جملة من الأحداث المتسارعة، عاشتها سوريا خلال أكتوبر الجاري، كانت بدايتها صباح الخامس من هذا الشهر، عندما بدأت الطائرات التركية، بدك المرافق الحيوية والخدمية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وذلك في إطار اعتداءاتها المستمرة منذ العام 2016، موعد بدء التدخل العسكري التركي المباشر في المعضلة السورية، والتي ازدادت تعقيد وتأخر حلها نتيجة ذلك التدخل.
أما الحدث الثاني، فلم يتأخر كثيراً إلا ساعات، ففي ظهيرة الخامس من أكتوبر، جرى استهداف حفلة تخريج لضباط في الكلية الحربية بمدينة حمص وسط سوريا، مما أدى إلى مقتل العشرات من الضباط المتخرجين وذويهم الذين كانوا يحضرون حفل التخرج، في واحدة من أكبر الضربات التي وجهت إلى القوات النظامية في سوريا.
ووجهت أصابع الاتهام فوراً، بشكل مباشر إلى “التنظيمات الإرهابية” في محافظة إدلب، رغم تشكيك بعض المراقبين بامتلاك “جبهة النصرة” طائرات مسيرة قادرة على التحليق من إدلب إلى حمص، حاملة كل تلك الكمية من الذخائر التي صنعت تدميراً كبيراً بالموقع المُستهدف.
تزامن الحدثين، وحصول أحدهما في صبيحة الخامس من أكتوبر، وثانيهما في ظهيرة ذلك اليوم، جعل كثير من السوريين على اختلاف مواقفهم السياسية في حيرة وتخبط، ففي الوقت الذي كانت تشهد فيه الساحة السورية مواجهات روتينية بين أطراف الصراع، أتى ذلك التسخين الكبير للجبهات، إذ دمر الجانب التركي جزءاً واسعاً من المرافق الحيوية والخدمية بمناطق الإدارة الذاتية، فيما على الطرف المقابل، فعلت سلطة دمشق أمراً مشابهاً بمدينة إدلب، التي طالها قصف واسع، هُجر نتيجته نحو 80 ألف شخص.
3 صفقات روسية تركية على حساب السوريين
تعتبر الذاكرة السورية الحديثة المقرونة بعمر أزمة صار لها 13 عاماً، مثقلة بالصفقات بين الأطراف المتدخلة بالشأن السوري، وأبرزها الطرفين التركي الداعم للمعارضة المسلحة، والروسي الداعم للسلطة في دمشق، والتي كان أبرزها صفقة حلب مقابل الباب، أغسطس العام 2016، وثانيها صفقة الغوطة وريف حمص الشمالي وأجزاء من ريف إدلب، مقابل عفرين، مارس العام 2018.
أما الصفقة الثالثة، فكانت رأس العين وتل أبيض مقابل مناطق جديدة من إدلب، أكتوبر العام 2019، فبعد نحو 4 شهور من سيطرة تركيا على المدينتين (رأس العين وتل أبيض) وما بينهما من شريط حدودي، تسلمت القوات الحكومية التابعة لدمشق، مدينة معرة النعمان بريف إدلب، علماً انها كانت قد بدأت بقصفها منذ نوفمبر من ذلك العام، حتى سيطرت عليها نهاية يناير 2020، دون أي تدخل أو اعتراض تركي.
تلك القصفات المكشوفة، وغيرها المستتر، دفع البعض للاعتقاد بأن تزامن الحدثين الكبيرين في شمال وسوريا ووسطها، (قصف شمال سوريا والكلية الحربية في حمص)، إنما هو من نتاج غرفة عمليات واحدة، يتشاركها قادة عسكريون من محور أستانا، الذي يجمع 4 دول هي (روسيا، إيران، تركيا ، وسلطة دمشق(.
وهو تحالف لم يعد سرياً، وأهدافه واضحة، تتمثل في إخراج القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية، مقابل تسليم البقية الباقية من المناطق المحسوبة على المعارضة السورية في إدلب وشمال حلب، للقوات الحكومية التابعة لسلطة دمشق، ومن ثم عقد اتفاق جديد ومُوسع على شاكلة اتفاقية أضنة، بين دمشق وأنقرة، يُسمح بموجبه ببقاء القواعد العسكرية التركية داخل الأراضي السورية، بحجة حماية الأمن القومي التركي، مقابل احتفاظ رأس السلطة في دمشق، بكرسي الحكم.
اتفاق ضمني بين محور استانا
وللتعقيب على ما ورد، التقت منصة تارجيت بـ أحمد أعرج الأمين العام لحزب التحالف الوطني الديمقراطي السوري، الذي قال: “حسب المعطيات والمستجدات السياسية والعسكرية، هناك اتفاق ضمني بين محور استانا (روسيا، تركيا وايران)، على السماح للجيش السوري بفتح جبهة ادلب وإضعاف المعارضة المدعومة تركياً، مقابل السماح للنظام التركي باستهداف شمال شرق سوريا، واستهداف البنية التحتية وإضعاف الإدارة الذاتية”.
وحول استهداف الكلية الحربية في حمص، رأى أعرج أن “ما جرى في حمص، قد يكون الذريعة للجيش السوري للقيام بمهامه دون ضغوطات، أي مُبرر لاستهداف شمال غرب سوريا”، مستكملاً: “كما أن التركي استند إلى عملية أنقرة كمُبرر لاستهداف واستنزاف مناطق الإدارة الذاتية”.
كما أشار أعرج إلى أن “المخطط واضح، وهو إعطاء ضوء أخضر لكلا الطرفين من أجل إضعاف الشمال برمته، فمن حيث المُحصلة، تركيا مستفيدة من تصدير ازمتها الداخلية في اعتداءاتها على شمال شرق سوريا”.
واستكمل: “والنظام السوري يفتح جبهة الشمال الغربي، بعد استهداف الكلية الحربية، كي تصرف الأنظار عن الضغوطات الداخلية على الحكومة السورية، بسبب الوضع المعيشي وما ظهر في السويداء، من أجل التغطية عليه، والادعاء بإن معركة الجيش هي معركة كونية، ويجب تأجيل المطالب التي رفعت في الجنوب”.
واستدرك: “بشكل عام، اذا لم يتم ردع الحرائق التركية دولياً وإقليمياً، سيبقى على نهجه بين الحين والآخر، لاستهداف شمال وشرق سوريا، بمحاولة لإفراغ المنطقة، والبقاء في المناطق المحتلة، لتوسيع دائرة احتلاله عندما تسمح له المعادلات الاقليمية والدولية”، مُختتماً حديثه لـ تارجيت بالقول: “اذا لم يجتمع السوريون وخاصةً النظام مع المعارضة الداخلية، ويتم البدء في الدعوة لحوار وطني عام وشامل، فلن تنتهي الأزمة السورية”.
وعليه، يبدو جلياً لمراقب الوضع السوري، أن الألعاب والصفقات التي تقوم بها الأطراف الدولية والإقليمية، على حساب السوريين كلهم في مختلف المناطق، مكشوفة وظاهرة، ولم يعد بالإمكان تغافل السوريين حيالها، ما يعني أن كثير من السوريين سيساقون إلى حتفهم، دون تمكنهم من الاعتراض، ما داموا راضخين لمن يدعي مساندتهم ويقوم بتمويلهم، كالضحية التي يسعى مالكها إلى زيادة وزنها قبل نحرها قرباناً له.