تعرض له سالم المسلط من إهانات أول أمس الجمعة.
وأوضح رحال أنه لم يعد أمام الائتلاف وقواه السياسية إلا ثلاثة خيارات متاحة لإعادة فرض نفسه على الحاضنة الشعبية ضمن مناطق نفوذه “إما مواجهة المتظاهرين بالقوة ومنعهم من التظاهر ضده، أو (تطنيش) مطالبهم المحقة التي تتجاهلها رئاسة الائتلاف منذ عقد من الزمن، وإما تقديم استقالة جماعية احتراماً للثورة وتضحياتها وترك الكلمة والقول للمدنيين في الساحات.
تصعيد عسكري للمعارضة بإدلب
تشهد جبهات القتال الممتدة من ريف اللاذقية الشمالي إلى المناطق الغربية من حلب خلال الأسبوعين الأخيرين، تصعيداً عسكرياً من قبل الفصائل المعارضة العاملة في إدلب، حيث نفذت الأخيرة العديد من العمليات العسكرية المحدودة على مواقع تخضع لسيطرة النظام وروسيا والمليشيات الإيرانية تمكنت خلالها إلحاق خسائر في المواقع التي تمت مهاجمتها.
وقال مصدر عسكري من المعارضة (فضل عدم كر اسمه) في تصريح لمنصة “تارجيت” إن العمليات التي تقوم التشكيلات العسكرية بتنفيذها، تأتي في إطار الرد على التصريحات التركية التي تنص على تطبيع العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق، ورداً لما دعى له وزير الخارجية التركية في وقت سابق أنه “يجب على المعارضة التصالح مع النظام السوري والحوار معه”.
وحذر المصدر المدنيين المتواجدين شمال غرب سوريا من الانسياق وراء ما يتم الترويج له من بعض الأشخاص والجهات السياسية حول نية الفصائل القبول بالتصالح مع النظام السوري في قادم الأيام، مؤكداً أن تشكيلاتهم ستبقى درعاً للأهالي طوال مسيرتهم الثورية حتى يتم تحقيق مطالبهم وأولها إسقاط النظام بكل أركانه.