مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا، يبذل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمعارضة جهوداً حثيثة ويسرعون الخطا من أجل كسب التأييد الشعبي وسط تأرجح في النسب، محاولين استغلال كل الأوراق الممكنة لكسب الناخب التركي، بدءاً بالاقتصاد والخدمات وصولاً إلى ورقة اللاجئين وعلى رأسهم السوريون، وليس انتهاءً بالتقارب وتطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، والذي بدأته أنقرة بشكل علني مؤخراً بعد أكثر من عقد من القطيعة والخصومة وتوتر العلاقات.
حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية، أعلنا أن الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، هو مرشحهما الوحيد للانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا، والذي بدأ بدوره بالخطوات الرامية لضمان التفوق ابتداءً بمحاولة إزاحة الخصوم، حيث أصدرت محكمة تركية قراراً بقطع الدعم المالي عن حزب الشعوب الديمقراطي الفائز بنسبة ثلاث عشرة في المئة من أصوات الناخبين بانتخابات عام ألفين وخمسة عشر، وذلك بعد اعتقال الرئيس المشترك السابق للحزب صلاح الدين دميرتاش عام ألفين وستة عشر ورفض الإفراج عنه حتى الآن رغم الدعوات الغربية المتكررة، إلى جانب المحاولات المتكررة من السلطات لإغلاق الحزب، إضافة لإصدار حكم بالسجن لمدة تزيد على عامين على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المنتمي لحزب الشعب الجمهوري، بتهمة إهانة موظفين حكوميين، ما اعتبرته أوساط معارضة خطوة من أردوغان لضمان عدم ترشح أوغلو للانتخابات وهو أحد المنافسين المتوقعين له حيث تقول تقارير إنه يحظى بدعم أطراف في “طاولة الستة” المعارضة.
رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي، قالت في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه ورغم أن حظوظ المعارضة وأردوغان متقاربة إلى حد ما في الانتخابات القادمة، إلا أن الأخير يبذل الجهود ويقوم بكل ما يستطيع أن يدفع به باتجاه الفوز في هذه الانتخابات، لأنه يعي حجم التحديات التي تواجهه من جانب المعارضة، محاولاً التركيز بالدرجة الأولى على ورقة اللاجئين السوريين، من خلال الإعلان عن خطة تتضمن ترحيلهم وتوطينهم في مناطق الشمال السوري، دون اكتراث لما قد يواجهونه وما إذا كانت هذه العودة آمنة أم لا، وهل سيعودون الى مناطقهم الأصلية أم سيستثمر في عملية التغيير الديمغرافي والفوز في الانتخابات.
استغلال بدا جلياً من خلال جعل ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم واحداً من بين ثلاثة أمور جرى بحثها خلال اللقاء الثلاثي في موسكو بين وزراء الدفاع لكل من سوريا وتركيا وروسيا، والذي يقول مراقبون إنه يأتي في إطار مساعي أردوغان للتطبيع مع حكومة دمشق قبل الانتخابات في محاولة لاستغلال هذا الملف من أجل الفوز، كما أنه يحاول بحسب رئيسة تحرير منصة “وايت هاوس إن أرابيك” مرح البقاعي، استغلال دعم روسيا في تحسين حظوظه من خلال الجانب الاقتصادي لاسيما في ظل التراجع الكبير لسعر صرف الليرة التركية على خلفية سياساته المالية الهادفة إلى خفض سعر الفائدة، حيث جرى بين أنقرة وموسكو توقيع عدة اتفاقيات في مجال الغاز والاستثمار التجاري.
أحزاب المعارضة التي أعلنت التحالف في تكتل واحد في شباط/ فبراير الماضي، تحت اسم “طاولة الستة”، هي الأخرى تحاول استغلال ورقة اللاجئين السوريين في الانتخابات القادمة، مستغلة تنامي مشاعر الرفض للسوريين بين الأتراك، حيث أعلن رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيلتشدار أوغلو في آب/ أغسطس الماضي، عن خطة من ثلاث مراحل لترحيل السوريين إلى بلادهم، تتضمن المرحلة الأولى الجلوس مع حكومة دمشق والتطبيع معها وإعادة فتح السفارات، في حين تتضمن المرحلتين الأخريين إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بإشراف تركي سوري مشترك، كما أعلن أوغلو عن بدء حملة لتوزيع ربع مليون منشور في المناطق التي يتواجد فيها السوريون في تركيا تتوعد بترحيلهم إلى بلادهم في حال فوز حزبه بالانتخابات القادمة.
تحالف “طاولة الستة” الذي يضم أحزاب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كليتشدار أوغلو، وحزب الجيد برئاسة ميرال أكشنار وحزب السعادة برئاسة كرم الله أوغلو، وحزب الديمقراطية والتقدم برئاسة علي باباجان، وحزب المستقبل برئاسة أحمد داوود أوغلو، والحزب الديمقراطي برئاسة غول تكين أويصال، إلى جانب محاولته استغلال ورقة اللاجئين، ورغم عدم اتفاقه حتى الآن على مرشح واحد لمواجهة أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أنه يخوض السباق الانتخابي رافعاً شعار تحسين اقتصاد البلاد بعد التراجع الكبير وارتفاع معدلات التضخم إلى جانب العودة للنظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي الذي تقول المعارضة إنه يركز السلطات بيد أردوغان ويفتح الباب لقمع المعارضين والحريات العامة.
وقبل ستة أشهر على إجرائها، تظهر استطلاعات الرأي احتمالية أن تشهد الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا تنافساً غير مسبوق وقد تذهب لجولة ثانية، في ظل تراجع في شعبية أردوغان، ما يجعل الأخير يحث الخطا محاولاً استغلال أي ملف يصب في تحسين شعبيته، لاسيما الملف السوري وترحيل اللاجئين فيما يسميه “العودة الطوعية”، سيما بعد أن أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن نسبة تسع وخمسين في المئة من الأتراك يؤيدون ترحيلهم، لكن مراقبون للشأن التركي يشككون في قدرته على تنفيذ خطة إعادة اللاجئين قبل موعد الانتخابات.