هل يصبح الكُرد عائقاً أمام تركيا في حصولها على “إف 16”

تثير صفقة طائرات إف 16 الأمريكية المرتقبة إلى تركيا جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الأمريكية، لا سيما الكونجرس الذي يبدو أن كثيراً من أعضائه لديهم شكوك حيال نوايا أردوغان فيما يتعلق باستخدام هذه الطائرات المتطورة ضد حلفاء الولايات المتحدة، حتى ذهب البعض إلى المطالبة بضمانات من قبل “أنقرة” قبل منحها تلك الصفقة.

واقتربت تركيا بشدة من الحصول على تلك الطائرات بعد أن تخلت عن اعتراضها إزاء طلب عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي “الناتو” بداية يوليو الجاري، وهي الصفقة التي كانت توقفت بعد شراء “أنقرة” منظومة إس 400 من روسيا رغم الاعتراضات الأمريكية الكبيرة.

الكرد في شمال سوريا

أحدث تلك التحركات داخل الكونجرس الأمريكي كانت من قبل السيناتور كريس فان هولين الذي طلب من وزارة الخارجية في بلاده ضرورة ضمان الحصول على تأكيدات من تركيا أنها لن تستخدم طائرات إف 16 ضد الكرد في شمال سوريا حال إتمام الصفقة، والذين وصفهم بالحلفاء للولايات المتحدة.

ويرى عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وفق ما نقل موقع “جريك ريبورتر” اليوناني، أن المطالبة بضمانات بشأن عدم استخدام تلك الطائرات ضد الكرد في شمال سوريا أو انتهاك المجال الجوي لليونان وقبرص أمر معقول، داعياً إلى أن تبلغ إدارة الرئيس جو بايدن أعضاء الكونجرس بأنه إذا خالف النظام التركي تلك الضمانات فإنه ستكون هناك عواقب على ذلك.

وقد لعب الكرد في شمال سوريا إلى جانب السريان والعرب بالشراكة مع الولايات المتحدة وبعض القوى الدولية دوراً محورياً في محاربة الإرهاب داخل سوريا ، في وقت يشن نظام أردوغان حرباً واسعة ضد الكرد في سوريا ، إلى جانب الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان داخل بلاده.

ضمانات دون التزام تركي

وتعليقاً على هذا الموقف، يقول الدكتور أيمن سمير الخبير المصري في العلاقات الدولية والشأن الأمريكي إن طلب الولايات المتحدة من تركيا ضمانات بشأن استخدامها لطائرات إف 16 سيحدث بالفعل، ولكن الأخطر هنا هو مدى التزام النظام التركي بتلك الضمانات، معرباً عن اعتقاده بشكل قاطع بأن “أنقرة” لن تلتزم خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالوضع في شمال سوريا.

وأوضح “سمير”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن أردوغان نجح في التسويق بشكل كبير خلال الفترة الماضية بأن مسألة الكرد تتعلق بالأمن القومي التركي وهي خط أحمر بالنسبة له، إضافة إلى ذلك فقد استطاع النظام التركي جذب كثيرين خلال الفترة الماضية إلى تأييد مزاعمه وإلصاق تهمة الإرهاب بالمكون الكردي وقد بذل دعاية ضخمة لهذا الغرض.

ويرى “سمير” أن الكونجرس ربما يصدر توصيات تهدف لإلزام تركيا بعدم استخدام تلك الطائرات الحديثة ضد الكرد لا سيما في شمال سوريا، لكن في واقع الأمر الولايات المتحدة ليس لديها أية أدوات ضغط فعلية على أنقرة تحول دون استخدامها تلك الطائرات ضد الكرد، فبمجرد أن سلمت واشنطن الطائرات لن تسيطر عليها.

دور حرب روسيا وأوكرانيا

ويقول أيضاً إن سبباً آخر لعدم الالتزم التركي بتلك الضمانات فيما يتعلق بالملف الكردي أن أمريكا في عهد جو بايدن وفي خضم الحرب الروسية – الأوكرانية تحاول أن تصطحب الجميع معها في هذه الحرب بما في ذلك تركيا التي تلعب دوراً مهماً في دعم أوكرانيا بالطائرات المسيرة والذخيرة وكثير من الأسلحة.

أما بشأن مسألة أن يفرض الكونجرس الأمريكي عقوبات كما دعا السيناتور كريس فان هولين حال استخدمت “أنقرة” هذه الطائرات ضد الحليف الكردي، يرى “سمير” أن هذا الأمر لن يحدث كذلك، ولم يسبق أن حدث في تاريخ العلاقات بين البلدين أن فرض الكونجرس عقوبات على أنقرة وإنما يبقى الأمر دائماً في إطار المناوشات.

ويرى أن هذا يعود أيضاً إلى عضوية تركيا في حلف “الناتو” والذي دخلته كمكافأة على اعتراف أنقرة بدولة إسرائيل سنة 1949، مؤكداً أنه مهما فعلت تركيا فهي حليف تاريخي ومهم للولايات المتحدة، وخصوصاً إذا وضع في الاعتبار أن أردوغان من المعروف عنه أنه يمكنه تغيير مواقفه بين يوم وليلة، وبالتالي مهما يحدث من خلافات يتم التوصل إلى حلول لها.

ويؤكد خبير العلاقات الدولية، في ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن سياق الحرب الروسية – الأوكرانية له انعكاسات كبيرة على الملف الكردي، وله تأثيره بشأن العلاقة بين واشنطن وأنقرة ورغبة الأولى في جذب الأتراك أكثر معهم في إطار التحالف الذي يواجه موسكو ويهدف إلى تضييق الخناق عليها.

ومؤخراً، كان 6 من أعضاء الكونجرس الأمريكي أرسلوا خطاباً إلى وزارة الخارجية الأمريكية يطلبون فيه من الإدارة التأكد من تضمين آليات للرقابة في أي اتفاق نهائي لبيع طائرات مقاتلة من طراز إف 16 إلى لتركيا، لضمان عدم استخدام النظام التركي لهذه الطائرات ضد حلف شمال الأطلسي في إشارة إلى اليونان وقبرص، مؤكدين عدم ثقتهم في سلوكيات “أنقرة” التي وصفوها بـ”العدوانية”.

لا استخدام ضد الكرد

الدكتور عبدالمسيح الشامي الخبير في العلاقات الدولية لديه رؤية مغايرة لما طرحه الدكتور أيمن سمير، إذ يقول إنه من حيث المبدأ فإن الولايات المتحدة لن تعط تركيا طائرات إف 16 أو غيرها من الأسلحة الخطيرة والمهة إلا ومرفقة بتعهد بعدم استعمالها ضد الكرد، معرباً عن اعتقاده بأن هذا أمر محسوم بالنسبة للإدارة الأمريكية.

لكن “الشامي”، في تصريحاته لمنصة “تارجيت”، وإن كان يرى أن واشنطن لن تسمح للرئيس التركي باستخدام تلك الأسلحة مثل إف 16 لا ضد الكرد في شمال سوريا ولا حتى ضد الكرد داخل تركيا، فإنه يتفق مع “سمير” فيما يتعلق بالموقف التركي من تلك الشروط، إذ يقول إنه من غير الممكن أن تقبل العقلية التركية أية شروط يمكن أن تكبل استعمال القوة بأي مكان وبالشكل والحجم الذي تريده في مواجهة الكرد.

واعتبر “الشامي” أن أي مسؤول تركي في الوقت الحالي سيقبل بمسألة وضع قيود على استخدام الأسلحة في مواجهة الكرد يعني أنه سيسقط شعبياً، ولذلك فإن الصفقة إن اقترنت بشروط تبدو إلى حد ما مستحيلة ولن تتم،  لأنه عندما تطلب واشنطن هذا الطلب من تركيا، فإنها تطلب أمراً تعجيزياً.

واسدرك خبير العلاقات الدولية قائلاً: “لكن صفقة إف 16 لا ترتبط بالكرد فقط بل ترتبط أيضاً لملفات أخرى مثل علاقة تركيا مع روسيا ومسألة عضوية السويد وفنلندا في حلف الناتو والعلاقة بين واشنطن وأنقرة”، مضيفاً: “وبصفة عامة فإن الصفقة إذا اقترنت بأي شرط متعلق بالكرد بشكل أو بآخر فإنها لن تنجح، إلا إذا كان هناك عرضأ أمريكياً كبيراً أو إغراء كبيراً لتركيا في ملف أو مكان آخر لا تستطيع “أنقرة” رفضه، لكن هذا أيضاً مستبعد.

قد يعجبك ايضا