تشكل الحرب في غزة اختباراً جديداً أمام بشار الأسد رئيس حكومة دمشق، كونه لم يقدم على أي ردة فعل ذات تأثير حتى لو محدود إزاء هذا الوضع وهو الذي لا يزال يقدم نفسه على أنه أحد أضلاع ما يسمى بـ”محور المقاومة”، بل إن إسرائيل استهدفت مطاري حلب ودمشق ورغم ذلك ظل الأسد صامتاً.
وقد أسفرت هجمات إسرائيلية – هي الثالثة من نوعها في أسبوع – عن سقوط قتيل خلال استهداف لمطاري حلب ودمشق، فيما اكتفت حكومة بشار ببيان صادر عن وزارة خارجيتها، وحتى عندما علق رئيس تلك الحكومة فقد أطلق بعض الكلمات التحذيرية التي لم تترجم في أية خطوات عملية، بحسب مراقبين، والتي أدلى بها في أعقاب لقاء مع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان.
موقف سلبي.. بشار وحماس
في هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي السوري عبدالرحمن ربوع، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إنه على مدار سنوات طويلة وإسرائيل تقصف بشكل مستمر كل ما تراه خطراً عليها في سوريا، دون أدنى رد، وأحيانا دون تعليق من حكومة دمشق، مضيفاً أن بشار الأسد لم ولن ينسى لحركة حماس أنها رحبت بالثورة السورية في 2011 وأيدتها”.
وأضاف أن “رئيس حكومة دمشق تكلم قبل شهرين عن الحركة، حيث نعت حماس بالغدر ووسمها بالخيانة، وبالتالي من غير المنطقي أن يبادر إلى أي موقف مؤيد أو داعم للحركة الفلسطينية، وهو يعلم حق العلم أن ذلك يؤثر على علاقته بالدول العربية التي يريد لها أن تعود كسابق عهدها قبل نوفمبر 2011، حين تم تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية”.
وقال ربوع: “إن الجميع تابع جولة وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان عقب عملية طوفان الأقصى، والجميع انتبه إلى موقف طهران السلبي من العملية وتشديدها على عدم انجرار المليشيات التابعة لها سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن وراء حماس في مغامرتها وتركها وحيدة تدفع ثمن تهورها و”قدحها من رسها” دون استئذان أو تنسيق مع طهران”. وبسؤاله عما نراه من مناوشات في الجولان أو مزارع شبعا، يقول الكاتب الصحفي السوري: “إن هذا الأمر يأتي من قبيل ذر الرماد في العيون وتصرفات منفردة من بعض العناصر أو المجموعات غير المنضبطة، موضحاً أن حزب الله أقوى من حماس بعشرين مرة على الأقل، ويمكنه تنفيذ عمل أقوى مما نفذته حماس بعشرين مرة، لكنه يعمل وفق توجيهات إيران التي لا تريد أي صدام مع إسرائيل أو الأمريكان، لأن هدفها ومعركتها الأساسية مع العرب والمسلمين وليست مع إسرائيل”.
وعاد ربوع مرة أخرى للحديث عن بشار الأسد، إذ قال: “إنه يدور في نفس الفلك، وقد بيّن عدة مرات بكل صراحة أنه أمين على أمن إسرائيل، وبقاؤه يعني بقاء الأمن لإسرائيل، ورحيله يعني رحيل الأمن عن إسرائيل، وما لم يفعله خلال خمسين عاماً لن يفعله اليوم”، مشيراً إلى أنه “سبق لغزة وفلسطين أن تعرضت لمواقف أكبر مما هو حادث اليوم في غزة ولم يتحرك في النظام السوري غير لسانه بالشجب والتنديد، ولن يفعل أكثر من ذلك اليوم”.
وفي ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” يقول ربوع: “إن كثيرين يعلمون أن النظام السوري قتل من الفلسطينيين في سوريا ولبنان على مدى 55 عاماً أكثر بمئة مرة مما قتله الصهاينة منهم على مدى 75 عاماً، وفعل بالفلسطينيين في مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان أضعافاً مضاعفة مما فعله بهم الإسرائيليون، وبالتالي كيف ننتظر منه اليوم موقفا مغايراً؟”.
رسالة تحذير من دمشق.. ما الذي تعنيه؟
وعقب استهداف مطاري حلب ودمشق، أصدرت وزارة الخارجية في حكومة دمشق بياناً قالت فيه إن مواصلة الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، من شأنها “أن تدخل المنطقة في دوامة أوسع من العنف يصعب احتواؤه”، محذرة من مغبة مواصلة هذه الاعتداءات والممارسات التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، والتي من شأنه إدخال المنطقة في دوامة أوسع من العنف الذي يصعب احتواؤه، لكن البيان قد لا يعني شيئاً وفق متابعين للتطورات.
يقول الدكتور ماهر صافي الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، في اتصال هاتفي لمنصة “تارجيت” الإعلامية: “إن رسالة حكومة دمشق التحذيرية لا تعني أي شيء ولا تحمل أية أهمية، ولا تعد عن كونها نفس النغمة التي يرددها بشار الأسد على مدار السنوات الماضية بأننا سنرد في الوقت والمكان المناسبين”، مؤكداً أنه “يستغرب هذا السكوت من قبل حكومة دمشق رغم أن الضربات طالت مطاري حلب ودمشق أي طالت أرضاً سورية أو لنكن أكثر دقة أرضاً تحت سيطرة بشار الأسد”.
وأبدى صافي عدم قناعته بما يسمى محور المقاومة والذي كان يضم حكومة دمشق وحزب الله اللبناني وإيران، وقال: “إن هذه المحاور رددت على مدار السنوات الماضية عبارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل دون أن يرى الفلسطينيون أي ترجمة ولو بسيطة ذات فائدة مما يسمى بمحور المقاومة، وحتى الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية لم نرى أي رد من بشار الأسد عليها باستثناء نغمة سنرد في الوقت والمكان المناسبين التي يرددها منذ وراثته الحكم عن والده حافظ الأسد”.
وفي ختام تصريحاته، قال الدكتور ماهر صافي: “إن بشار يردد نفس العبارات منذ سنوات، وكان من الأجدر أن يقوم بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي تطال مناطق سيطرته، ولم يفعل، فإذا كان الوضع هكذا، فبالتأكيد لن يتحرك لدعم غزة أو يشتبك مع الاحتلال الإسرائيلي، لأنه غير قادر على فعل أي شيء”.
الكلمة لأذرع إيران
وقد كان ملاحظاً أن كثيراً من التقارير الأمريكية عندما تناولت الموقف السوري بشأن تحركات إسرائيل، ركزت فقط على سوريا في إطار أذرع إيران ولم تعر اهتماماً أكثر لأي موقف لبشار الأسد، من ذلك صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية التي قالت في تقرير قبل أيام إن الأراضي السورية ساحة معركة جديدة بين إسرائيل وإيران منذ عام 2011، عندما اندلعت الحرب الأهلية وخلال الحرب، قامت إيران ببناء وجود عسكري في البلاد لدعم حليفها بشار الأسد، وتسهيل النقل البري للأسلحة المخصصة لحزب الله من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.
ولفتت إلى أنه في محاولة لوقف تدفق الأسلحة ومواجهة هذا الوجود العدائي الثاني على حدودها الشمالية، نفذت إسرائيل مئات الضربات داخل سوريا ضد شحنات الأسلحة وأهداف أخرى تقول إنها مرتبطة بإيران وحلفائها، وتوفي بعض الإيرانيين، بحسب روايات وسائل الإعلام الإسرائيلية.