لا تزال مسألة تطبيع العلاقات مع بشار الأسد وإعادة تعويم حكومة دمشق تُقابل برفض دولي، خصوصاً من القوى الرئيسية وأحدث تلك المواقف ما جاء على لسان المبعوثة البريطانية الخاصة إلى سوريا آنا سنو التي قالت إن الحكومة البريطانية لا تنوي إعادة العلاقات مع حكومة بشار الأسد، مشددة على ضرورة أن يكون أي اتصال بين الدول العربية وتلك الحكومة مقترناً بشروط وتغييرات جوهرية.
وكانت الدول العربية – وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية – قد قادت جهوداً كبيرة لإعادة تعويم حكومة دمشق وتطبيع العلاقات معها بداعي أن القطيعة مع بشار الأسد لم تفض إلا إلى مزيد من التعقيد للأزمة، وأن فتح صفحة جديدة للعلاقات في إطار مبدأ خطوة بخطوة يمكن أن يساعد في إيجاد حل للأزمة المندلعة منذ عام 2011، وقد عادت حكومة بشار إلى جامعة الدول العربية في مايو الماضي وشاركت في قمة جدة.
المشكلة في بشار
وأكدت المبعوثة البريطانية، في تصريحات صحفية، على أن الحوار مع بشار الأسد دون أي تغيير ملموس أو مساءلة حقيقية عن الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين لن يساعد الشعب السوري أو المنطقة أو العالم، ولفتت إلى أن بلادها لا تنوي تقديم أية مساعدة لإعادة الإعمار حتى يتخذ بشار خطوات جادة لتغيير سلوكه أو الانخراط بجدية في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
واعتبرت “سنو” أن تطبيق النهج التدريجي “صعب”، لأن المشكلة تكمن في تعنت الأسد وروسيا، وهذا سبب رئيسي لعدم إحراز أي تقدم في العملية السياسية، في إشارة منها إلى عدم جدوى مبدأ خطوة بخطوة الذي رفعته بعض الدول العربية كعنوان براق للتغطية على خطوة التطبيع مع حكومة دمشق التي يعتبرها غالبية الشعب السوري طعنة في الظهر لهم منحت بشار الأسد وميليشياته الفرصة للإفلات من العقاب.
وقالت آنا سنو إن كل السوريين الذين قابلتهم يريدون رؤية سوريا موحدة، واستدركت: “لكن للأسف يظل مستقبل سوريا غير واضح عندما نرى عدم التزام حكومة الأسد بالتزاماتها تجاه شعبها”. وقد قدرت الأمم المتحدة العام الماضي مقتل أكثر من 306 آلاف مدني منذ بدء الصراع في مارس من عام 2011، أي نحو 1.5 في المائة من سكان سوريا.
هذا ما تفعله بريطانيا
وتعليقاً على تلك التصريحات، يقول مصطفى رجب القيادي العربي بحزب العمال البريطاني، لمنصة “تارجيت” الإعلامية، إنه من المعروف ان بريطانيا قطعت علاقاتها الدبلوماسية بحكومة دمشق، وقد وضعت شروطاً للتعامل مع لتك الحكومة بعد فشل ربيع الغضب ضد بشار الأسد واستمراره في السلطة.
ويرى “رجب” أن تصريحات المبعوثة البريطانية إلى سوريا تأتى كرد فعل بعد ما ظهر خلال الفترة الأخيرة من تقارب عربي مع حكومة بشار، وما صاحب ذلك من انتقادات بشأن عدم محاسبة الأسد وإفلاته من العقاب، وستظل “لندن” متمسكة بذلك الموقف وتلك السياسة إلى أن تستجيب حكومة دمشق للشروط البريطانية.
وربط القيادي بحزب العمال البريطاني أيضاً موقف بلاده تجاه حكومة دمشق بالتنافس بين الدول الغربية وروسيا على خلفية الحرب في أوكرانيا، إذ أنها تحاول التضييق على موسكو التي لعبت الدور الرئيسي في إبقاء بشار الأسد على رأس سلطة دمشق حتى هذا الوقت، ولهذا فإن التنافس الغربي – الروسي يلعب دوراً محورياً كذلك في الموقف البريطاني تجاه بشار الأسد.
وفي ختام تصريحاته لمنصة “تارجيت”، يقول مصطفى رجب إن تصريحات المبعوثة البريطانية إلى سوريا تأتي أيضا كرسالة للدول التي تتبنى نهج التطبيع مع بشار الأسد والتي دعمت عودته إلى جامعة الدول العربية، موضحاً أنها رسالة اعتراض بريطانية صريحة ضد مواقف تلك الدول، لعلها تؤثر فى مواقفها.
وقال “رجب” إن لديه قناعة بأن بريطانيا ستجري اتصالات خاصة مع الدول المطبعة مع بشار الأسد أو المؤيدة للتقارب معه من أجل العدول عن تلك المواقف، معرباً عن اعتقاده بأن البريطانيين سينجحون في هذا، فهم متخصصين في ممارسة الضغوط ومثل هذه المسائل، على حد تعبيره.
إقرار بفشل الرهان
وفي نهاية أبريل وبدايات مايو من العام الجاري كان هناك حديث عن مبادرة أردنية عربية تتعلق بالأزمة السورية، والتي نصت على أنه يمكن تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق وتقديم الأموال اللازمة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بعد الزلزال المدمر، ومطالبة الدول الغربية برفع الإجراءات العقابية ضد حكومة بشار، مقابل مجموعة من الشروط قيل إنها لتحريك المياه الراكدة في الأزمة فيما يتعلق بمسار الحل السياسي.
وقالت وقتها صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن العرب عرضوا ذلك مقابل أن يبدي بشار الأسد انفتاحاً على الحوار مع المعارضة، وإرسال قوات عربية لمراقبة عودة السوريين بالخارج إلى وطنهم، وأن تعمل حكومة بشار على وقف تهريب المخدرات إلى الدول العربية المجاورة، وأن تعمل على تقليص النفوذ الإيراني في الأراضي السورية.
لكن يبدو ومع مرور أكثر من شهرين على إعادة حكومة دمشق إلى الجامعة العربية أن بشار الأسد لم يعط اهتماماً بتلك البنود التي يفترض أنها تأتي إعمالا لمبدأ خطوة بخطوة، ورغم أنه لا يوجد مسؤول خليجي أو عربي صرح بذلك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لكن هذا الأمر يمكن تلمسه من خلال مقال للكاتب رامي الخليفة في صحيفة “عكاظ” السعودية – قبل أيام – والذي أكد أن بشار الأسد لم يبد موافقة على أفق الحل العربي المقترح، مما خلق حالة من الشك لدى المجتمع الدولي بشأن نجاح العرب في مقاربتهم مع بشار.
في هذا السياق، يقول حازم العبيدي المستشار السياسي لمركز الرافدين الدولي للعدالة وحقوق الإنسان بجنيف إنه منذ البداية والمقاربة العربية لحل الأزمة السورية عبر التقارب مع بشار الأسد محكوم عليها بالفشل، لأن “الأسد” مجرد مجرم حرب غير مهتم بحل الأزمة وإنما يريد البقاء في السلطة حتى لو كان “مجرد حاكم لمقاطعة دمشق” أو ممثل لروسيا وإيران في دمشق.
وأضاف “العبيدي”، في تصريحات لمنصة “تارجيت” الإعلامية، أن تصريحات المبعوثة البريطانية تؤكد بما بلا يدع مجالاً للشك أن المجتمع الدولي ليس لديه ذرة ثقة في أن حكومة دمشق يمكنها المضي قدماً في حل سياسي حقيقي، وما يجب أن يكون هو أن يحاكم بشار على كل ما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري الذي يعاني منذ عام 2011، مستعيناً في ذلك بالميليشيات الإيرانية واللبنانية والدعم الروسي.
وتوقف “العبيدي” كذلك عند المقال الذي ورد في صحيفة عكاظ السعودية قائلاً إن مقال كهذا لم يكتب عبثاً، فمن المعروف أن الصحافة الخليجية تعبر عن وجهة نظر حكومات تلك الدول، وبالتالي حين يسمح بتمرير مثل هذا المقال فإنها بداية وتمهيد لاعتراف عربي لاحق بفشل رؤيتهم للتقارب مع بشار وأنه شخص لا يعول عليه.
ويأتي الموقف البريطاني في خضم تحركات داخل الكونجرس الأمريكي من أجل إقرار قانون لتحريم التطبيع مع بشار الأسد، والذي يهدف إلى فرض عقوبات على حكومة دمشق والمطبعين معها تستمر حتى عام 2032.