لم تنقض ساعات على إعلان حكومة دمشق إصلاح الأضرار بمطار حلب الدولي شمالي سوريا وعودته للخدمة إثر قصف إسرائيلي، حتى قصفت طائرات إسرائيلية المطار مجدداً يوم السبت وأخرجته عن الخدمة، بعد يومين فقط من استهدافه إلى جانب مطار دمشق الدولي، ما أسفر عن أضرار كبيرة في مدرجهما وخروجهما عن الخدمة، في تصعيد ملحوظ يقول محللون إنه يحمل رسائل لعدة أطراف مع احتدام المعارك والقصف بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس بقطاع غزة.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مطارا دمشق وحلب لقصف إسرائيلي، إلا أن قصف مطار حلب للمرة الثانية خلال يومين يثير التساؤلات عن الرسائل التي تريد إسرائيل توجيهها لحكومة دمشق وإيران، التي تتهمها تل أبيب وتقارير غربية، بتحويل المطارات المدنية في سوريا إلى طريق لتوريد الأسلحة إلى أذرعها بالمنطقة لاسيما جماعة حزب الله اللبناني، خاصةً بعد توقيع اتفاقية مع شركة إيرانية لاستثمار مطار دمشق.
وبعد ساعات على قصف مطار حلب، اتهم رئيس إدارة الشؤون الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإسرائيلية جوشوا زاركا في منشور على منصة “إكس”، إيران بمحاولة فتح جبهة حرب ثانية من خلال نشر أسلحة في سوريا أو عبرها، بالتزامن مع التصعيد العسكري الحالي في قطاع غزة، في حين كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن القيادة العسكرية بقوات حكومة دمشق أوعزت إلى قواتها العسكرية المنتشرة على الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، بعدم إطلاق أي رصاصة أو قذيفة باتجاه الجولان.
غياب أي رد من دمشق
الكاتب والمحلل السياسي حسام النجار، قال في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن الطيران الإسرائيلي اعتاد على التنزه في الأجواء السورية بدون وجود رادع ولا وجود للمضادات الأرضية التي وجدت لضرب الشعب فقط، وقصف المواقع والمطارات في سوريا يتم في كل زمان ومكان والضربات الأخيرة كانت عبارة عن رسالة مبطنة للنظام وموجهة لإيران بشكل خاص، لاسيما بعد بيع مطار دمشق الدولي لشركة إيرانية مرتبطة بالحرس الثوري، مشيراً إلى أنه مع معرفة إسرائيل أن المطارات تستخدم كجزء من طريق توريد السلاح للنظام إلا أنها ليست الطريق الرئيسية وخاصةً بعد بيع مطار اللاذقية لشركة فرنسية يملكها الحرس الثوري وبالتالي فهو أحد الطرق، إلى جانب الطرق البرية عبر العراق، ومطار بيروت الذي يسيطر عليه حزب الله”.
ويضيف النجار، “أنه بات من المعلوم خلال حرب النظام السوري على الشعب أن ضربات إسرائيل ليست لإنهائه بل لجعله يعيش “صحوة المخمور” فإسرائيل لو أرادت القضاء عليه لكان باستطاعتها وبأقل الأثمان لكنه يدها الطولى في قتل الشعب السوري، وعليه فوجوده من وجود إسرائيل، ثم أن إيصال السلاح يتم بتواطؤ من جهات متعددة”.
ويذهب المبعوث الأمريكي السابق إلى سوريا جويل رايبورن وفق ما نقل عنه موقع “الحرة”، إلى أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة لتعطيل مطاري دمشق وحلب هي مؤشر قوي على أن النظام الإيراني يحاول نقل أسلحة استراتيجية إلى سوريا أو عبرها لفتح جبهة شمالية ضد إسرائيل، التي قال إنها مصممة على استباق ذلك”، مضيفاً أنه إذا قرر الإسرائيليون أن الأسد يجب أن يدفع ثمن استضافته لإيران وحزب الله، فإن القوات الجوية الإسرائيلية قادرة على ضرب أي هدف في دمشق وتدمير المطارات.
رسائل مبطنة ومحاولات تقليم أظافر
ومن جانبه، يقول الباحث في الشؤون السياسية إيهاب نافع في تصريحات لمنصة تارجيت: “إن الاستهداف الإسرائيلي لمطار حلب وغيره من المطارات السورية هو محاولة إرسال رسالة مباشرة وواضحة لإيران بأنه لا مجال لأن تكون طرفاً أو جزءاً في معادلة المعركة الدائرة الآن، والرسائل المتبادلة الآن بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة وإيران وحزب الله تجعل الجميع يقف على أطراف أصابعه، خاصةً بعد أن جاءت واشنطن بحاملة الطائرات إلى منطقة شرق المتوسط لتكون رسالة ردع لمحاولات بعض الأطراف الإقليمية للتورط بالحرب الدائرة بغزة بين حماس وإسرائيل.
ويضيف نافع، أنه من المعلوم للجميع أن المدخل الرئيس للتدخل الإيراني بالمنطقة هو من خلال التواجد في سوريا من جانب وحزب الله من جانب آخر، إلى جانب الأطراف المرتبطة بإيران سواءً الحوثيين باليمن أو الفصائل في العراق، مشيراً إلى أن المنطقة أمام محاولات “تقليم أظافر” تقوم بها إسرائيل في المناطق التي يمكن من خلالها توريد أسلحة إلى سوريا، فالهجوم هو محاولة استباقية من قبل إسرائيل لبعث رسائل لإيران عبر دمشق بأنه لا مجال بأن تكون طرفاً بالأزمة، على الرغم من أن طهران ردت أنه في حال حدث اجتياح بري لقطاع غزة سيكون هناك رد فعل من خلال الأطراف المرتبطة بها بالمنطقة.
وبحسب الباحث في الشؤون السياسية إيهاب نافع، فإن المنطقة أمام تورط محتمل للجبهة السورية في الحرب الدائرة وكذلك الأمر بالنسبة للجبهة اللبنانية، خاصةً مع توجه إسرائيل إلى ما يمكن تسميته بإبادة كاملة لقطاع غزة، لاسيما بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن بلاده على استعداد لفتح القتال على جبهات متعددة، وعليه فإن سوريا على موعد مع تورط وارد بالأزمة”.
ويسلط القصف الإسرائيلي الجديد لمطاري حلب ودمشق والذي يمثل الاستهداف العاشر خلال أكثر من عام، وما سبقه من مئات الاستهدافات داخل سوريا بدءاً من دمشق وحمص وحماة وصولاً إلى دير الزور، الضوء على كيفية تحول الأراضي والمنشآت السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول في ظل غياب أي دور لحكومة دمشق، التي يقول مراقبون إن الضربات المتكررة والتصعيد في غزة، يضعها إلى جانب إيران وحزب الله في إحراج كبير خاصةً بين المؤيدين لهم، من حيث القدرة على الرد والاستمرار بسردية “المقاومة” وتحرير الأراضي المحتلة ومحاربة إسرائيل.