لم يعد يخفى على أحد ما تمر به الساحة السورية من تخبط على الصعيد السياسي والإقليمي، والذي ازدادت حدته بعد الاجتماع الثلاثي الذي ضم وزراء دفاع كل من تركيا وروسيا وسورية إلى جانب رؤساء أجهزة الاستخبارات في موسكو أواخر كانون الأول / ديسمبر الفائت بهدف تطبيع العلاقات بين “أنقرة” و “حكومة دمشق”، حيث تحاول بعض الجهات الدولية عرقلة الاجتماع الثاني المرتقب الذي سيجمع وزراء خارجية الدول الثلاثة من خلال رفع سقف مطالب كِلا الطرفين، علماً أن روسيا كانت قد عرضت أن يتم اللقاء في الأسبوع الثاني من يناير الجاري، إلا أن ذلك لم يحصل ولن يتم تحديد موعد جديد بعد.
*الدور الإيراني
أثار الصمت الإيراني إزاء تطبيع العلاقات والتقارب بين تركيا وحكومة دمشق الكثير من التساؤلات حول دورها وموقفها حيال ذلك، إلا أن وائل علوان “باحث في مركز جسور للدراسات” استبعد خلال حديثه مع منصة ‘‘تارجيت’’ الإعلامية؛ أن يكون هناك دور لإيران ضمن اللقاءات التي تجري في الفترة الحالية، أو حتى حصول مواجهات على الصعيد السياسي مع روسيا لأن علاقتهما ستبقى على أعلى المستويات طالما الحرب الروسية الأوكرانية مستمرة، لافتاً الى أن موسكو تتلقى امدادات عسكرية بالسلاح والذخيرة من قبل القوات الإيرانية، حيث ترسل الشحنات براً عبر مناطق سيطرتها بالعراق وسوريا وصولاً إلى قاعدة حميميم الجوية ليتم إرسالها جواً، وتلك إحدى الأسباب المهمة التي ستجبر روسيا للمحافظة على علاقاتها مع إيران.
ويرى علوان أن الحديث بين تركيا وروسيا حول إعادة تعريف العلاقات ما بين “أنقرة” و “دمشق” لن يؤثر على المصالح الإيرانية في سوريا، معتبراً أن ذلك قد يتغير على خلفية ما سيحصل في قادم الأيام لأن هناك العديد من العوامل المهمة التي تحتاج إلى تقييم مدى تقدم مسار المفاوضات السياسية في ظل الموقف الأمريكي الرافض للتقارب أو تحسين العلاقات بين تركيا و حكومة دمشق.
وكان المتحدث باسم وزارة “الخارجية الإيرانية”، ناصر كنعاني، قد أفصح أنه يتم التخطيط لزيارة للرئيس الإيراني إلى أنقرة ودمشق بعد تلقيه دعوات لزيارتهما. كما قال؛ إن العلاقات بين طهران ودمشق في أعلى مستوياتها، وأن إيران تدعم سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، بحسب حديث دار بين وزارء خارجية الدولتين خلال اتصالٍ هاتفيٍّ جرى الإثنين الفائت، وهذا ما يشير إلى أن إيران غير راضية عن التقارب حتى تنفذ تركيا الشروط التي تقدم فيها النظام السوري لقبول الحوار معها. يذكر أن حكومة دمشق طلبت من أنقرة أن تعترف “بأنها غزت الأراضي السورية وقامت بتمويل وتدريب العصابات الإرهابية، وأن تظهر استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية.
*الموقف الأمريكي
يقول الصحافي السوري أحمد المصطفى “يعمل في مجال الصحافة ومنخرط ضمن عدة تشكيلات سياسية محلية” لمنصة ‘‘تارجيت’’ إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة لعرقلة لقاء وزرارء خارجية تركيا وسوريا” وغيره من الجهود الدولية التي تحاول إنعاش النظام السوري”، حيث تعتبر واشنطن أن أي انفراجة في العلاقات التركية السورية هو “خرق” لسياسة العقوبات التي تفرضها على السلطة في دمشق.
ويضيف المصطفى “حتى الآن لا يوجد أي خطوات ملموسة وفعلية تظهر تجاوب كِلا الطرفين لتنفيذ شروط الطرف الآخر، لافتاً الى أن النظام السوري رفع سقف مطالبه بشكل كبير جداً مستغلاً الدعم الروسي لهذا المسار.
ورجحت مصادر تركية رفيعة المستوى أن اجتماع وزراء خارجية كل من تركيا وسوريا لن يعقد قبل عودة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو من واشنطن، حيث سيشارك في اجتماع “المجلس الاستراتيجي للعلاقات” الذي سيعقد بين الولايات المتحدة وتركيا في 17 يناير / كانون الثاني، حيث ذكرت المصادر أن اللقاءات والمحادثات بين أنقرة ودمشق ستكون من بين الموضوعات المطروحة والمهمة للنقاش خلال اجتماعات المجلس الاستراتيجي.
يشار إلى أن صحفيين ونشطاء إعلاميين في تركيا أطلقوا عُقب اجتماع وزراء دفاع تركيا وروسيا وسوريا في موسكو، حملة على منصات التواصل الاجتماعي تحت عنوان ‘‘في سجون الأسد’’ لتسليط الضوء على المعتقلين والمختفيين قسرياً في زنازين النظام السوري، وحث الحكومة التركية على إيقاف عملية التطبيع وتحسين العلاقات معه بسبب الانتهاكات الإنسانية التي ارتكبها بحق شعبه.
الموقف السوري
تشير وسائل اعلام سورية الى لقاء مرتقب يجمع وزيري خارجية سوريا وتركيا، الأربعاء المقبل في موسكو، وتشدد على أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”. وبهذا السياق نشرت ” الميادين” على موقعها نقلاً عن صحيفة “الوطن” السورية الموالية للنظام عن مصادر وصفتها بـ”المتابعة” قولها إنه “لا يوجد حتى الآن مواعيد محددة لعقد لقاء بين وزيري خارجية سوريا وتركيا”. وشددت المصادر أن “كل ما ينشر حتى الآن لا أساس له من الصحة”.
وأوضحت المصادر للصحيفة السورية التي تعرف نفسها بأنها مستقلة، أن أمر اللقاء المزمع “مرتبط بسير عمل اللجان المختصة التي تم تشكيلها عقب اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء دفاع سوريا وروسيا وتركيا في موسكو نهاية الشهر الفائت، والتي تهدف لمتابعة ضمان حسن تنفيذ ومتابعة ما جرى الاتفاق عليه خلال اللقاء”.
فهل سيكون هذا اللقاء المرتقب ممكناً وسط تضارب الأجندات الدولية والإقليمية؟، وما مآلاته اذا ما قيض لقطار هذا التصالح الاهتداء لسكته، وماذا سيكون الموقف الإيراني؟.