أكثر من أحد عشر عاماً مرت ليس فقط على اندلاع الأزمة السورية التي خلفت واحدة من أكبر المآسي الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، بل أيضاً على تجميد مقعد سوريا في الجامعة العربية، وإصدار دول مجلس التعاون الخليجي بياناً مشتركاً أدانت فيه ما أسمته العنف من قبل حكومة دمشق ضد المتظاهرين السلميين الذين خرجوا للمطالبة بالحرية والعدالة.
الإمارات التي كانت من بين المصوتين لصالح تجميد مقعد سوريا بالجامعة العربية والموقعين على البيان الخليجي والتي أغلقت سفارتها في دمشق عام ألفين وثلاثة عشر، كانت من أوائل الدول التي أعادت علاقاتها وطبعت مع حكومة دمشق، حيث كانت أول دولة يزورها الرئيس السوري بشار الأسد في آذار/ مارس ألفين واثنين وعشرين بدعوة من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، سبقتها زيارة لوزير الخارجية عبدالله بن زايد إلى دمشق.
وقبل أيام، عاد عبدالله بن زايد ليكرر زيارته إلى دمشق حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، لتكشف وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية أن الزيارة تأتي في سياق التحضير لصفقة سياسية مرتقبة بين تركيا وحكومة دمشق وروسيا، لإعادة تأهيل الرئيس السوري إقليمياً ودولياً، كما تهدف أبوظبي من خلالها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية ومواجهة أو موازنة التواجد الإيراني في سوريا، وتأتي على وقع خطوات التقارب بين دمشق وأنقرة والأحداث الساخنة التي يشهدها الشمال السوري.
الباحث السياسي السوري، زارا صالح، قال في حديث لمنصة “تارجيت”، إن الإمارات العربية المتحدة وبعد القطيعة بين جامعة الدول العربية و النظام السوري منذ عام 2011 كانت الأولى التي أعادت العلاقة مع دمشق عبر فتح سفارتها من جديد عام 2018.
وأضاف “صالح”، أنه لايمكن الحديث هنا عن “زيارة مفاجئة”، إذ حاولت الإمارات ولا تزال لعب دور دبلوماسي متوازن في علاقاتها بمسعى هنا “لإعادة دمشق إلى الحضن العربي خاصة بعد ازدياد النفوذ التركي كدولة محتلة وإيران في سوريا وهو ما يشكل قلقاً من قبل المحيط العربي والجامعة العربية”.
بدوره، أكد الصحفي السوري وعضو الأمانة العامة بالمجلس السوري للتغيير حسن الحريري، في تصريحات لمنصة “تارجيت”، إن الزيارة والتقارب الإماراتي مع النظام السوري، تأتي في إطار رسائل سياسية للنظام، ومحاولة “فتح باب خلفي” له من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة السورية، مشيراً إلى أنه من المتوقع أن يكون الوزير الإماراتي قد حمل خلال الزيارة رسالة للنظام السوري تتضمن المطالبة بالتخلي عن إيران وإخراجها من سوريا على اعتبار أنها جسم غير مرغوب به في المنطقة العربية.
صحيفة الشرق الأوسط من جانبها، نقلت عما وصفتها بالمصادر المطلعة، أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد سيلتقي نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في موسكو نهاية هذا الأسبوع بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وسط جهود لترتيب مشاركة وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد في اللقاء، مشيرةً إلى أنه سيمهد لقمة تجمع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد والتركي رجب أردوغان، كما عرضت الإمارات استضافتها للقمة، إلى جانب بحث مشاركة مسؤول إماراتي رفيع فيها في حال عقدت في موسكو، ما يكشف عن الدور الإماراتي الكبير في جهود التطبيع مع حكومة دمشق واستعدادها للذهاب بعيداً في خدمة هذا المسار.
لكن هذه الجهود الإماراتية تصطدم بمعارضة أمريكية كبيرة لأي تطبيع مع حكومة دمشق، حيث قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس في أعقاب اللقاء الثلاثي الذي جمع وزراء الدفاع من سوريا وتركيا وروسيا في موسكو قبل أيام، إن واشنطن لا تدعم جهود الدول التي تحاول إعادة الدعم لبشار الأسد “الدكتاتور الوحشي”، أعقبها تصريحات لمنسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، جدد فيها رفض أي تطبيع مع دمشق.
من جانبه، كشف مصدر دبلوماسي رفيع في الخارجية الأمريكية في تصريحات صحفية، أن الولايات المتحدة تعمل مع كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا للخروج بموقف موحد رافض للتطبيع مع حكومة دمشق، حيث تجري اتصالات لعقد لقاء بين ممثلين عن الدول الأربع والمبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون في جنيف أواخر الشهر الجاري، لتأكيد الرفض الغربي لأي تطبيع مع دمشق.
المعارضة الغربية للتطبيع مع حكومة دمشق ليست وحيدة، بل توازيها معارضة من بعض دول المنطقة وفق تقارير إعلامية تؤكد وجود انقسام بشأن ذلك، لاسيما بعد الرواج الكبير لصناعة وتجارة المخدرات في سوريا والذي يدفع الأردن ضريبتها بشكل كبير بعد إعادة فتح حدوده مع سوريا، حيث جرى ضبط ملايين الحبوب المخدرة كانت في طريقها إلى دول الخليج قادمة من سوريا، في تجارة تقول تقارير إعلامية إن حزب الله اللبناني والفصائل التابعة لإيران يشرفان عليها بشكل مباشر، وسط عدم قدرة حكومة دمشق السيطرة على الأمور وأنباء عن تورط ضباط وعناصر تابعين لها في القضية.
شارك في إعداد هذه المادة خلف معو