إدلب – أحمد عبدالرحمن
بعد أن التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الروسي فلاديمير بوتين بمنتجع سوتشي في الخامس من شهر آب / آغسطس 2022، بصدد مناقشة الهجوم العسكري الذي تعتزم أنقرة تنفيذه ضد قوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا، أصبح هناك تغير كبير في المواقف التركية حيال القضية السورية لعل أبرزها الانعطافة باتجاه تطبيع العلاقات مع رأس النظام بشار الأسد، ودعوة المعارضة للتصالح معه، سيما أنها قدمت دعماً كبيراً وغير محدود للتشكيلات السياسية والعسكرية منذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2011.
*خدعة أم تغير مواقف؟
يرى المحلل السياسي الدكتور نصر اليوسف، أن اجتماع سوتشي الذي جمع الزعيمين التركي والروسي كان مفصلياً، حيث قال في تصريحات لمنصة تارجيت الإعلامية؛ أن أردوغان وبوتين اتفقا خلال الاجتماع على “التخادم المتبادل”، موضحاً، أن الأخير طرح خريطة طريق جديدة على نظيره التركي تهدف إلى إيقاف العملية العسكرية على مناطق شمال وشرق سوريا، مقابل ضمان سلامة الأمن والاستقرار داخل الأراضي التركية من جهة، وإرغام الأسد على تطوير اتفاقية أضنة من جهةٍ أخرى (ولكي لا ننسى، تركيا امتنعت في وقت سابق من الانضمام إلى سلال العقوبات التي فرضها المجتمع الغربي على روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا) ولتنفيذ الخريطة الجديدة لا بد من التطبيع والتقارب مع النظام السوري لأنه سيكون طرفاً رئيسياً في تحقيق الخريطة “بحسب نصر.
وتابع اليوسف، أن العلاقات بين أنقرة وحكومة دمشق ستتجه إلى كسر الجمود فقط، ولن تمضي لأبعد من ذلك على الإطلاق، لافتاً أنها قد تتلاشى تدريجياً أيضاً بعد الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد في حزيران / يونيو المقبل، لأن التطبيع الذي تسعى له تركيا هدفه سحب “ورقة سوريا” من أيدي المعارضة التركية التي تستخدمها للضغط على حزب العدالة والتنمية الحاكم.
وكان أردوغان قد كشف، منتصف شهر ديسمبر /كانون الأول الفائت، أنه اقترح على نظيره الروسي مسألة إنشاء آلية ثلاثية تقتضي بلقاء أجهزة استخبارات تركيا وروسيا والنظام، ولاحقاً وزراء الدفاع، ثم وزراء الخارجية، وصولاً إلى رؤساء الدول.
وشهدت موسكو في الثامن والعشرون من الشهر ذاته، اجتماعاً ثلاثياً على مستوى وزراء دفاع تركيا وروسيا والنظام السوري، بالإضافة لرؤساء أجهزة الاستخبارات، حيث ذكرت وزارة الدفاع التركية حينها، في بيان، أن الاجتماع الثلاثي ناقش الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين، والمكافحة المشتركة للتنظيمات الإرهابية في سورية. كما ذكر البيان أن المجتمعين اتفقوا خلال اللقاء على استمرار الاجتماعات الثلاثية من أجل ضمان الاستقرار والحفاظ عليه في سورية والمنطقة.
يقول الصحافي مصعب الأشقر في تصريح لـمنصة تارجيت إن أكثر ما جمع بين تركيا ونظام الأسد مؤخراً كان ملف “الإدارة الذاتية”، حيث تريد تركيا إنهاء وجود قوات سوريا الديمقراطية على حدودها الجنوبية، في الوقت الذي يطمح الأسد لبسط سيطرته هناك والوصول إلى حقول النفط واستثمار ذلك الملف بالطلب من تركيا لفتح طريقm4 بين حلب واللاذقية أمام الحركة التجارية، لإعادة الروح إلى المناطق الخاضعة لسيطرته لأنها تصارع الموت في الآونة الأخيرة جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام.
*ما دور المعارضة السياسية؟
تواصلت منصة ‘‘تارجيت’’ الإعلامية مع هيئة التفاوض السورية لتوضيح موقفها من التطورات الأخيرة وكيف تعاملت معها، وعن دورها في الفترة الماضية والقادمة، إلا أن المنصة لم تتلقى رداً على أسئلتها حتى تاريخ نشر التقرير.
وكان رؤساء الائتلاف الوطني، والحكومة المؤقتة وهيئة التفاوض، قد التقوا بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، منتصف الأسبوع الفائت، حيث قال الدكتور بدر جاموس أنهم تباحثوا خلال لقائهم بطريقة صريحة حول اللقاءات الأخيرة التي جرت بين تركيا وروسيا والنظام السوري.
ونقل الجاموس عن لسان وزير الخارجية، أن تركيا تحاول إيجاد حل للقضية السورية بكل الوسائل في السنوات الأخيرة، وبلاده مستمرة في دعم مؤسسات المعارضة السورية، وأن الوفد التركي شدّد خلال لقائه بوفد النظام على العملية السياسية وعودة اللاجئين والمساعدات الإنسانية في إطار القرار 2254، كما ذكرَ أن عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وليست قسرية، وقال إنه من الضروري أن تتم عمليات العودة في إطار معايير الأمم المتحدة.
وأوضح جاموس أنهم أبلغوا الخارجية التركية بمطالب الشعب السوري وأهداف ثورته والسعي لإيجاد حل سياسي ينهي مأساة الشعب المستمرة منذ سنوات، وأنه يجب أن يكون هناك حل على أساس القرارات الدولية وقرار مجلس الأمن 2254 من أجل تحقيق سلام عادل ومستدام.
أما على الصعيد الداخلي فقد قوبلت التصريحات التركية الأخيرة بالرفض المطلق ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة “هيئة تحرير الشام” و ما يسمى “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا بشكل مباشر، حيث تشهد المناطق الآنفة الذكر تظاهرات شعبية عارمة بشكل شبه يومي رفضاً للتقارب التركي مع النظام السوري، أو التصالح معه تحت أي ذريعة كانت بعد المآسي التي أذاقها للسوريين طيلة عقد من الزمن.
وقال عدد من النشطاء المدنيين والإعلاميين العاملين بمحافظة إدلب لـمنصة تارجيت إن هدف تركيا من التطبيع هو تحقيق بعض المكتسبات السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة ولو كان على حساب المعارضة السورية، لكنها لن تحقق ذلك بسبب مواقف الولايات المتحدة الأميركية الرافضة لأي تقارب مع حكومة دمشق، تزامناً مع نية وزارة الخارجية عقد لقاء رباعي مع شركاء أوربيين للخروج بموقف موحد رافض لتعويم الأسد والتطبيع معه، ومواصلة تمويل مشاريع التعافي المبكر بما ينص عليه القرار الدولي الخاص بالمساعدات.