دمشق/القامشلي -علي عمر
لا يزال المدنيون السوريون يدفعون الضريبة الأكبر للحرب الدائرة التي أتت على كل شيء في البلاد ابتداءً بالبنى التحتية وليس انتهاءً برغيف الخبز، وسط غياب لأي حلول تلوح في الأفق، إلا أن السكان بمناطق سيطرة حكومة دمشق أصبح لهم نصيب الجمل من هذه الضريبة لاسيما خلال الأشهر الأخيرة في ظل تقارير تتحدث عن أزمة اقتصادية ومعيشية متفاقمة وغلاء فاحش بالأسعار وشح كبير بالمحروقات.
أزمة تفاقمت بشكل أكبر مع حلول فصل الشتاء والانخفاض الكبير بدرجات الحرارة، حيث تنعدم وسائل التدفئة والغاز المنزلي والكهرباء، وسط استمرار عجز حكومة دمشق عن إيجاد حلول لأزمة تسببت بشلل شبه تام في حركة النقل والمواصلات وتعطل في المؤسسات الحكومية والمصانع على خلفية ارتفاع سعر اللتر الواحد من مادة المازوت في السوق السوداء إلى ما بين اثني عشر وخمسة عشر ألف ليرة، ما خلف ركوداً كبيراً في الأسواق، ضاعفه ارتفاع أسعار المواد الأساسية والغذائية واستمرار نزيف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية مسجلة أكثر من سبعة آلاف قبل أيام.
عودة الدمشقيين الى العصور القديمة
ورغم مرور أكثر من شهرين على دخول فصل الشتاء وفي ظل الانخفاض الكبير في درجات الحرارة، تؤكد تقارير أن المخصصات الحكومية من مادة المازوت لكل عائلة والبالغة خمسين لتراً بسعر مدعوم، لم تصل نسبة توزيعها في العاصمة دمشق إلى خمسين في المئة، علماً أنها لا تكفي لعشرة أيام، ما دفع السكان هناك للجوء إلى وسائل بدائية تتمثل بإحراق كميات من الخشب والورق والبلاستيك خارج منازلهم ومن ثم إدخالها إلى الغرف من أجل تدفئة عائلاتهم، في صورة تعكس صعوبة الحياة هناك، رصدتها صحيفة الشرق الأوسط في تقرير لها وصفت فيه عدم قدرة سكان العاصمة على تأمين المحروقات “يُعيد الدمشقيين إلى العصور القديمة”.
كما ورصدت الصحيفة حالة الركود في معظم الأسواق وإحجام كثير من الناس عن شراء إلا ما هو ضروري جدا، تحول كثير من محال بيع الفلافل والخضراوات إلى بيع حطب التدفئة، ولكن الإقبال عليها ضعيف جدا بسبب ضعف القوة الشرائية لمعظم الناس، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد من الحطب ما بين 1800 – 1500 ليرة حسب الجودة ونسبة جفافه من الماء. وباتت غالبية المواطنين في مناطق سيطرة النظام، تعيش أوضاعاً هي الأسوأ في تاريخ سوريا، بسبب الانهيار القياسي لسعر صرف الليرة أمام الدولار، والارتفاع المستمر للأسعار، وتواصل فقدان مداخيل العائلات الشهرية لجزء كبير من قيمتها، حيث لا يتعدى متوسط الراتب الشهري لموظفي القطاع العام 20 دولاراً، ولموظفي القطاع الخاص 50 دولاراً، بعدما كان راتب الموظف الحكومي قبل سنوات الحرب يعادل نحو 600 دولار.
ليس فقط في دمشق
الأكاديمي السوري المعارض الدكتور يحيى العريضي، قال في تصريحات لمنصة تارجيت، إن النظام مأزوم في جميع بقاع الجغرافيا السورية، بعد أن نشر القتل والدمار والفقر في جميع أنحاء البلاد، من أجل البقاء في السلطة والحفاظ على الكرسي، لذلك هو المسؤول الأول عما آلت إليه أحوال السوريين في الداخل والخارج.
الصورة لا تقتصر على العاصمة، بل تمتد إلى أغلب المناطق التي تسيطر عليها حكومة دمشق لاسيما جنوبي البلاد في محافظتي درعا والسويداء، التي تشهد حراكاً شعبياً متكرراً خلال الأشهر الأخيرة للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتطبيق قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالانتقال السياسي، والتي كان آخرها تنفيذ اعتصام في ساحة “الكرامة” وسط المدينة تحت شعار “لن نصالح” شاركت فيه حشود غفيرة من أبناء المحافظة، وذلك بعد أن شهدت المدينة أوائل كانون الأول/ ديسمبر الماضي، مظاهرات شعبية حاشدة اقتحم خلالها محتجون مبنى المحافظة، قابلتها قوات الأمن التابعة لحكومة دمشق بالرصاص الحي، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخرين.
زرع الفتنة
محافظة السويداء الجنوبية، تعيش أزمة ثقة تجاه “المنظومة الاستبدادية” وترفض هذه المنظومة بشكل قاطع، بحسب الأكاديمي السوري المعارض يحيى العريضي، الذي أضاف في تصريحاته لمنصتنا، أن النظام اعتمد منذ بداية الأزمة على رمي الفتنة بين أبناء المحافظة ومن ثم مع جيرانها، بدايةً عبر الفتنة بين سكانها والبدو، ثم مع محافظة درعا الجارة، مستغلاً بعض شبيحته وبعض الجهلة، إلى جانب استغلال حالة الفقر السائدة والناجمة عن سياساته بالمحافظة وحرمانها من أي منشأة منتجة اقتصادياً ما اضطر معظم شبابها للهجرة والاغتراب خارج البلاد، وثم يلجأ اليوم إلى إغراق المحافظة بالمخدرات، إلا أن مساعيه لترويج ونشر هذه الآفة، تصطدم بـ”قانون الكبتاغون” الذي أقره الكونغرس الأمريكي الذي يصنف سوريا دولة مخدرات، ما يجعل هذا النظام في طريقه للسقوط والزوال.
نشطاء من السويداء، يقولون إن الحراك الشعبي الذي تشهده المحافظة الجنوبية، لا يتعلق فقط بالمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق الانتقال السياسي والتنديد بممارسات قوات حكومة دمشق، بل يرتبط بالرفض الشعبي للأوضاع الأمنية بالمحافظة والانتشار والرواج الكبير لتجارة المخدرات، التي تتهم جماعة حزب الله اللبناني والفصائل التابعة لإيران بالمسؤولية عنها وتقارير عن تورط ضباط في حكومة دمشق تلك التجارة.
يذكر، أنه منتصف العام الماضي، نفذت “قوات الكرامة” بالتعاون مع فصائل مسلحة محلية بالسويداء، هجوماً على ما يعرف بفصيل “الفجر” الذي يقوده راجي فلحوط والمحسوب على ما يعرف بالأمن العسكري في قوات حكومة دمشق في بلدة عتيل، دارت على إثر ذلك اشتباكات عنيفة انتهت بإخراج الفصيل من المحافظة، والذي يتهمه الأهالي هناك بالتورط في تجارة المخدرات ونشر الفوضى عبر الخطف وابتزاز السكان والاعتقالات التعسفية بتغطية من قوات حكومة دمشق.